تلخيص كتاب “إمداد القوي في شرح الورد الدرقاوي” الحلقة 4

بقلم الدكتور مولاي عبد الهادي بصير

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أيها الاخوات والإخوة نلتقي معكم اليوم في الحلقة الرابعة من تلخيص كتاب إمداد القوي في شرح الورد الدرقاوي.
نقول بتوفيق الله نقول:
الجواب كامن في قوله تعالى: “ما فرطنا في الكتاب من شيء” [الأنعام الآية: 38] اي في كتاب الله تعالى الذي يحظ على ملازمة الإنابة والخضوع له تعالى في قوله: ” وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون “[الزمر الآية 54] مع مراقبة الله عز وجل والعكوف على ذكره، بحيث لا تر الفعل إلا فعله فتسلب له الإرادة وحده، ولا ترفاعلا مرفوعا في عليائه ترفع له همتك إلا هو، ولا مفعولا منصبا من جميع مخلوقاته إلا به، وهذا لا يتأتى إلا بالاستمرار والمداومة على ذكر الله.

فالإنسان أيها الأخوات والإخوة، بشر وسيبقى بشرا مهما سمت روحه وإنسانيته لن تنفصل عنه، قال تعالى: “وخلق الإنسان ضعيفا” [النساء الآية: 28] ، وهو على قيد الحياة يكابد نفسه التي بين جوانحه، وهواه الذي يميل به يمنة وشمالا، والدنيا التي تغريه بزخرفها، والشيطان الذي أحذق به من جميع الجهات، كلهم يستميلونه ويستخفونه وهذا أشد الضعف، حتى شكالهم العارف إلى ربه قائلا:
يارب إني بليــت بأربع يرمونني
عن بعد بقوس له توتيـر ++نفسي والشيطان والهوى والدنيا
وأنت ربي على الخلاص قدير

والشيطان لا يلج قلب بني آدم إلا من أبواب ثلاثة حيث لا رقيب ولا حسيب
– الباب الأول: الغفلة،
– الباب الثاني: الشهوة،                                                                                                                                           – الباب الثالث: الغضب،
ولو احترز العبد ما احترز لا بد لـه من غفلة، ولابد لـه من غضب، ولابد له من شهوة، “وقد كان آدم أبو البشر من أحلم الخلق وأرجحهم عقلا وأثبتهم، ومع هذا فلم يزل به عدو الله حتى أوقعه فيما أوقعه فيه، فما الظن بفراشة الحلم، ومن عقله في جنب عقل أبيه آدم كتفلة في بحر، لكن عدو الله لا يخلص إلى المؤمن إلا غيلة وعلى غرة وغفلة، فيوقعه ويظن أنه لا يستقبل ربه تعالى بعدها، وأن تلك الواقعة قد اجتاحته وأهلكته وفضل الله ورحمته وعفوه ومغفرته، من وراء ذلك كله.”

وطلبا للعصمة لابد أن يأوي العبد الضعيف إلى ركن شديد من هذا العلاج بالعكوف والركون والديمومة على ذكر الله تعالى لتحصين نفسه وتقوية روحه على تخطي العقبات، والسيطرة على الغرائز التي تتجاذبه عن يمين الصراط وشماله، ليصبح بالمعنى الذي يريده ربه من قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم [ الإسراء الآية 70] روى الإمام أحمد والترمذي من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” إن الله سبحانه وتعالى أمر يحيى بن زكرياء عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وأنه كاد أن يبطئ بها، فقال لـه عيسى عليه السلام : إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي وأعذب، فجمع يحيى الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد، فقعدوا على الشرف، فقال إن الله تبارك وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعملهن وآمركم أن تعملوا بهن: … إلى أن قال لهم: “وأمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو على إثره سرعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى ………الحديث .

قال ابن القيم رحمه الله معلقا على هذا الحديث : “فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقا بالعبد أن لا يفتر لسانه عن ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهجا بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، فهو يرصده فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى إنخنس عدو الله وتصاغر وانقمع، حتى يكون كالوصع وكالذباب، ولهذا سمي الوسواس الخناس، أي: يوسوس في الصدور فإذا ذكر الله خنس أي كف وانقبض.”

ها أنت أخي مريد الله ترى أن لا سبيل إلى تربية النفس إلا باتخاذ وظيفة من ذكر الله تداوم عليها، وتغذي بها الروح لتتقوى على تخطي عقبات أهواء النفس الأمارة بالسوء، وتحصل على رضى الله الذي لا سخط بعده، قال الله تعالى:   واتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون [العنكبوت الآية: 45] فذكـر الله مـع المداومة أكبر من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر.
لهذه الغاية كان الذكر أفضل عبادة بعد كتاب الله تؤدى باللسان، وهي العبادة الوحيدة التي لم تقيد بوقت معين كسائر العبادات، قال ابن عباس رضي الله عنه : كل عبـادة فرضها الله تعالى جعل لها وقتـــا مخصوصا وعذر العباد في غير أوقاتها إلا الذكر، لم يجعل الله لـه وقتـا مخـصـوصا، قـال تعـالى:   فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم   [النساء الآية : 103] كما أنها لم تقيد بشرط لتبقى حبلا موصلا بين الرب وعباده.

فإذا كان اللسان قد تعود على ذكر الله، والخاطر قد حصل فيه الحضور لذكره، فإن الإنسان لابد أن يكون مصدرا للخير، لأن الذكر يمحصه ويخلصه من جميع الأدران، ليبقى بعد ذلك موردا عذبا وطريق هداية وسبيل استقامة، وقد ذكروا إلى جانب ذلك أن الذكر حين يبلغ هذه الدرجة بالمرء المؤمن يكون علامة من علامات التقوى في أكمل صورها، وهي التي أشار إليها قوله تعالى:”اتقوا الله حق تقاته” [آل عمران الآية: 102]، و شروط هذه التقوى لتحصل وتكون نافعة لأصحابها، ” أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر”.

وكثرة الذكر وقلته حد فاصل بين الإيمان والنفاق وذلك ومن جملة ما وصفهم به قوله:   إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا  مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد لـه سبيلا   [النساء الآيات: 142-143] فالمنافقون يعملون عمل المخادع وهو سبحانه مجازيهم عن خداعهم، بأن يذهب بنورهم يوم القيامة، وقد وصف أعمالهم: فهم يصلون حذرا على دمائهم وسمعتهم لا يرجون بفعلهم ثوابا، ولا يخافون بتركها عقابا، ليراهم الناس فيحمدوا أفعالهم، قال قتادة: “والله لولا الناس لما صلى المنافق”، وسمى ذكرهم بالقليل لأنه ولو كان لله لكان كثيرا لأنهم يقتصرون على ما يظهـر دون ما يخفى من القراءة والتسبيح، قال كعب: “من أكثر ذكر الله برئ من النفاق”، وأخرج أيضا: “ومن لم يكثر ذكر الله فقد برئ من الإيمان”، فمن أكثر ذكر الله فقد خالفهم في أوصافهم، ولهذا ختمت سورة المنافقين بالأمر بذكر الله وأن لا يلهي المؤمن عن ذلك بمال ولا ولد قال تعالى:  ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون   [المنافقون الآية: 9] بل هم يشوشون على كل ذاكـر لتقويض عزيمته وزعزعة حبه، فينعتونه بألفاظ برئ الإسلام منها، لكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا نحفل بقولهم فقال :  اذكر الله حتى يقول المنافقون إنكم مراءون، لأن علامة حب الله كثرة ذكره، “فإنك لن تحب شيئا إلا أكثرت ذكره” كما قال الربيع بن أنس عن بعض أصحابه.

وذكر إخوانهم الذين يمدونهم في الغي قال تعالى :   وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون   [الزمر الآية :45] أي : انقبضت وجوههم عن التوحيد فاستكبرت ثم نفرت، وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يفرحون وتطمئن قلوبهم،  يحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون  استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون   [المجادلة الآيات : 18-19].

ولو كان لأحد أن يُنهى عن الذكر، لنهي زكرياء بن يحيى، لكن الله أمره بأن لا يترك الذكر في نفسه مع اعتقال لسانه، قال تعالى:   قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار [ آل عمران 41 الآية ]، ولرخص للرجل يكون في الحرب، يقول الله تعالى:   يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون  [ الأنفال الآية 46].

فلنسأل هؤلاء ما هو البديل الذي قدمتموه للناس بعد صرفهم عن الذكر، ونزع الوسائل المساعدة على ذلك؟ لست أرى هناك من بديل سوى أنكم صنفتموهم في حزب الشيطان، فما كل الناس يتأتى لـه قراءة القرآن، فالناس فئات : فيهم العالم، و الأمي والجاهل، فإذا ألزمنا الناس بقراءة القرآن عوضا عن الذكر فإن الفئة المستفيدة قليلة، ونعرض الأكثرية للغفلة والضياع، فنبوء بإثمهم، ولا حجة لنا يوم العرض على الله ، فقبل أن تنهى أحدا عن فعل، قدم لـه البديل، لتكون نعم الناصح الأمين، فما هو البديل الذي قدمت لمن نهيته عن الذكر بجميع أحواله ووسائله؟ ونحن نعلم أن الناس إذا لم يشتغلوا بحق اشتغلوا بباطل،

يتبع
حرر بالحجر الصحي بالزاوية البصيرية العامرة بالله وقته 9 رمضان 1441ه/ الموافق 3 مايو 2020

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *