الإنفاق في سبيل الله.. فوائد وآثار

الحمد لله العلي الأعلى، خلق فسوى، وقدر فهدى، وشرع لعباده ما فيه خيرهم وسعادتهم دنيا وأخرى، ودعاهم إلى الترابط فيما بينهم حتى يتحقق نفعهم،

وتجتمع كلمتهم على العروة الوثقى، نحمده تعالى ونشكره على نعمة الإسلام الفضلى.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله عادل ورب كريم، دعا عباده للإنفاق في سبيله شكرا وتعبدا، فقال تعالى: (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير)، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى الأمين، أرسله الله رحمة للعالمين، بشيرا ونذيرا للمؤمنين، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته والتابعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات؛
في الجمعة الماضية تكلمنا عن فضيلة الإنفاق في سبيل الله، وبيننا أن ديننا الإسلامي العظيم حث المؤمنين على الإنفاق في سبيل الله، توسعة على الفقراء والأيامى والأرامل والمساكين وذوي الحاجات من إخواننا وأخواتنا المؤمنين، كما بيننا أن صحابة رسولنا الكريم المقتدين بسيد المرسلينن كيف فهموا عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن في أموالهم والزائد عن حاجاتهم الأساسية حق معلوم للسائل والمحروم،
أيها الإخوة المؤمنون، اعلموا أن للصدقة تأثيرًا عجيبا على القلب والروح والبدن، فهي تخلص القلب من خصلة الشح وحب المال وإمساكه، وتقرب الروح من ربها عز وجل فهو المحبوب الأول الذي يتقرب إليه الإنسان بكل ما يملك، وتأثيرها على البدن ظاهرٌ لكل ذي لُبٍّ، فتجدُ البخيل الشحيح يخرج من عند طبيب إلى آخر، وتجد المتصدق بدنه -بقدرة الله- خالصًا من الأسقام والأمراض.
والصدقة لها من الفوائد والآثار غير ذلك، فهي  تُكَفِّرُ الخَطِيئَةَ، فعن حذيفة بن اليمان قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ أَنَا كَمَا قَالَهُ قَالَ إِنَّكَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا لَجَرِيءٌ قُلْتُ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ”.
والإنفاق في سبيل الله يَزِيدُ الحَسَنَاتِ قال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ”.
والإنفاق في سبيل الله، يستوجب الخُلْفُ فِي المَالِ، قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)، وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا”.
والإنفاق في سبيل الله، يستوجب نَمَاءهَا عِنْدَ اللَّهِ، قال تعالى: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)، وقال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ”.
والإنفاق في سبيل الله، يستوجب دُعَاءُ الإِمَامِ وَالنَّاس لَهُ ، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلواَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فعن عبد الله بن أبى أوفى  ض قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى”، والصلاة على أبى أوفى كان بطلب الرحمة والمغفرة له, وكذا صلاة الملائكة لبنى آدم بالدعاء لهم.
والإنفاق في سبيل الله، يستوجب دُخُولُ الجَنَّةِ، فعن أبى أيوب ض أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: “تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ”، وعن أبى هريرة ض أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: “تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ، قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا”، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية
من أجل ما جاء في القرآن الكريم، وحديث سيد المرسلين من الحث على الجود والكرم، يجب على المسلم أن يقتصد في مطالب نفسه حتى لا تستنفذ ماله كله، وعليه أن يشرك فيما آتاه الله من فضله غيره، وأن يجعل في ماله نصيبا يسعف به المنكوبين، ويريح به المتعبين، ويفرج به كربة المكروبين، وينفس به عن المرضى والمحرومين، وذوي العاهات المعاقين.
وقد أشا ر القرآن الكريم إلى هذا المعنى حين قرن النهي عن التبذير بأمر الإنفاق على القرابة والمساكين، لأن المبذر  سفيه يتلف الأموال في شهواته، ويضيع فيما لا يعني حقوق المحتاجين إلى معونته، قال تعالى: (وآت ذا القربى حقه، والمسكين وابن السبيل، ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفورا).
واعلم أخي أن دعوة الإسلام إلى الجود والكرم والإنفاق في سبيل الله مستفيضة مطردة، وحربه على الشح والبخل موصولة متقدة، لذلك جاء في الحديث عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم: “السخي قريب من الله قريب من الناس، قريب من الجنة بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله  بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل”.

الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *