كلمة الدكتور مولاي رضوان بصير
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا مولانا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وعلى من سار على نهجهم وسلك طريقهم إلى يوم الدين.
أجدد الترحاب بالجميع سائلا الله تعالى أن يجعل حضوركم في رحاب هذه الزاوية العامرة التي بفضل الله لا تنقطع فيها قراءة القرآن و ذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أناء الليل وأطراف النهار، أقول أن يكون حضوركم سببا فى رفع الدرجة في الدنيا والآخرة و صلاح الأبناء ونيل ما ترغبون فيه وفوق ما ترغبون، وصلاح الحس والمعنى الظاهر والباطن، آمين.
أما بعد،
فأحب بهذه المناسبة الكريمة أن أرفع من هذا المنبر نداء لأخوتنا وبني عمومتنا في الجهة الأخرى من باب النصح لله لا غيركما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري عن أبى هريرة ” الدين النصيحة: لله ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، ولعامتهم ” أقول لهم أن يفكروا في جمع الشمل و الرجوع إلى ذويهم وصلة أرحامهم فما منكم من أحد إلا وقد ترك والده أو والدته أو هما معا علاوة على إخوته وأبناء عمومته وأولو رحمه ولكل من هؤلاء حقوق سنسأل عنها غدا يوم القيامة، قال تعالى في سورة الإسراء:” وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلآ إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ربكم أعلم فما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا” ويقول الله تعالى في سورة الرعد ” والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة اولئك لهم عقبى الدار، جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار” ويقول الله عز وجل في سورة الروم :” فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك للذين يريدون وجه الله واولئك هم المفلحون”
وفي برور الوالدين يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ” الصلاة على وقتها” قلت ثم أي؟ قال: ” بر الوالدين”.
وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال : ” أحي والداك” قال نعم.قال : ” ففيهما فجاهد”.
وأخرج الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال:” فهل من والديك أحد حي” قال: نعم بل كلاهما حي قال:” فتبتغي الأجر من الله” قال: نعم قال:” فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما” أنظروا إخواني لهذه النصيحة الغالية الثمينة.
وفي صلة الرحم، نجد الحديث الذي رواه البزار ورجاله ثقات عن علي رضي الله عنه : عن النبي صلى الله قال: ” من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه وتدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه”
وأخرج الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أمنا عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ومن قطعنى قطعه الله”
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله صلى عليه وسلم: ” إن الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت : بلى، قال فذاك لك” ثم قال صلى الله عليه وسلم:” اقرؤوا إن شئتم : ” فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم.
وهنا أتسائل بالله عليكم، ما عساكم تقولونه يوم العرض على الله، الأتي لا محالة، لما يسألكم عن سبب قطع رحمكم؟ أتمة جواب تبررون به هذا الجفاء لأهلكم و ذوي رحمكم ؟ فالكيس أي العاقل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، كما قال صلى الله عليه وسلم، وانظروا معي إلى قصة التابعي بل أحسن التابعين كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيدي أويس بن عامر القرني وقصته معروفة في صحيح الإمام مسلم أتيت بملخصها اختصارا، فهو عاش في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن لم يتسنى له رؤيته لانشغاله برعاية والدته التي كانت بصيرة ومقعدة وكان يقوم بجميع شؤونها يخدمها بتفان كبير، وكان يتحرق لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم، لكن انشغاله بأمه منعه من ذلك حتى إلتحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ولم يره، ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه أخبر به سيدنا عمروأو صاه بمحاولة ملاقة سيدنا أويس وطلب الدعاء منه والاستغفار له، فمكانة سيدنا عمر لا تخفى على أحد وقد لا أطيل في سرد محاسنه وفضائله، ورغم ذلك يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يطلب من سيدنا أويس أن يستغفر له الله فهل ياترى تمة ما هو أحسن في هذه الدنيا وألذ من الجلوس بين يدي رسول الله والإجتماع به والإستماع له مباشرة، لكن تعذر على سيدنا أويس المجيء للمدينة بسبب خدمة أمه ورعايتها، ولما جاء إلى المدينة المنورة بقي خارجها يحرس إبل أهله وقبيلته فلما قدمت الوفود على سيدنا عمر قال لهم قوموا، حتى قام الجميع ثم أمرهم بالجلوس إلا من كان من اليمن فجلسوا ثم أمرهم بالجلوس إلا من كان من قرن فجلسوا إلا رجل واحد فسأله سيدنا عمر رضي الله عنه عن أويس فقال له الرجل إنه إبن أختى وهو الآن خارج المدينة يحرس إبلنا فنادي سيدنا عمر على سيدنا على وأمره بمرافقته للقاء سيدنا أويس وهناك طلبا منه الإستغفار وقال لهم كيف لي أن أستغفر لكما الله وأنتما عشتما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سيدنا عمر هكذا أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أليست قصة أويس هذه مثالا يجب أن نقتدي به في هذا الباب، والعبرة كذلك من القصة هي أنه ليس لمن يرجو الله واليوم الآخر سبب يحول بينه وبين رعاية والديه والإجتماع بهما وعدم قطع الصلة بهما حتى يفترق معهما على خير، وهذه الصلة والرعاية تطول، بطبيعة الحال، حسب شريعتنا المحمدية الأبناء، الإخوان وجميع الأقارب.
وهنا أرى أنه قد حان الآوان بعد هذه السنين العديدة التي تقدر بنحو 35 سنة الرجوع إلى الرشد والتوبة إلى الله والرجوع إلى الوطن للتمتع بمرافقة ومصاحبة الوالدين والأحباب والمضي على خدمة الجميع، والحصول منه على صالح الدعاء، عسى الله أن يبعثنا ويبعثكم مقاما محمودا، فعمرنا في نقصان وليس في زيادة ومرور الأيام إشعار لنا باقتراب أجلنا، وليس لنا متسع من الوقت لإضاعته في الإنعزال والإديولوجيات الواهية بل علينا السعي لما به نكسب رضى الله ورضى الله هو في رضى الوالدين كما أخرج الإمام مسلم فيما رواه عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين” وفقنا الله جميعا لما فيه الخير، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته