خطبة بمناسبة عاشوراء وعيد الاستقلال

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره،
أما بعد، فيا عباد الله،
جمع الله لنا في هذه الأيام عدة مناسبات دينية ووطنية، منها مناسبة الهجرة النبوية، وقد تكلمنا عليها في الخطبة الماضية، ومنها مناسبة عاشوراء ومناسبة عيد الاستقلال القادمتين في غضون الأيام القليلة القادمة، وكل مناسبة من هذه المناسبات تقتضي منا التوقف عندها واستخلاص العبر والدروس الهامة منها.
أيها الإخوة الكرام، إن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من محرم، وهو يوم عظيم عند المسلمين، يوم نجى الله فيه سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وقومه من آل فرعون، يوم له حرمة قديمة وصومه كان معروفا بين الأنبياء والمرسلين وعباد الله  من السلف الصالحين، والأصل فيه عند المسلمين ما اتفق عليه الشيخان بسندهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه شكرا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه”، وفي رواية لمسلم عن ابن عباس أيضا: “لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر”، أي يوم تاسوعاء وعاشوراء.
ويكره عند جمهور العلماء إفراد اليوم العاشر بالصوم، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد: “صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا قبله يوما أو بعده يوما”، ويتأكد صيام عاشوراء لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه: “أحتسب على الله تعالى أن يكفر السنة التي قبله”، وإنما لم يجب صومه لخبر الصحيحين: “إن هذا اليوم يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر”، وحمل السادة العلماء الأخبار الواردة بالأمر بصومه على تأكد الاستحباب.
فكما رأيتم أيها الإخوة الكرام، الأصل في الاحتفاء بهذه المناسبة عند المسلمين هي قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الطاغية فرعون، وهي قصة رائعة فصلها وصورها القرآن الكريم تصويرا واضحا بينا، ولعلنا نعود إليها في خطبة قادمة خاصة بها نظرا لطولها وكثرة الدروس والعبر المستفادة منها، أقول أيها الإخوة الكرام: ولكن بعض الناس عدلوا عن الصواب في مناسبة عاشوراء وخالفوا السنة وارتكبوا أمورا وبدعا شنيعة، وهم المنتسبون إلى نحل الشيعة، الذين ربطوا هذه المناسبة بيوم مقتل سيدنا الحسين بن الإمام علي كرم الله وجهه الذي توفاه الله في مثل هذا اليوم، والذين يزعمون إحياءهم لمراسيم العزاء والنحيب كلما تكررت  هذه المناسبة، ولهم شعائر خاصة يقومون بها طيلة الأيام العشرة الأوائل من محرم، ومنها زيارة ضريح الحسين وإضاءة الشموع وقراءة قصة مقتله والبكاء عند سماعها واللطم تعبيرا عن حزنهم على الواقعة والاستماع إلى قصائد بالمناسبة، وتوزيع الماء تذكيرا بعطشه في صحراء كربلاء، وإشعال النار للدلالة على حرارة الصحراء وحمل السيوف والدروع وإسالة الدم وضرب أنفسهم بالسلاسل، وما إلى ذلك من البدع والمنكرات.
وللأسف الشديد نجد بعض الناس من بني جلدتنا في هذه البلاد الإسلامية السنية، يحاكي ما يفعله هؤلاء الشيعة الروافض والإثني عشرية، جهلا منهم بهذه الطقوس التي بكثر ما تكررت في مجتمعنا ولم تنكر أصبحت لنا عادة عادية عند قدوم عاشوراء كل سنة، فتجد الشبان والشابات والنساء العاقلات يشعلون النيران العظيمة ويجتمعون حولها ويسمونها بالشعالة ويرددون أهازيج غير مفهومة، ويقومون برش الماء على بعضهم البعض وعلى مقتنياتهم، ويسمون ذلك بيوم زمزم، وهذا كله ليس له أصل في ديننا الحنيف بل هو تشبه بالشيعة المبتدعة الذين وجب اليوم أكثر من أي وقت مضى التحذير من سمومهم التي أصبحوا يدسونها لمختلف المجتمعات الإسلامية السنية عبر مواقع الشبكة العنكبوتية (الأنترنت)، وفضائياتهم التي تتوالد في كل وقت وحين، رغبة في نشر أفكارهم الهدامة العقيمة على أوسع نطاق تحقيقا لحلم مملكة الفرس المزعومة، وهنا وجب تحذير الشباب المسلم من الانزلاق أو أن يكونوا أسيري هذه النحلة الغريبة أو التأثر بشيء من عقيدتها الفاسدة، خاصة وأنهم اليوم لا يترددون في تقديم إغراءات تهواها وتعشقها الأنفس الدنيئة من قبيل الإغراءات المادية والتساهل فيما يسمونه بزواج المتعة الذي لم يثبت له أصل في الدين.     
ومن الطقوس المنكرة المصاحبة لمناسبة عاشوراء عند بعض النساء الجاهلات اللائي يلبين داعي الشيطان وداعي أنفسهن الخبيثة، ما يقمن به من دجل وشعوذة وسحر، ألا يعلم هؤلاء اللواتي يعملن هذه العمائل الشيطانية أنها من الكبائر وكفر بالله والعياذ بالله، يقول الله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر»، وروى البزار وأبو يعلى بإسناد جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً «من أتى عرافاً أو ساحراً او كاهناً فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»، ومنها حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فيا عباد الله، بحلول أيام 16و17و18نونبر من كل سنة يتذكر الشعب المغربي المسلم يوم عودة أمير المؤمنين محمد الخامس رحمه الله وأسرته من النفي، كما يتذكرون يوم إعلان الاستقلال، وهذا كله يجسد انتصار إرادة أمير المؤمنين وشعبه وإعلان انتهاء عهد الحجر والحماية.
فمنذ أن وطأت أقدام الاحتلال الفرنسي في مطلع القرن العشرين تراب المغرب لم تتوقف المقاومة، واتخذت أشكالا متعددة سواء في المدن أو في القرى وعلى امتداد قمم جبل الريف والأطلس وسهول تادلة والغرب وسايس ورمال الصحراء.
في هذه المناطق كلها لم يهدأ الكفاح المسلح ولا الكفاح السياسي الذي تجلى في تنظيم المظاهرات والاحتجاجات وتوزيع المناشير والصحف الوطنية لفضح السياسة الاستعمارية ونشر الوعي السياسي بين الوطنيين، وتجلى خاصة في تلك الأحداث الهامة التي عرفتها الساحة الوطنية منذ الثلاثينيات، حيث تم تقديم ملف شامل لجميع مطالب الشعب المغربي السياسية ولاقتصادية والاجتماعية إلى الإدارة الاستعمارية، وتم ميلاد المدارس الحرة لحماية الشباب المغربي من التيارات الهدامة التي تسعى لطمس هويته وإقبار لغته وحضارته، وتصاعد ت المقاومة لما نفي رمز  الحركة الوطنية أمير المؤمنين محمد الخامس إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر.
وما أن عم خبر نفيه في ربوع المملكة وشاع في كل أرجائها حتى انتفض الشعب المغربي قاطبة وتفجر غضبه في وجه الاحتلال الأجنبي وبدأت بوادر الجهاد تنتظم، وتشكلت خلايا المقاومة الفدائية والتنظيمات السرية وانطلقت العمليات البطولية لضرب مصالح الاستعمار وأهدافه.
نتذكر في أمثال هذه الأيام الوطنية العمل البطولي للشهداء المقاومين والمجاهدين بمختلف مدن وقرى المغرب الذين صعدوا من وثيرة الجهاد من خلال المظاهرات العارمة والانتفاضات المتوالية التي كانت سببا في ظهور جيش التحرير المغربي بشمال المملكة، وهذا كله تكلل برجوع أمير المؤمنين إلى أرض الوطن حاملا معه بشرى الحرية والاستقلال، فدخل المغرب عهدا جديدا من الإصلاحات عبر عنها آنذاك أمير المؤمنين محمد الخامس رحمه الله  حين قال:” خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، فإذا كان سلفنا قاوم المستعمر وحقق الاستقلال لنفع هذه البلاد، فماذا قدم كل واحد منا في سبيل النهوض بها والمساهمة في رقيها وتقدمها؟ فالمسؤولية اليوم يتحملها كل فرد فرد في هذا المجتمع، والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *