الاختفاء القصري لسيدي محمد بصير من منظور القانون

مداخلة الدكتور نوري عبد الحليم مصطفى، أستاذ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، تحت عنوان: “الاختفاء القصري لسيدي محمد بصير من منظور القانون المغربي والدولي”.

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام التامان الأكملان على خير الخلق وخاتم الرسل محمد بن عبد الله الرحمة المهداة والنعمة المسداة السراج المنير وعلى آله وصحابته أجمعين.
سيادة الوالي المحترم سيادة العامل المحترم .
حضرات السادة العلماء
حضرات السادة الأساتذة
الحضور الكريم.
يشرفني أعظم ما يكون التشريف في هذه اللحظات التاريخية من حياة أمتنا المجيدة التي تعرف افتتاح الأوراش الكبرى العملاقة والخطوات الجبارة ليكون المغرب في مستوى الانتقال الديموقراطي والإقلاع الاقتصادي الكبير والتنمية المستدامة والرفع من قدرات  المواطن في جميع المجالات، نتيجة السياسة التي خطها ويسهر على تنفيذها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله
حقيقة أن رجال الصوفية في المغرب وعلماء المغرب لايمكنهم بأي حال من الأحوال أن يغضوا الطرف أو يغفلوا عن  ما يتعلق بهذا الوضع الجديد للمغرب الجديد في العهد الجديد، الذي يتطلب منا جميعا أن نكون يدا واحدة قوية و قلبا واحدا محبا وأن نكون واقفين وقفة رجل واحد جميعا وراء جلالة الملك الذي لا أحد غيره يريد الخير لهذا البلد لأنه أقرب من أي واحد منا إلى تخطيط ورعاية وتنفيذ والسهر على المصالح العليا للبلاد، التي لايمكن لأي جهة مهما كانت وتحت أي غطاء كان أو أي مبرر أن تمس المصالح العليا للبلاد، ولكن أنا أقول أكبر من هذا، إنه لا يجوز المساس بأي وجه من الوجوه بالشرعية الإسلامية عندنا في المغرب.
لأن المتتبع للتاريخ السياسي الاجتماعي المغربي، إن كان نزيها وكان حقيق يريد الوقوف على الحقائق العلمية المجتمعية السياسية لابد أن يقف على هذا المقتضى الكبير للشرعية الإسلامية.
لذلك أقول على أننا نسمع اليوم كلاما غريبا من أفواه لا تدري ماذا تقول؟ وماذا تريد؟ ولا تعرف ماذا تريد، لانعرف لأي سبب من الأسباب أو دافع من الدوافع…
نقول لهم قف ليس عندنا في المغرب طبقا لقواعد الشريعة الإسلامية البيعة المشروطة في تاريخه أبدا، لا ولن نسمح بهذا، ونقول على أن وظائف الإمامة التي تعطيها البيعة طبقا لمبادئ الشريعة الإسلامية لأمير المؤمنين لايمكن إلا أن تظل إلا في يد أمير المؤمنين، ولن نسمح بأي وجه من الوجوه أن تعطى لأية جهة كيفما كانت وهيئة كيفما كانت، ليس لأي مغربي فوق أرض المغرب الثقة المطلقة إلا في جلالة الملك، وهذا أمر حللناه ليس فقط على الصعيد الوطني ولكن أيضا على الصعيد الدولي، فالمركز الوطني للدراسات السياسية والاستراتيجية الذي أرأسه قام بعدة اتصالات واستشارات على الصعيد الدولي.
عرضنا ما يتعلق بالخصوصيات السياسية والاقتصادية ومكونات الشخصية المغربية وعوامل ومعالم المغرب فأقروا هذا ووجدوا على أنه حقيقة وواقعا ولا يمكن تجاهله، إذن عندنا في المغرب، والقانون الدولي أن الشرعية الإسلامية تقع في مرتبة من المراتب وميزة من مميزات  الدولة الشريفة، وبالتالي أنها مكون أساسي في هذه الدولة.
ولذلك نقول على أن الدستور المغربي الحالي أو الاصلاحات الدستورية القادمة التي جاءت في خطاب جلالة الملك في التاسع من مارس من هذه السنة هي حقيقة كلها تصب في هذا الاتجاه، ولا يمكن أن نساعد أو نشجع أو نقر أفكار الفوضى التي تعطى لها عدة اصطلاحات، فقد سمعنا الفوضى الخلاقة، الفوضى البناءة، الفوضى التي تأتي في إطار العولمة، نقول لهم إن هذا مغرب، المملكة المغربية لها مقدساتها ومقوماتها ولها ضميرها الحي، هذا الضمير الذي لايقبل بأي حال من الأحوال…لذلك نقول إن الشرعية الإسلامية التي تقوم على إمارة أمير المؤمنين ويندرج في إطارها وظائف الإمامة، نقول من باب الدراسة السياسية الاستراتيجية أنها ينبغي أن تظل في يد أمير المؤمنين.
طبعا يأتي بعد الشرعية الإسلامية التي هي تاج فوق رؤوس كل المغاربة، الملكية عندنا في المغرب ليست كالملكيات في الدول الأخرى، الملكية عندنا في المغرب ملكية بناءة تعتمد الفكر الشعبي وهاجس الجماهير لايمكن أن ننسى ملاحم العرش والشعب ضد كل قوات الاحتلال في المغرب شماله وجنوبه، ولا يمكن أن ننسى الملاحم في أواسط السبعينات المسيرة الخضراء التي دخلت دراسات وأبحاث الكثير من الجامعات على الصعيد العالمي، الشعب المغربي شعب عبقري، لماذا؟ لأن ملك المغرب أراد أن يكون لهذا الشعب تلك العبقرية الخاصة المميزة له على مدى الزمان وتعاقب الأجيال.
هذه الشرعية الإسلامية تأتي بعدها المصالح العليا للبلاد، لا يمكن التفريط في المصالح العليا للبلاد، علينا أن نكون حذرين أن لا نمشي وراء التيارات والإشاعات والأفكار الهدامة،إن أي بلد فقد استقراره وفقد قوة قيادته ينهار وإلى الأبد، وأنتم ترون على شاشات الفضائيات في كل مناحي العالم كيف أن الفوضى عندما تستحكم في دولة من الدول تموت هذه الدولة، لا نريد لدولتنا أن تموت.
الدولة قوية بملكها الشاب المؤمن الطموح الغيور الإنساني الرحيم وقوية أيضا بأبناء المغاربة الأقحاح الذين يعرفون حقيقتهم المغربية، نحن رضعنا المغربية من حليب أمهاتنا، ولا يمكن أن نفرط في هذا الدم المغربي الأصيل بحال من الأحوال، لذلك فالموجات التي نراها اليوم على الصعيد العالمي موجات مايعرف بالتغيير أو غيرها، كل هذا لا يهمنا في شيء، نحن نكون استثناء، ونقولها وقلناها في أكثر من محفل، نحن استثناء في هذا العالم الضعيف الهش، ليست مكونات المغرب  أمة وقيادة كمكونات الأمم الأخرى، لا على العكس، لذلك لابد أن نكون يقظين وحذرين وأن نضع نصب أعيننا استقرار المغرب، ومستقبل البلاد، حرية البلاد، وأن نجعل التضامن والتساند والتعاون ليس فقط عنوانا بل منهجا للعمل والحياة.
فبلدنا المحسود، والله ياإخواني إن بلدنا محسود، رأينا هذا في أكثر من محفل، كثير من الناس يدفعون الملايين من الدولارات ليتزعزع المغرب، فكر المغرب، قيادة المغرب، شعب المغرب، أمن المغرب، هناك حساد بطبيعة الحال هذه هي الدنيا، ولكن المغرب يظل قويا يظل هذا المغرب عملاقا، وهذا المغرب جبلا أشم ،قال الشاعر المغربي:
أبا الهول لا تشمخ بأنفك وحولك أطلس       رفيع الدرى للموت والهول قاهر
هذا هو المغرب الحقيقي وهذه هي دولة المغرب، بدأت هذه البداية لأن وطنيتي، أي الوطنية التي تلقيناها على يد الزاوية التي ربتنا على محبة الوطن ومحبة الملك، وربتنا أن نكون أقوياء في خدمة العرش والشعب، وليس على المصالح الخاصة، بل المصالح العليا للبلاد، هذه هي الركيزة هي الدعامة هي الأساس هي الضمان، هي صمام الأمان، من أجل المستقبل، هي الرهان، وطنيتي وثقافتي الوطنية جعلتني أبدأ هذه البداية  هناك وشوشة وهناك صداع وهناك شيء ما ولكن ليس هناك خشية ولا خوف ولا خشية على المغرب أبدا.
إذن بطبيعة الحال الزاوية في المغرب هي المدرسة الأولى للعقيدة، وهي المدرسة الأولى لأرباب الحكم، وليست كالزويا في دول العالم الآخر، الزاوية عندنا هي التي تربي المواطن، الزاوية عندنا هي التي أيضا تخطط منهج الحكم، ولذلك ليس هناك نظام فرض في المغرب فرضا أبدا، لم يفرض نظام في تاريخ المغرب بقوة السلاح والحديد والنار، المغاربة هم الذين يرتضون، الرضائية المطلقة.
مامعنى البيعة؟ البيعة هي الرضائية المطلقة، دون قيود ودون حدود ودون شروط، ولذلك الزاوية هي المدرسة ليس فقط الدينية ولكن المدرسة الوطنية التي تبث في الناشئة قيم الوطنية، هذا الدور ينبغي أن تضطلع به الزوايا وأن تعود للاضطلاع به، ليس فقط التعبد، التعبد واجب ومقدس ويومي، كل شيء معروف بخصوصه، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:” الدين المعاملة” ويقاس عليه الدين الوطنية”، لايمكن أن نخون وطنيتنا، إذن فمن هذا المنطلق نجد أن الزوايا في المغرب لعبت دورا حاسما رئيسيا في كل مجالات الحياة من تربية إلى الاقتصاد إلى السياسة إلى العلاقات المحلية الإقليمية والجهوية إلى العلاقات الخارجية.
تصوروا معي كيف أن زوايا في المغرب رغم قوة الاستعمار وجبروته سنة 1926م تمكنت من فرض فكرها على الإدارة العامة للحماية في المغرب وأصدر المقيم العام للحماية قرار لمنع و تحريم الرق في المغرب، الكثير من الناس لايعرفون هذه الحقيقة، ألغي بسبب ضغط الزوايا وموقف الزوايا في المغرب، هذا شيء مهم جدا، إذن الزاوية ركن أساسي ودعامة أساسية من دعائم الدولة في المغرب ومن مكونات الشخصية المغربية، هي لا تستقل عن الشخصية المغربية، لا تنفرد عن الشخصية المغربية، لا تبتعد عن الشخصية المغربية أبدا، لذلك دورها اليوم تزايد وتعاظم ولابد أن تلعب هذا الدور ليس فقط على صعيد المغرب، ولكن على صعيد بلدان العالم الإسلامي، لأن هناك فوضى عارمة تعم هذا العالم الذي يراد تفتيته والذي يراد جعله دويلات والذي يراد استغلال خيراته من طرف جهات متعددة في العالم.
الشركات المتعددة الجنسيات العملاق القوي المفترس لاقتصاديات العالم هو الذي يجسد هذه العولمة القاتلة، لذلك فالزاوية هذا هو دورها هذا هو ميدانها وديدنها.
وبالنسبة للمحتفى به الذي غيبه الاستعمار الإسباني، حقيقة نقول على أن هذه الواقعة لابد أن تسجل في المحافل الدولية لابد من أن يكون هناك موقف قانوني على الصعيد الدولي اتجاه هذه الواقعة، هناك اختفاء، طبقا للمعاهدات الدولية يصطلح عليه بالاختفاء القسري، أين هو هذا الشيخ الفاضل الجليل الوطني الحر المجاهد؟،أين هو؟ الذين تسببوا في اختفائه القسري ينبغي أن يقدموا إلى المحاكم الدولية، إلى المحافل الدولية، أن يكون هناك تحسيس لهذه المحاكم والمحافل الدولية بهذه الواقعة، ولذلك وسائل الإعلام تلعب دورا مهما وأيضا الحقوقيون، وكل الفاعلين في المجتمع عليهم أن يلعبوا هذا الدور.
وهنا نضع اللائمة على القضاء المغربي الذي لم يوسع الاختصاص ككثير من الدول الأخرى، القضاء في إسبانيا يقول بالاختصاص الشامل للقضاء، القضاء في ابريطانيا يقول بالاختصاص الشامل للقضاء البريطاني، القضاء في بلجيكا يقول بالاختصاص الشامل للقضاء البلجيكي، لذلك قضية بينوشيه الذي كان حاكما للشيلي عندما زار لندن للعلاج قامت قائمة قضائية كبيرة عليه يريدون تسليمه بناء على قرار قاضي التحقيق الاسباني والقضاء الاسباني.
ننادي على ضرورة أن يطعم القضاء المغربي بهذا النوع من الاختصاص الشامل للنظر في هذا النوع من القضايا، هذه قضايا مهمة تهم المواطن وتهم الناس وأكباد الناس وأقرباء الناس، لم لا يكون عندنا هذا الاختصاص في القضاء المغربي؟ ليس عندنا قضاء قاصر، عندنا في قضاء اليوم، قضاء قوي فيه الكثير من الخريجين الحقوقيين كفاءات عالية وجيدة في القضاء، ينبغي أن ندعمه بالاختصاص الشامل للقضاء، حتى إذا كان تعاون مع القضاء الدولي تكون هناك نتائج.
لذلك أريد أن أشير إلى نقطة جوهرية و مهمة جدا أن كل قضايا التعذيب وقضايا انتهاك حقوف الإنسان، وكل قضايا الاختطاف، وكل قضايا الاختفاء القسري، وكل القضايا التي تجهز على أي مواطن في أي بقعة من بقع الكرة الأرضية، هذه القضايا طبقا لاتفاقية جنيف ولملحق الاتفاق العالمي لحقوق الإنسان لايطالها التقادم، لاتتقادم بمضي الزمن.
ولذلك تشاهدون على أن كثير من الجرائم في كثير من الدول تفتح اليوم، جرائم مضى عليها ثلاثون سنة وخمسون سنة، وكذلك أيضا هذه الجرائم التي راح ضحيتها المحتفى به شيخنا وعالمنا الجليل، نحن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نطلب من الحكومة المغربية كل شيء، الحكومة جهاز محدود الاختصاصات، على المجتمع المدني والفعاليات الحقوقية والسياسية أن تقوم بهذا الدور، لأنه فات ومضى الزمان الذي يمكن أن تقوم فيه الدولة بكل شيء.
تصوروا الكثير من الدول في العالم لاتقوم إلا بحيز لصالح مواطنيها بمعنى ضيق جدا، كالحفاظ على الأمن الخارجي،والعلاقات الخارجية، والسياسة الخارجية، وغير ذلك، لأن الدولة لايمكن أن تقوم بكل شيء، لازال عندنا ومكرس في أذهاننا بأن الدولة ينبغي أن تقوم بكل شيء، وهذا حقيقة مما خلق الكثير من الإشكال والكثير من الأوضاع الغير المؤسسة و المؤيدة.
لذلك أضم صوتي إلى فضيلة الأستاذ النقيب الأستاذ عتيق بوعزة المحترم، وأقول له: إن جمعية البحث العلمي للدراسات الحقوقية لأساتذة التعليم العالي التي أرأسها و المركز الوطني للدراسات السياسية والاستراتيجية هم رهن إشارته ورهن إشارة كل هذه الزاوية للقيام بما هو متعين على الصعيد العالمي، ولنا العديد من القنوات ووسائل الاتصال والتواصل بالمجتمع الدولي للتحسيس بهذه القضية وجعلها محط أنظار المجتمع الدولي.
على كل حال لابد أن نأخذ العبرة من شيخنا المحتفى به، من باب وذكر، صفات كثيرة تميز بها، الصبر والمصابرة والمرابطة والجهاد والتطلع إلى المستقبل، كل هذا هو عنوان التمسك بالقيم والمقدسات، هؤلاء هم رجال المغرب، وهؤلاء هم علماء المغرب، وهؤلاء هم مواطنوا المغرب، وهكذا استمر المغرب منذ قرون، المغرب لم تستطع أية قوة عظمى أن تمحيه من الخريطة العالمية، هناك تاريخ طويل لهذا المغرب، ولكن استطاع بهذه الشخصية القوية أن يستمر، أن يواجه كل التحديات،و أن يربح الرهان، لذلك أنصح نفسي وإياكم بضرورة التمسك بكل ماله علاقة بالشرعية الإسلامية والمصالح العليا للبلاد.
أما ما يتعلق بالشرعية الدستورية فلنتناقش في إطارها ضمن الحدود التي لا تتضارب مع إمارة أمير المؤمنين ووظائف الإمامة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وأستسمحكم على الإطالة.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *