الظرفية الحالية تفرض المزيد من التوحد والتآزر

د. هاشم أحمد الذيب الفاتح

مداخلة الدكتور هاشم أحمد الطيب الفاتح، أستاذ بجامعة أم درمان السودان، تحت عنوان:” الظرفية الحالية تفرض المزيد من التوحد والتآزر والتعاون والتآلف”.

بسم الله الرحمن الرحيم وأصلي وأسلم على الحبيب الأكرم سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم
السادة رؤساء المؤسسات العلمية
السادة أعيان الصحراء المغربية
السيد الكاتب العام لصاحب الجلالة على إقليم أزيلال
مولاي إسماعيل بصير شيخ الزاوية والساهر عل هذا الخير وإحيائه
أحباب الزاوية البصيرية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت قد قمت بإعداد مداخلة عن الظرفية الحالية التي تفرض علينا جميعا أن نتعاون وأن تتظافر جهودنا، لكن منذ الأمس وفي صبيحة هذا اليوم كل الذي كنت أحب أن أقوله سبقني إليه هؤلاء العلماء الأفاضل، وبحكم التخصص في العلوم السياسية وجدت أن الدكتور عبد الناصر جبري قد أسس لي مدخلا جميلا، ولكنه بدوره قال الكثير مما كنت أود قوله، وأنا لا أحب التكرار ودون الرجوع إلى ما كتبته سابقا أقول:
إن الظروف الحالية في العالم العربي والإسلامي تفرض علينا أن نتعاون جميعا، وذلك لأجل أن هذا العالم يحارب من العالم الغربي بصورة عامة ومن المجتمع الصهيوني الذي يجثم بين ظهرانينا بصورة خاصة، وأن هؤلاء قد جعلوا شغلهم الشاغل كيفة النيل من هذا الدين، فلقد وسموا هذا الدين أنه دين إرهاب، والإسلام بريء منه براءة الذئب من دم يوسف ولد يعقوب، لذلك نحن نود من أهل التصوف، وليث أهل التصوف في بلادنا مثل أهل هذه الزاوية.
هذه الزاوية البصيرية، نحن اليوم نجتمع على الذكرى الواحدة والأربعين لانتفاضة الزملة التي قادها المجاهد سيدي محمد بصير.
تاريخ التصوف في السودان يشير إلى أن أهل التصوف هم الذين أدخلوا الإسلام إلى السودان، والسودان كما هو معروف تاريخيا لم يفتح فتحا، وإنما جاء هؤلاء العلماء الأفاضل الكرماء من أهل التصوف هم الذين أسسوا الزوايا في السودان والذي يمعن النظر في خريطة السودان الجغرافية يجد أن معظم المدن في السودان  أماكن زراعة، وإنما كان هؤلاء المتصوفة الأفاضل الأخيار يخرجون إلى مناطق نائية ويأسسون فيها زاوية، فيلتف حولهم الناس وتكثر أعداد الناس في هذه القرية ومن تم تتطور فتصير مدينة، ولذلك معظم المدن في السودان تسمى بأسماء هؤلاء المشايخ الكرام.
هذا في المقام الأول، الشيء الثاني أن الشخصية السودانية عندنا قد طبعت بطابع التصوف وتشربت بقيمه وتجد أن الفرق بين الناس لايكاد يظهر منه في سلوكه اليومي إلا ما كان مبنيا على خلفية صوفية، حتى الذين شذوا عن مذهب التصوف وخرجوا إلى مذهب غيره تجد أن روحهم مشربة بروح التصوف.
لذلك نجد بأن المشاكل الكثيرة التي تحدث للسودان الآن، وقد ذكر الشيخ جبري منها أن السودان قد انفصل إلى بلدين شمال السودان وجنوب السودان، لكن أقول: كان ممكن تكون كوارث كبرى في السودان لولا أن أهل السودان قد تخلقوا بهذه الأخلاق الصوفية.
هذه الأخلاق الصوفية هي التي منعت الحروب في الكثير من المواطن في السودان،لماذا؟ لأن هنالك أحيانا عجز للدولة في إدارة عملية السيطرة، والآن معظم البلاد العربية والإسلامية تشهد حركات هنالك من يصفها بأنها مدعومة من الغرب وهنالك من يصفها بكونها تدعو إلى الإصلاح.
الشيء الذي أعجبني في متابعتي لأخبار المغرب أن جلالة الملك محمد السادس قد خرج إلى الشعب المغربي في التاسع من مارس بخطاب رفع فيه سقف التوقعات، ومن يتأمل هذا الخطاب يجد أن جلالة الملك قد قام بثورة كبيرة دون أن يضطر إلى ذلك أتاح فيها لأهل المغرب كلهم وأتاح للشعوب العربية والإسلامية أن تحذو هذا الحدو.
وأرى أنه بخطوته هذه من الممكن أن يشجع بقية الحكام العرب الموجدين الآن بأن يقوموا بالالتفات إلى المطالب الشعبية وأن يقوموا بإصلاحات دستورية، لأن في هذه الإصلاحات إقفال لكثير من الأبواب التي يتدخل فيها الأجنبي .
الأجنبي لا يستطيع التدخل مالم تظهر له ثغرات في بناء الوطن، لذلك عملنا ينبغي أن ينصب على سد هذه الثغرات، ولا يمكن أن تقوم حكومة ما بإحداث التغيير دون مساندة شعبية، فالأمر في المغرب الآن أصبح بيد الشعب، لأن الشعب دعي إلى هذه المشاورات الدستورية الإصلاحية الكبرى التي من الممكن أن تجعل المغرب حقيقة في مصاف أكبر الدول الإسلامية التي تنعم بما يصطلح عليه الحكم الديموقراطي، ونحن في الإمارة الإسلامية نسميه بالحكم الشوري.
بلاد العرب الآن كلها تقع تحت نفوذ الدول العظمى، وهم الذين يحركون الكثير من الملفات، ولكن هذه الملفات لابد أن نعود فننتبه لأن بعض الأخطاء التي يرتكبها بعض متوسطي الموظفين أو الكبار في كل الدول هي التي تتسبب في هذه المشاكل، نحن نحتاج إخوتي إلى أن ننظر إلى المشاكل الحيوية التي توجد في بلادنا، لانستطيع التعمية على أنفسنا، هناك مشاكل حقيقية موجودة .
ولولا المشاكل التي كنا نعيشها لما فصل جنوب السودان عن شماله، والعالم كله يعلم بأن هنالك مصالح دولية تعمل على فصل الصحراء المغربية عن الوطن الأم، ولكن الإنس والجن لن يستطيعوا، فلابد لكم أيها الإخوة المغاربة أن تستفيدوا من تجربة السودان.
السودان الآن يمر بمنعطف خطير، لأنه من الممكن أن تتجدد الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، كما كانت سابقا بين الشمال والجنوب منذ أكثر من خمسين عاما راح ضحيتها أكثر من اثنين مليون شخص، وهذا ثمن باهض دفعناه من أجل الوحدة وأن الشمال كان ينفق على الجنوب في كل شؤونه، كل هذا كنا نفعله ونحن نتمنى أن يكون السودان دولة موحدة، لا دويلات متجزئة، فلابد عليكم إخوتي في المغرب أن تستفيدوا من هذه التجربة.
كيف نحقق التعاون والتآزر بين البلاد العربية والإسلامية؟ كيف نحقق هذا التعاون إذا كانت جل التعاونات الاقتصادية تتم مع أوربا ومع أمريكا دون أن يكون هنالك تعاون اقتصادي بين البلاد الإسلامية والعربية؟.
والذي ينبغي أن يعرف هو أن السياسة تحكم أفعالها بمبدأ المصلحة، فإذا كانت هنالك مصالح حيوية اقتصادية بين الدول الإسلامية تعذر على الأجنبي أن يقوم بفصل هذه العرى، فالله سبحانه وتعالى يشهد بأن هذه العرى وثقت في قديم الزمان بهؤلاء الأعيان من مشايخ التصوف الذين نجدهم في فلسطين وغيرها من البلاد.
ومعنا هنا الأستاذ وليد حامد المغربي من فلسطين وجده هو السيخ ابراهيم البصير دفين بلاد المغرب، وأحد أولاده خرج من البلاد المغربية إلى المشرق العربي بفلسطين، وفي هذا المقام أقول: بأن خمس أهل السودان تنتمي إلى القبائل المغربية وأن ما يربط بين السودان والدولة المغربية على رغم الفارق الجغرافي هو أكثر مما يربط الجارة القريبة إلينا مصر.
أخذنا المذهب المالكي من المغرب، كان العلماء الأفاضل من أهل المغرب في طريقهم إلى الحج يمرون ببلاد السودان، وكان بعضهم يتزوج ويمكث في بلاد السودان.
لذلك عندما نأتي إلى المغرب لا نحس إلا أننا في بلادنا وبين أهلنا، هذا الإحساس لا أشعر بمثله في زياراتي للبلاد الأخرى.
وفي مداخلتي للعام الماضي قلت:بأن سبب قدومنا إلى هذه الزاوية المباركة هو أننا التقينا بسيدي مولاي اسماعيل في مراكش في مؤتمر المنتسبين لأهل التصوف بسيدي شيكر، فوقعت بينه وبين الوالد محبة فدعاه لأن يزور الزاوية، وكان الوالد حينها مرتبطا ببعض الأعمال في السودان فاعتذر عن المجيء، لكنه أوفدني وأرسل معي إخوة من علماء السودان، فجئنا إلى هذه الزاوية، فملئت أرواحنا وأفئدتنا بحب هذه البلاد.
كان من الممكن حينها أن نبقى منضبطين بقيود المشرفين على المؤتمر، وأن نرجع دون أن نتعرف على الشعب المغربي، لكن زيارتنا لهذه الزاوية عرفتنا على الشعب المغربي وأهل التصوف به، وصالحيه وعلمائه ومختلف المقامات والمزارات التي يعز وجودها في باقي البلدان.
وكما ذكر الدكتور وليد هذه المزارات الموجودة في المغرب إذا جمعت تكاد تعدل مجموع المزارات الموجودة في العالم.
أنا أتحدث دون أن ألزم نفسي بالورقة التي أعددتها مسبقا، وكلامي بهذا الانفعال جاء من أجل أن عالم اليوم ينظر كله إلى هذه المنطقة بأعين مختلفة منهم من ينظر إلى منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة بأنها منطقة متخلفة تصدر الإرهاب إلى العالم وأن المسلمين هم سبب هذا الإرهاب، ومنهم من ينظر إليها على أنها منطقة ثرية ذات ثروات لابد أن يأخذ من ثرواتها إلى بلاده، ولكن هذه مخططاتهم، ماذا نفعل نحن في مواجهة هذه المخططات؟
نحن نود أن يكون لنا اجتماع نجعل من خلاله هم الوحدة وهم التعاون والتآزر والتآلف هدف أسمى، هذا الهدف الأسمى نعمل جاهدين على تحقيقه وإنزاله إلى أرض الواقع،لأن في هذا العالم لا أحد يمكن أن يمنحك حقك إلا إذا أخذته بيدك، ونحن في التاريخ كمسلمين كنا أساتذة الدنيا وقادتها والغرب يخضعنا ونناديه، واليوم تبنا لعز فر من يدنا، فهل يعود لنا بعدما نناديه، والسلام عليكم.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *