عيد العرش 2012

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وإحسانه تتنزل الرحمات والبركات، وبعبادته وطاعته وحمده وشكره تدوم النعم والخيرات، وتنال الفضائـل والمكرمات.

نحمده سبحانه وتعالى حمد المؤمنين الصادقين، ونشكره شكر العارفين المخلصين.
ونشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، شهادة من أسلم وجهه إلى الله وهو محسن فاستمسك بالعروة الوثقى، وعمل لما يسعده في هذه الحياة الدنيا وفي الحياة الأخرى.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومجتباه وخليلهّ، أرسله الله رحمة للعالمين، وكافة للناس أجمعين، شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله  عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات.
يقول الله تعالى في كتابه المكنون: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما  استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا)، فهذا وعد من الله  سبحانه وتعالى  لعباده المؤمنين الصالحين أينما كانوا بالاستخلاف في الأرض والتمكين، وعيشهم فيها آمنين مطمئنين، حيثما حلوا وارتحلوا، وذلك فضل من الله عظيم، ونعمة كبرى منه على الأمة المحمدية التي شرح الله صدورها  لدين الإسلام، وفتح قلوبها لهداية الإيمان، وأنار بصائرها وعقولها بالدين ونور القرآن، مصداقا لقوله تعالى: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه)، وقوله سبحانه: (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).
وحتى تستمر أمة الإسلام على هذه الهداية الإسلامية وتحافظ على هذه الفضيلة الإيمانية، أمرها الحق سبحانه بالاعتصام بحبله المتين، والتمسك بدينه القويم، والعمل بأحكام شرعه الحكيم، فقال وهو أصدق القائلين: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)، وهذا أمر إلهي واجب الطاعة والامتثال، حكمته ظاهرة للعيان، ولأولي الألباب من أمة الإسلام.
فلا يمكن لأي شعب مسلم أن تتحقق عزته ومناعته، وتتيسر نهضته وازدهاره، ويدوم اطمئنانه واستقراره، إلا إذا كان ينعم بوحدة كاملة وصفوف متراصة آمنة، في ظل قيادة مؤمنة قوية، راعية متبصرة، تحمي دينه ووطنه، وتجمع شتاته وشمله، وتجعل من أبنائه يدا واحدة، وبنيانا متماسكا يشد بعضه بعضا، وإخوانا على سرر متقابلين، وعلى البر والتقوى وكل ما فيه صلاح أمرهم في الدين والدنيا متعاونين، عملا بقول رب العالمين: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب).
أيها الإخوة المؤمنون، إن من تمام فضل الله ومنته الكبرى على بلدنا المغرب العزيز، وشعبه المسلم الكبير، أن الله هيأ له منذ قرون وأجيال قيادة مؤمنة، رشيدة حكيمة، صالحة مصلحة، من سلالة العثرة النبوية الشريفة ترعى هذا البلد وتصونه في شؤون دينه ودنياه، وتحكمه بما أوجب الله على المؤمنين من السمع والطاعة لأولي الأمر في الإسلام، مصداقا لقوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وعملا بالحديث الصحيح المروي عن عبادة بن الصامت ض قال: “بايعنا رسول الله ص على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم”، إنها طاعة دينية، وأمانة إسلامية، وعهد وثيق يجمع بين الراعي والرعية، ويقوم على البيعة الشرعية لمن ولاه الله مقاليد الأمة وتدبير أمورها.
ويعتبر الحفاظ على العهد والوفاء به تدينا لله وعبادة، وخلقا وفضيلة، وطاعة ومحبة لله ورسوله مرضية، عملا بقوله تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا)، وقول النبي ص في الحديث الصحيح عن أبي هريرة ض: “من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني”، وقال: ” لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له”، وقال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا)، وقال سبحانه: (هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون).
أيها الإخوة المؤمنون، في ضوء هذه المباديء الدينية، والأحكام الشرعية الربانية، والنظرة المؤمنة الواعية، والوطنية المسلمة الصادقة، والوفاء للأباء والأجداد، والتعلق بالعرش العلوي وملوكه الأفذاذ، يحتفل الشعب المغربي هذا الأسبوع من أقصاه إلى أقصاه، في مدنه وقراه، ويبتهج بذكرى وطنية خالدة، تعتبر من أعز الذكريات الوطنية وأعظمها قدرا ومكانة، وأكثرها اعتزازا واستبشارا ومفخرة،  إنها ذكرى عيد العرش المجيد، الذي يخلد في الثلاثين من شهر يوليوز من كل سنة، والتي تخلد ذكرى تربع أمير المؤمنين وحامي حمى الوطن والدين، جلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين.
هذه الذكرى التي ترمز إلى دلالات تاريخية وحضارية، وتدل على صلات قوية ومتينة بين العرش العلوي المجيد، وشعبه المغربي العتيد، وتفصح على التجاوب الدائم والتلاحم القائم المستمر بين القمة والقاعدة، وبين الراعي والرعية، إنها ترمز إلى معاني الولاء والإخلاص والطاعة الدينية والآصرة والرابطة الشرعية التي تجمع في بلدنا المغرب الكريم بين أمير المؤمنين وشعبه المؤمن الوفي في ظل خلافة إسلامية، وملكية دستورية قائمة على الكتاب الكريم والسنة النبوية، والعمل على توفير العدالة الاجتماعية للأمة، وعلى الجهاد المستمر والعمل المتواصل الهادف إلى النهوض بهذا البلد وشعبه الكريم في جميع الميادين.
إن ذكرى عيد العرش المجيد في هذا البلد السعيد تقترن دوما بجلائل الأعمال وعظيم المنجزات التي ادخرها الله لملوك الدوحة العلوية الشريفة خلفا عن سلف، والتي ترفع من مكانة هذا الوطن على أيديهم، وتنهض وتسير به خطوات إلى الأمام لمواكبة الركب الحضاري ومسايرة التطور العصري، وتزيد من رصيد السمعة الطيبة لهذا الشعب النبيل الوفي لمبادئه، المجد في إعلاء شأنه بين شعوب العالم المتقدم كله، وستبقى أيادي بيضاء كريمة، وأعمالا جليلة عظيمة، شاهدة على ما يقدمه ملوك هذا البلد من نفع للوطن والمواطنين، وعلى ما يبذلونه من جهد لنصرة الإسلام والمسلمين ورفاهية المواطنين، عاملين بقول الله العزيز الحكيم: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبسنة نبيه العظيم، واجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا اللباب آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
أخرج الشيخان وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر ض عن رسول الله ص قال: “ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع ومسؤول عن رعيته”.
إنه حديث نبوي شريف، يفصح بجلاء، ويعبر بوضوح وبيان عن مسؤولية كل واحد من أمة الإسلام فيما أناطه الله به من تكليف وأعمال، وأوجبه عليه من حقوق الله وحقوق العباد، مصداقا لقول الله تعالى: (ولتسألن عما كنتم تعملون)، وقوله سبحانه: (ولله ما في السماوات والأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى).
فاتقوا الله أيها المؤمنون والمؤمنات، واجعلوا هذا الحديث القيم نصب أعينكم، واعلموا أنكم مسؤولون أمام ربكم يوم العرض الأكبر عليه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم”، مسؤولون عن دينكم ودنياكم، وعما قدمتم لأنفسكم من أعمال صالحة تفرحكم وتبيض وجوهكم يوم تبيض وجوه المؤمنين وتسود وجوه الكافرين والمنافقين، (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد)، يقول الله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولوا الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر).
الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *