الدخول المدرسي 1

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا،
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره،

أما بعد فياعباد الله،
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم)، هذه أول آية أوحى الله تعالى بها إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، واستنبط منها العلماء الدعوة إلى العلم والتعليم والقراءة والكتابة، ولشرف القراءة والكتابة أقسم الله بها حيث قال: (ن والقلم وما يسطرون)، فأقسم سبحانه وتعالى بالقلم والكتابة وأدواتها والملائكة الذين يكتبون، كل ذلك تعظيما لشأن الكتابة التي هي أداة العلم.

أيها الإخوة الكرام، بمناسبة حلول أيام الدخول المدرسي أحببت أن أكلمكم عن فضل العلم والتعلم، لنذكر كل واحد بواجباته، بدءا من التلميذ والوالد والوالدة والمدرس والمربي والمشرفين على المدارس والمؤسسات التعليمية، ليساهم كل واحد منا بما يخصه اتجاه النهوض بإصلاح العملية التعليمية التي كثر الحديث حولها في السنين الأخيرة، والتذاكر بين الحين والآخر حول عملية إصلاح التعليم من يوم حصول مغربنا على الاستقلال إلى الآن أمر عادي وطبيعي، لأن المجتمع كل مجتمع ينبغي أن يجدد في وسائله وبرامجه وخططه حسب ما تتطلبه الظروف والإكراهات لمسايرة باقي شعوب المعمور، وعند النظر بإمعان إلى مختلف الإصلاحات التي عرفها قطاع التعليم بالمغرب نجد والحمد لله إن هذه الإصلاحات أعطت أكلها بالنظر إلى ما خرجته من أجيال في مختلف التخصصات خدمت البلاد أحسن خدمة، وسنخصص بحول الله تعالى سلسلة خطب لهذا الموضوع نظرا لأهميته.

أيها الإخوة الكرام، إن الإسلام الذي هدانا الله بفضله إليه، لندين له به -سبحانه- هو دين العقل، دين المعرفة، دين العلم بمفهومه الشمولي العام، والعلم مقدم على العمل كما جاء في قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين وللمؤمنات)، وما ذلك إلا لأن الذي يعمل بلا علم كالماشي في الظلام لا يدري أين يضع قدميه؟

أيها الإخوة الكرام، إن ديننا الإسلامي الحنيف جعل العلم غاية يجب أن تنشد، وهدفا ينبغي أن يقصد، لأنه دليل وقائد إلى الإيمان ومعرفة الصحيح من الخطأ في الاعتقادات والحلال من الحرام في المعاملات والتصرفات …فمن وفق إلى طلبه فقد فاز فوزا عظيما، لأنه حياة للقلوب الميتة، وتحرير للنفوس من أغلال الجهل ومصباح للبصائر في الظلم، ومرقاة إلى منازل الأبرار، وصيانة لحامله العامل به من النقائص والأضرار، لذلكم قيل: “العلم يحرسك وأنت تحرس المال، وهو يدفع عنك وأنت تدفع عن المال”، وقال الخليفة عبد الملك بن مروان لبنيه: “يابني تعلموا العلم، فإن كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطا سدتم، وإن كنتم سوقة عشتم”، وقال وهب بن منبه: “يتشعب من العلم الشرف وإن كان صاحبه دنيئا، والعز وإن كان مهينا، والقرب وإن كان قصيا، والغنى وإن كان فقيرا، والنبل وإن كان حقيرا”

إنه خير يجب ألا يقنع مسلم بقليله، وأن لا يشبع من كثيره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه الترمذي: “لن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة”، وقد سئل عبد الله بن المبارك رحمه الله إلى متى تطلب العلم؟ فأجاب: حتى الممات – إن شاء الله – لعل الكلمة التي تنفعني لم أكتبها بعد”.

أيها الإخوة الكرام إن أفضل ما يطلب في هذه الدنيا هو العلم، فقال سبحانه: (وقل ربي زدني علما)، والعلم إرث الأنبياء، فالأنبياء عليهم السلام لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ بالعلم أخذ بحظ وافر من إرث الأنبياء، فنحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري، فإذا كان الواحد منا من أهل العلم فهو من ورثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا فضل عظيم، لا يزهد فيه إلا محروم.

أيا الإخوة الكرام، إذا كان ديننا الإسلامي كما سمعتم قد دعانا إلى طلب العلم ورغبنا في تحصيله وحثنا على الاستزادة منه، فإنه أعطى لهذه الكلمة مدلولا واسعا ومفهوما كبيرا، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “طلب العلم فريضة على كل مسلم، وإن طالب العلم ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر”، فالعلم بالنسبة للمسلم والمسلمة يراد به أولا ما يجب عليهما تعلمه والعمل به، مما هو فرض عين في حياتهما اليومية العملية، من التعلم للمبادئ الأساسية في الدين، ومن معرفة أحكامه الضرورية التي ندين بها لله، ونتعبده بها في العقيدة والعبادة والأخلاق والسلوك والمعاملة، ويدخل في تعلم مبادئ الدين وأحكامه الضرورية، تعلم مبادئ اللغة العربية ومعرفة قواعدها الأساسية وعلومها من نحو وصرف واشتقاق وبلاغة وبيان وغيرها، إذ هي لغة القرآن الكريم ولغة الحديث النبوي الشريف، ووسيلة لفهمهما، وأداة لفهم ما أنتجه وكتبه السلف الصالح والخلف من علماء المسلمين في كافة ميادين العلوم الإسلامية والمعارف الإنسانية، بالإضافة إلى تعلم لغات أخرى كالفرنسية والإنجليزية والإسبانية وغيرها، لما في ذلك من الخير العميم للأمة،

ولشرف العلم والتعلم جعل الرسول صلى الله عليه وسلم فداء أسرى بدر تعليم كل أسير عشرة من الصحابة القراءة والكتابة، كما أمر الشفاء بأن تعلم بعض أزواجه الطاهرات، وإن كلمة العلم والتعلم والمعرفة في الإسلام يراد بها كذلك ما ينبغي للمسلم والمسلمة تعلمه وتحصيله ومعرفته وفهمه من علوم ومعارف إنسانية أخرى، من علوم أدبية واجتماعية وجغرافية وحضارية وقانونية واقتصادية وطبية وفلكية، وغيرها من العلوم الإنسانية التي ينتفع الإنسان في خاصيته بما تعلمه منها ويتكامل بها مع غيره، وينفع بها بلده ومجتمعه وعامة الناس، فقد تعلم الصحابة لغة الأقوام في زمنهم، وتعلم السلف الصالح علوم غيرهم من غير المسلمين، فترجموا كتبهم إلى اللغة العربية من أجل منفعة الأمة، فحازوا قصب السبق في العلوم المختلفة التي صارت من بعدهم أصول العلوم الإنسانية والعمدة في الطب والرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها فنفعوا أمتهم وانتفع بعلمهم غيرهم من الأمم، فعلموا أبناءكم وارشدوهم إلى مافيه الخير لأنفسهم وأسرهم ومجتمعهم وأمتهم وللإنسانية جمعاء كما كان أسلافهم من قبلهم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،

أما فيا عباد الله، يقول الله سبحانه وتعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتو العلم درجات)، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان عن أنس بن مالك: “ألا أخبركم عن الأجود؟ الله الأجود الأجود، وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم من بعدي رجل علم علما فنشر علمه، يبعث يوم القيامة أمة وحده”.

إن من واجبنا جميعا آباء وأمهاتا أن ندرك أفضال وفوائد عملية العلم والتعلم واكتساب المعرفة على الفرد والأسرة والمجتمع والأمة بأسرها، فنهرع ونسرع إلى تسجيل أبنائنا وبناتنا للالتحاق بمدارسهم في إبانها وحينها، ونتعهدهم في هذه الفترة الأولى في كل يوم وفي كل وقت حتى يتعودوا على المثابرة والجد والاجتهاد، فكل امرئ على ماعودته يتعود، ولا ننسى متابعتهم ومراقبتهم بلطف، حتى لا يضيعوا أوقاتهم فيما لا فائدة من ورائه، وحتى لا تنتشلهم رفقة السوء فنتحسر ونندم على عدم قيامنا بمسؤوليتنا في الوقت الذي يجب، فالطبع للطبع يسرق كما يقال.

كما يجب على رجال التعليم والمربين أن يقوموا بواجبهم انطلاقا من الأمانة والمسؤولية المنوطة بهم نحو تلامذتهم وطلابهم إذ هم أمانة في أعناقهم، وذلك بالتربية والتوجيه والإرشاد والإصلاح وإعطاء القدوة الحسنة الطيبة وتحصينهم بالعلم والمعرفة والآداب والسلوك والأخلاق، والتعاون المثمر مع آباء وأولياء التلاميذ في كل ذلك.

أيها الإخوة الكرام، ولكي تثمر هذه العملية التعليمية وتعطي أكلها، ينبغي أن يكون تعاون بناء بين آباء وأولياء التلاميذ والمؤسسات التعلمية والمربين، بأن يعرف كل واحد منهما للآخر حقه وفضله، فأنتم أيها الآباء أكرموا أهل العلم والعلماء من الأساتذة والمربين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أكرموا العلماء فإنهم ورثة الأنبياء، فمن أكرمهم فقد أكرم الله ورسوله”، وقال أيضا: “وزن حبر العلماء بدم الشهداء فرجح”،
أما أنتم أيها التلاميذ، فتأدبوا مع أساتذتكم وقدروهم واحترموهم وأنزلوهم المكانة التي تليق بهم، وأخلصوا نياتكم لله تعالى في طلب العلم، وإياكم والرياء وطلب العلم لغير الله تعالى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تعلم لله وعلم لله كتب في ملكوت السماوات عظيما”، وقال أيضا: “من تعلم العلم لغير الله فليتبوأ مقعده من النار”،
أما أنتم أيها الإخوة والأخوات فإياكم أن تركنوا إلى الجهل والكسل وحاولوا دائما أن تتعلموا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “طالب العلم أفضل عند الله تعالى من المجاهدين في سبيل الله”، وتوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقوبة من لا يتعلم ولا يعلم الناس ولا يعظهم ولا يتعظ، فقال: “ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعظوهم ولا ينهونهم، وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون، والله ليعلمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتفقهون أو لأعاجلنهم العقوبة”، والحمد لله رب العالمين.
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *