محبة الله

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين،
وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره،
أما بعد، فيا عباد الله،
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في المتفق عليه:”ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما”.
أيها الإخوة الكرام، نود في خطبة هذا اليوم الحديث عن محبة الله ومعناها وموقعها من الدين وعلامات محبة الله، والأسباب الجالبة لها، وقبل ذلك دعونا نعرف معنى محبة الله لغة واصطلاحا، فلو عدنا إلى معاجم اللغة وبحثنا عن مادة الحب، وحب، وأحب ؛ نجد هذه المعاني تتمحور حول خمس معاني، الصفاء والبياض، العلو والظهور، اللزوم والثبات، اللب، الحفظ والإمساك، هذه معاني المحبة في قواميس اللغة، فلا بد من صفاء المودة لله، ولابد من هيجان إرادة القلب لله، ولابد من علو المحبة وظهورها لله، ولابد من ثبات إرادة القلب على حب الله، ولابد من لزوم محبة الله لزوماً ثابتاً، وإعطاء المحبوب الذي هو الله لب القلب وسويداءه.
وفي الاصطلاح عرفها بعضهم بقوله: هي إيثار المحبوب على جميع المصحوب، تأملوا معي في سيدنا أبي بكر عندما أراد الهجرة مع رسول الله وأخذ جميع ماله، سأله النبي صلى الله عليه وسلم: “ماذا أبقيت يا أبا بكر؟” قال: “الله ورسوله”، أعطى كل ماله للنبي عليه الصلاة والسلام، هذه مرتبة السابقين السابِقين، وقيل في معناها أن الذي يحب الله عز وجل لا يتأثر بزمان ومكان، فهو مع الله والله معه في كل زمان ومكان، أناس كثيرون في بلادهم وأمام قومهم يصلون الصلاة بأوقاتها، يؤدون ما عليهم من واجبات دينية، فإذا سافروا إلى بلاد أخرى خلوا بمحارم الله وانتهكوها، تفلتوا من منهج الله، هؤلاء لم تدخل المحبة إلى قلوبهم.
ولكي يتضح لكم موقع المحبة من الدين دعوني أضرب لكم المثال التالي: بيت فيه عشرات الأجهزة الكهربائية، ثلاجة وآلة تصبين ومروحة ومكيف وفرن ومسجلة، فهذه الأدوات الكهربائية كلها لا معنى لوجودها في البيت إن لم يكن البيت يتوفر على طاقة كهربائية، فبدون طاقة كهربائية، تصبح عبئاً، تشغل حيزا في البيت أنت في أمس الحاجة إليه، أما إذا سرت الطاقة الكهربائية في هذه الأجهزة فكل جهاز يقدم لك خدمات لا تنتهي، فموقع المحبة من الدين كموقع الطاقة الكهربائية من هذه الأجهزة، المحبة قوت القلوب، وغذاء الأرواح وقرة العيون، هي الحياة التي من حرمها فهو في جملة الأموات.والحب والشوق إلى الله أساس الدين، هي روح الإيمان، هي روح الأعمال فمتى خلت منها كانت هذه الأعمال، وهذا الإيمان كالجسد الخالي لا روح فيه، وصدق الذي قال: الحب هو الوقود الذي يقود.
أيها الإخوة الكرام، لقد قضى الله يوم خلق السماوات والأرض أن المرء مع من أحب، فإذا كنت محباً لله فأنت معه وإذا كنت معه كان معك، وإذا كان معك نصرك، وإذا كان معك حفظك، وإذا كان معك أيدك، وإذا كان معك وفقك، ولله ذر من قال:إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك؟
أيها الإخوة الكرام، لما كثروا مدّعوا المحبة، طولبوا بإقامة البينة على صحة دعواهم، فهذه الدعوى لا تُقبل إلا ببينة، وهل تعلمون ما هذه البينة؟البينة تتجلى في قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم).
فلا تقع في وهم خطير، ولا تظنن نفسك محباً إن لم تتبع سنة النبي، لا تتوهم أنك محب لله إن لم تكن متبعاً لحبيبه في أقواله، وأفعاله وأحواله وأخلاقه، علامة حبك لله اتباع سنة النبي، وأية دعوى لا تأتي بالدليل والبينة فهي بحق دعوى باطلة، وعندما تغرس شجرةُ المحبة في القلب، وتسُقى بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب تطيب ثمارها، ومتابعة النبي عليه الصلاة والسلام في أعماله وأقواله وأخلاقه، سبب مباشر لكي ترسخ هذه المحبة وتثبت في قلوبنا، فبحسب هذا الاتباع تثبت هذه المحبة وتقوى، وبحسب نقصان الاتباع تنقص هذه المحبة وتتلاشى.
أيها الإخوة الكرام: بقي أن أتحدث عن الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها، أول ذلك أن تقرأ القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به، فتلاوة كلام الله عز وجل أحد الأسباب الأولى الموجبة لرحمته، إن أردت أن تحدث ربك فادعه، وإن أردت أن يحدثك الله فاقرأ القرآن، فقراءة القرآن أحد أسباب محبة الله عز وجل، وثاني هذه الأسباب التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض فإنها مما يوصل المحب إلى درجة المحبوبية، وثالثها دوام ذكر الله عز وجل على كل حال بالقلب واللسان والطاعة البدنية، فالإنسان أيها الإخوة نصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر، من أحب شيئاً أكثر من ذكره  وجاء في الحديث القدسي: “ابن آدم إنك إن ذكرتني شكرتني، وإذا ما نسيتني كفرتني”.
أيها الإخوة الكرام، ومن أسباب بلوغ محبة الله عز وجل وأن تكون محبوباً عند الله، أن تؤثر محابه على محابك، معنى ذلك أن تحب شيئاً، ويحب الله شيئاً، أي حينما يتعارض الذي تحبه مع الذي يحبه الله عز وجل، هنا تظهر محبتك، فلا تكون المحبة إلا إذا آثرت ما يرضه على ما يرضيك، إلا إذا آثرت ما تشتهيه على ما يريده لك.
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
أما بعد فيا عباد الله يقول الله تعالى: (والذين آمنوا أشد حبا لله)، ويقول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي والحاكم: “أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه”.
أيها الإخوة الكرام وإن من الأسباب الموجبة للمحبة معرفة أسماء الله وصفاته، فإذا طالعت أسماءه الحسنى، وصفاته الفضلى، ووقفت ملياً عند اسم الرحيم، وعند اسم الكريم، وعند اسم الغني وعند اسم الملك، وعند اسم القادر، وعند اسم العفو، وعند اسم الرؤوف إذا طالعت أسماءه اسماً اسْماً، وتأملت في دقائقها، وفي مظاهرها، وفي أحوالها وصلت إلى محبة الله عز وجل.
ولكي تتحققوا من ذلك تأملوا معي في المثال التالي: إذا رأيت إنسان في الطريق لا تعرفه فكيف يمكن أن تحبه ويحبك؟، أما إذا سمعت عن أخلاقه واستقامته وعلمه وحكمته وتضحيته وحبه للخير، وعرفت دقائق طبعه، ودقائق سلوكه فسرعان ما يتسلل حبه إلى قلبك، فلذلك إن أردت أن تحب الله عز وزجل فلا من أن تقف ملياً عند أسماء الله الحسنى، عند كمالاته، فالنفوس جُبلت على حب من أحسن إليها، فالقانون أنك تحب الجمال والكمال والنوال، فهذه الخصائص الثلاثة مجتمعة في الله عز وجل.
وهذا كله يحتم عليك أن تشكر نعمة الوجود، ونعمة الإمداد، ونعمة الصحة، ونعمة الحواس ونعمة الأعضاء، ونعمة الأجهزة، ونعمة المأوى، ونعمة الزوجة ونعمة الولد ونعمة السمعة الطيبة، ونعمة أنك حر لست مقيداً، هذه نعم يجب أن تذكرها من أجل أن تحب الله عز وجل، فلا بد من مشاهدة بره وإحسانه، وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها من الأسباب الداعية إلى محبته، لابد من أن تذكر الأيام العصيبة التي حماك الله فيها، التي وفقك فيها، التي نجاك فيها من ورطة كبيرة، هذه أيام، ولكل مؤمن أيام مع الله.
والشيء الذي يقربك من الله عز وجل ومن محبته أن تأتيه من باب الانكسار والذل، فأصحاب النبي رضوان الله عليه، كانوا متذللين إلى الله فنصرهم الله عز وجل، قال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، أما في حنين وهم من هم أصحاب رسول الله وفيهم رسول الله أعجبتهم كثرتهم، قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ).
ومن الأسباب الموجبة للمحبة، مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب كلامهم، وأن لا تتكلم بحضرتهم إلا إذا رجحت مصلحة الكلام.
أيها الإخوة الكرام، آخر سبب من أسباب محبة الله عز وجل، أن تتباعد عن كل سبب يحول بين قلبك وبين الله عزّ وجل، وأي شيء يقربك من الله تفعله وأي شيء يبعدك من الله لا تفعله، هذه أحد أسباب محبة الله عزّ وجل.
أيها الإخوة الكرام، في ختام هذه الخطبة بقي أن أبين أن هناك محبة ومحبوبية ً، والفرق بينهما كبير ؛ المحبة أن تحب الله أما المحبوبية أن يحبك الله، أي أن تكون محبوباً لدى الله ، ولا يتم الأمر إلا بهما معاً…
والعبرة أيها الإخوة والأخوات لا أن تحب الله، العبرة أن يحبك الله، فكيف لنا أن يحبنا الله؟، ذلك ما سنعرفه بحول الله في خطبة لاحقة، والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *