كلمة السيد سيداتي ولد الغلاوي
إنه لشرف أن أتكلم أمام هذا الحضور المتميز وفي هذا المكان المضياف لنتحدث عن شخصية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها متميزة،
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلال المحترم.
السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير.
ابناء وأعضاء ومريدو الزاوية الدرقاوية الإبراهيمية البصيرية الشرفاء.
السادة الحضور الكرام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إنه لشرف أن أتكلم أمام هذا الحضور المتميز وفي هذا المكان المضياف لنتحدث عن شخصية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها متميزة، فمستوى الحضور وما سيدلي به من شهادات في حق هذا الرجل العظيم تمثل برهانا على المكانة التي تمتع بها في وقته وما زال يحظى بها حتى يومنا هذا.
لقد عرفت الكثير وسمعت الكثير عن محمد سيدي إبراهيم بصير وأنا في مكان آخر، ومع أن الطرف الآخر استغل اسمه ونضاله بطريقة تخالف الواقع إلا أن هناك إجماع على مكانته العلمية ونبل خلقه، ولا غرو فهو من هذه الأسرة الشريفة التي تمثل الدين والأخلاق وتنحدر من قبيلة الركيبات الشريفة الأصيلة المجاهدة الوطنية والمتشبثة بالعرش العلوي المجيد.
في الحقيقة لن أقرأ نصا مكتوبا، بل سأحاول التطرق من خلال تجربتي المتواضعة عندما كنت في الطرف الآخر لمدة زمنية طويلة، لأتحدث على الجانب الذي يستعمل من قبل إخواننا وأبناء عمومتنا في الطرف الآخر لاستغلال نضال البطل وابن الصحراء الموحد، محمد سيدي ابراهيم بصيري لصالحهم، فأهمية المكان ووجودنا فيه تثبت بما لا يدع مجالا للشك أهمية الحدث.
فهذه الزاوية التي انطلق منها هذا الشاب المميز في بداية شبابه والتي أنجبت مثله، وجودنا فيها يدل على عمق الصلة والروابط الوثيقة، تلك الروابط الاجتماعية والعائلية و التاريخية والدينية الجامعة مابين شمال المملكة وجنوبها، ولا أغفل الجانب الصوفي فيها، فهو يدل أيضا على عمق الوشائج الرابطة بين الشمال والجنوب.
ويدل وجودنا هنا على أهمية هذه الزاوية وشرف أهلها وارتباطهم بباقي بني عمومتهم بالجنوب، وكذلك على أصالتهم التاريخية المغربية كمجاهدين وكمربين للروح وكهادين للطريق وكآمرين بالمعروف وناهين عن المنكر.
ومن هنا تأت أهمية هذا الشخص المميز الذي نتحدث عنه، فلو كان شخصا عاديا لما ادعاه الجميع، وبالصدق لن يسأل عنه أحد، فكم من أشخاص ولدوا وعاشوا وماتوا ولم يسأل عنهم أحد.
إن هذا الشخص الذي يدعى في الطرف الآخر كرمز للانفصال، نحن نثبت أن هذا مكان منبعه وأصله وعراقته، وبالتالي أحقيته أن ينصف، لأن التاريخ أنصفه،وأظن أن الندوة التي أقيمت السنة الماضية بالعيون بالأقاليم الجنوبية، وكذلك هذه الندوة الثانية، هي دليل على وجود الحق والحق يعلى ولا يعلى عليه.
وكثير من الأشخاص ألصقت بهم التهم عبر التاريخ، ولكن التاريخ أنصفهم، فذلك العالم الإيطالي جاليليو مثلا، الذي قال في القرون الوسطى أن الأرض تدور، جرمته الكنيسة وأصبح مجرما، وبعد مئات السنين اعترف له بالفضل وبالثبوت العلمي لمقولته، وغيرهم وغيرهم من الذين مروا لفترة زمنية وأنصفهم التاريخ، وأظن أن هذه الندوة اليوم أنصفت محمد بصير في فترة زمنية وجيزة.
أما استغلال الطرف الآخر لنضال سيدي محمد بصير، فقد كان دائما يتحدث عنه على أنه قائد الحركة التي وقعت في انتفاضة الزملة، وأن هدفها كان الانفصال على ما يقال ، ولكن هذه مقولة، وأنا شخصيا لم أطلع قط على أية وثيقة تثبت هذا ، ولست على علم بأن أحدا منكم يستطيع أن يثبت هذا “قل هاتو برهانكم إن كنتم صادقين”.
هذا البرهان ليس موجودا، وهذا ادعاء، والبينة على المدعي واليمين على من أنكر، وهذه البينة نحن لم نشاهدها إنصافا للتاريخ، وهذه ليست مجاملة، وليست لحاجة في نفس يعقوب، أقول هذا شهادة للتاريخ، والتاريخ لا يمكن أن يزور، التاريخ آجلا أم عاجلا تثبته الحقائق” قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” .
ومن هذا المنبر سأستدل ببعض ما قاله عنه الإسبان الذين قاومهم وناضل ضدهم وسجنوه وفقد على أيديهم، حيث ما زال مصيره مجهولا، إذ كما يقال الحق ما شهد به الأعداء، أو كما قال تعالى:” وشهد شاهد من أهلها”.
سأستدل بنص كتاب مؤلف سنة 2000 م من طرف كاتب إسباني يدعى توماس باربيلو) Tomas Barbulo ( ، عنونه بعنوان:” التاريخ المحظور للصحراء الإسبانية”، طبع هذا الكتاب أربع مرات ونفدت جميع النسخ، واستدلالي بذلك ليس إيمانا بأن ما يقال من طرف الاستعمار هو الصحيح، ولكن شهد شاهد من أهلها كما أسلفت.
هذا المؤلف الإسباني بحث في الأرشيف والإدارة الإسبانية، ونص في صفحة من صفحات هذا الكتاب أن هذا الأرشيف يحتوي على مليون وخمسمائة ألف صندوق من الوثائق الموجود في ألكانا نيرات بقرب مدريد، والذي أعده للطبع بعد بحث دام عشرات السنين، تنقل خلالها بين إسبانيا والجزائر والمخيمات، وقام بلقاءات عديدة مع إخوة في الطرف الآخر وفي عدة أماكن، وأثبت بما لا يدع مجالا للشك من خلال الأرشيف و من خلال اللقاءات، أن حركة الشهيد سيدي محمد بصيري وانتفاضته تعد عملا وحدويا وليس عملا انفصاليا .
يقول في ص80:” في صبيحة يوم 17يونيو 1970م ظهرت واقعة مؤسفة،حيث رسم العلم الإسباني على باب الهيئة المسيحية في وسط المدينة وهو ممزق ومخترق من قبل رمز المملكة المغربية الشريفة، ومن هنا يستخلص أنه إذا كان هناك شك في البداية حول الأصول والأهداف من حركة بصيري، فهذه الحادثة أبعدت الشك بكونها مغربية” انتهى ما قاله الكاتب.
وفي صفحات أخرى يتحدث عن الفقيد أنه كان يبدأ كتاباته ببسم الله الرحمن الرحيم وبالتوكل على الله، وهذا يثبت أنه إنسان له إيمان قوي وله عزيمة راسخة.
ويستطرد الكاتب الإسباني في نفس الكتاب في ص 83 وهو يتحدث عن أحداث يوم الزملة، وعن الاجتماع الذي جمع بصير ببعض معاونيه، حيث نصحه هؤلاء بضرورة مغادرة المكان، فهو حسب قولهم مغربي الأصل وليست لديه وثائق، ويتابعون الحديث بصدد تقييم وضعهم فيقولون لبصير حسب الكاتب في الصفحة 87 هناك سيارة جاهزة فلنذهب إلى موريتانيا فرد بصير قائلا:” أبدا لن يقال أنني الشخص الذي دفع بقومه إلى الهلاك ثم اختفى”.
في نهاية المطاف وبعدما حدث ما حدث ، وبعد انتهاء المجزرة ،وبعد إطلاق الرصاص من طرف كتيبة من الجيش الإسباني واتضح على الأمور اتجهت نحو الأسوأ توجه بعض رفاقه إليه وطلبوا منه الفرار فقا لهم كلمته المشهودة:” لن يكتب التاريخ أنني الشخص الذي أتيت لتحرير بلدي وقدت أبناء عمومتي إلى الهلاك وتركتهم وهربت ، لن يسجلها التاريخ”.
في هذا الكتاب أيضا، وبالظبط في الصفحة 97، نجد المؤرخ الإسباني تطرق في بعض الوثائق إلى قضية أثارت انتباهي يحسن بي الإشارة إليها مادمنا موجودين في الأطلس المتوسط مسقط رأس الشهيد، وهي المتعلقة بكلمة السر ما بين أعضاء الحركة ليتعرف بعضهم على بعض، وكانت هي :”أورلي طباكا”، وهي كلمة بالشلحة الأمازيغية وتعني ليست عندي طباكا، وهذا كله دليل على أن الفقيد كان متمسكا بجذوره الأطلسية.
هذه الشهادة من الإسبان إن دلت على شيء فإنما تدل على أن هذا البطل كان مغربي الأصل والأفكار والانتماء والتوجه ولم تكن له أفكار انفصالية كما يزعم البعض.
وفي الختام أشكر للحضور حسن الإنصات ولهذه الأسرة الشريفة كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
زاوية الشيخ سيدي ابراهيم البصير 17\06\2009
سيداتي الغلاوي