إحدى رسائل الشيخ محمد المصطفى بصير رحمه الله لفقراء إيطاليا

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

من العبد الضعيف الفقير إلى مولاه العلي القدير، خادم سادتنا وموالينا الفقراء بزاوية والده الشيخ سيدي إبراهيم، محمد المصطفى الله وليه.

إلى سادتنا وموالينا وخاصة أحبابنا في الله ورسوله، الأفاضل السادة المنتسبين إلى الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم- الفقراء بإيطاليا كلهم وبدون استثناء، الذكور والإناث الكبار والصغار ـ ولا صغير إلا صغير السن – وأخص بالذكر منهم المقدم الجليل الفاضل الشاب الناصح، الذاكر العاشق الفالح، سيدي عُمَر ومن معه من الإخوان، سيدي عبد الرقيب وسيدي عبد الحليم وسيدي يوسف وباقي الإخوان كل واحد باسمه أصلح الله الجميع، وهدانا الله وإياكم إلى طريق الفلاح والنجاح، وتولى أمرنا وأمركم بما تولى به أمر عباده الصالحين، وأركس الله الجميع في عين بحر محبته وسقى الجميع بكأس وداده ومعرفته.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد، وصلني الأعز كتابكم، الطافح بمحبتكم وودادكم والذي تسألون فيه عن أحوالنا، وهذا من خالص أشواقكم وسلامة أذواقكم وصفاء أسراركم، نورها الله بنور معرفته.

فنحن – ولله الحمد – كما تعهدوننا بخير وعلى خير، نعمة ممنونة من الله العلي القدير، كل أحوالنا في حفظ الله ورعايته، وعساكم – إن شاء الله – كذلك، على ما أخبرنا به حبيبنا وحبيبكم مقدم الطائفة.
وبإزاء ما جاء في كتابكم الشيق الأنيق، السالم الذوق في العبارة والإشارة، لايسعني إلا أن أقص عليكم نازلة وقعت في حياة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حيث أن أحد الأصحاب ـ أهل الشوق والذوق ـ قال لسيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يا سيدي نكون بين يديك على حالة نذهل فيها عن الأبناء والأولاد والإخوان والخلان، وعن الدنيا وما تشتمل عليه من الملاهي والزخارف، أو كما قال، وحين ننصرف من بين يديك ونخالط الأبناء والأولاد والإخوان والخلان، والمال، وما تشتمل عليه الدنيا من الملاهي والمتناقضات نصير على حالة غير التي نكون بها عندك، فقال المعلم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ منبها لهم ولنا من بعدهم قائلا: “والله لو تدومون على الحالة التي تكونون فيها بين أيدينا لصافحتكم الملائكة في الطرق، ولكنها ساعة وساعة”، وقال أحد العارفين الربانيين: “مقامك حيث أقامك”، وقد أقامكم الله مقام المجاهدين الجهاد الأكبر، الذي هو جهاد النفس.

نعم، إني أعرف أن معاناتكم وما تقاسونه من الأهوال والشدائد مع الثواني والدقائق والساعات والأيام والليالي والأسابيع والشهور والسنوات في العمل وفي الشارع وفي الأسواق، وبين الجيران ومع الإخوان والخلان، شيء يكاد السموات يتفطرن من فوقهن وتهد له الجبال هدا، ولا يصبر ويثبت بين ذلك وفي ذلك الخضم المتلاطم الأمواج، إلا كما قال الله تبارك وتعالى: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)، سورة فصلت الآية 35، واستمع كذلك إلى قوله عز وجل: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)، سورة النحل ، الآية 128، ويقول عز من قائل: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) سورة العنكبوت الآية 69. ويقول سبحانه: (وإن الله مع الصابرين).

وحين يشعر الإنسان ويستشعر المريد أن الله معه المعية الخاصة ـ لا المعية العامة ـ التي يكون بها مع أحبابه وأوليائه وأصفيائه، فإن الله يمده بقوة تبدد ما حوله وما بين يديه، وما خلفه، فهو حريصه على الدوام لا يغفل عنه وإن غفل المومن عنه ولا يُسْلِمه ولا يخدله، لأنه حين تذكرون الله فرادى وجماعات فهو معكم يذكركم ويرعاكم ويتولى أموركم بما تولى به أمور عباده الصالحين. ويقول تبارك وتعالى في هذا المقام: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مومنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا منكم ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين). سورة آل عمران الآيات: (139، 140، 141، 142.).

والمومن على أية حال سواء هنا أو هناك فهو غريب في المجتمع كما قال صلى الله عليه وسلم: “بعث الدين غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء” في أي عصر أو مصر، ومع هذا فأنتم، ولله الحمد، على حالة لو علم الناس ما انتم عليه من الخير الكثير لجلدوكم عليه، ولكن الدنيا وما جبلها الله عليه من المتناقضات ومن المغريات والملاهي والملذات والزائفات الزائلات استولت على قلوب وعقول الناس، وهذا ما أراده الشيطان عدو الله وعدو الإنسان ولا يسلم إلا من وفقه الله وأخذ بيده وربط على قلبه بما ربط به على خاصة أولياءه وأحبابه.
وأوصيكم ونفسي بتقوى الله ومراقبته في السراء والضراء وفي المنشط والمكره، وفي العسر وفي اليسر فهو معنا ويرانا ويعلم سرنا ونجوانا، وما نقاسيه من الصعاب والآلام ابتغاء مرضاته ورجاء ما عنده من الخير الكثير الذي لا يحول ولا يزول، أسأل الله تعالى لي ولكم الثبات في الحياة والممات وأن يسدد خطانا وأن يلهمنا التوفيق والرشاد.

هذا وإن الذي يكسبنا المناعة ويقوينا ملازمة الذكر والاستغفار وعدم الالتفات إلى الأغيار وملاحظة سريان الأقدار وبروزها وظهورها بحكمة العزيز الغفار بالليل والنهار، فليس ثمة في الكون إلا ما أراد، لا حركة ولا سكون إلا بإذنه في أنفسنا وذواتنا وفي الآفاق من حولنا، افهموا وفقني الله وإياكم إلى طريق الصواب.

وتقبلوا خالص سلامنا وأطيب تحياتنا إلى كل واحد ناطق بكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله، وخاصة أهليكم وذويكم، وجميع الأبناء الأعزاء أصلح الله الجميع، وكل من في الزاوية لا ينساكم واللحظات الثمينة الغالية التي عشتموها معهم، وإلى فرصة أخرى إن شاء الله تعالى. والسلام عليكم رحمة الله تعالى وبركاته،

 

والسلام

في يوم الخميس
26 جمادى الأولى 1417هـ
موافق 10/10/1996م

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *