سيصدر قريبا كتاب: “كنز الأسرار في مناقب مولانا العربي الدرقاوي وبعض أصحابه الأخيار” دراسة وتحقيق الدكتور عبد الهادي بصير
سيصدر قريبا كتاب: “كنز الأسرار في مناقب مولانا العربي الدرقاوي وبعض أصحابه الأخيار” دراسة وتحقيق الدكتور عبد الهادي بصير
سيصدر قريبا كتاب: “كنز الأسرار فى مناقب مولانا العربى الدرقاوى وبعض أصحابه الأخيار”، لمؤلفه العلامةِ الفقيه الألمعي الصوفي، سيدي محمد بوزيان بن أحمد الغريسي المعسكري (ت 1271 ه)، دراسة وتحقيق الدكتور عبد الهادي بصير، وتقديم شيخ الطريقة البصيرية: مولاي إسماعيل بصير خادم أهل الله بزاوية جده الشيخ سيدي إبراهيم البصير ببني اعياط أزيلال.
الحمد لله المبتدئِ بحمد نفسه قبلَ أن يحمدَه حامدٌ من الأنام، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على توالي الليالي والأيام، والصلاةُ والسلام على ملاذ الورى وشفيعِهم يومَ الزحام، وعلى آله وصحابته الكرام، وتابعيهم بإحسانٍ وهدىً وتُقىً ومجدٍ وحسنِ إسلام.
تقديم الشيخ مولاي إسماعيل بصير للكتاب:
وبعد؛ فقد أطلعني الأخ الفاضل المجد المثابر، الأستاذُ العالم، الدكتور عبد الهادي بصير – حفظه الله -، عضوُ المجلس الأكاديمي لمؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، على عمله المبارَك المبرور، وثمرة جهده المشكور، الذي وفقّه الله تعالى لإخراجه إلى الوجود، حيث رابط واجتهد في دراسة وتحقيق كتاب: “كنز الأسرار فى مناقب مولانا العربى الدرقاوى وبعض أصحابه الأخيار”، لمؤلفه العلامةِ الفقيه الألمعي الصوفي، سيدي محمد بوزيان بن أحمد الغريسي المعسكري (ت 1271 ه) رحمه الله، وقضى مدة مديدة في جمع نسخه وتحريرها ومقارنتها بقصد إخراج نص قريب من نص المؤلف رحمه الله تعالى.
ويعدّ هذا السفرُ المباركُ الذي أقدّمه اليومَ للقارئ، كنزا من كنوز التراث الصوفيّ المغربيّ الأصيل، ومصدرا مهما من مصادر المدرسة الصوفية الشاذلية الدرقاوية الأثيل، وذلك بالنظر إلى موضوعه الذي ينفُض غبارَ الزمان على كثير من رجالات التصوف الدرقاوي، رجال أبلَوا بلاءً حسنا في إعلاء صرح التصوف، إلى جانب شيخهم العلامةِ الفقيه الصوفيّ الشريف الحسني، مولاي العربي الدرقاوي – قدس الله سره -، الذي جاهد في الله حقَّ جهاده للعودة بالتصوف إلى سيرته الأولى، كما عهده أربابه الذي أصّلوه وقعّدوه، فاعتُبر بحق مجدِّدا للطريقة الشاذلية في عصره.
وكما هو معلومٌ عند متتبعي تاريخِ التصوف الإسلاميّ، فإن الشيخ مولاي العربي الدرقاوي – رحمات الله عليه -، قام على ساق الجِد، وأزاح ما علِق بالتصوف من الشوائب، إلى درجة أن دخل في صفوفه الكثيرُ من الناس، واعتقدوا به على اختلاف مشاربهم، وغدت الدرقاوية رائدة التصوف خلال القرن الثالث عشر الهجري؛ فآتاه الله سُؤْلَه، ولم يلتحق بالرفيق الأعلى حتى خلّف أربعةَ آلاف شيخ، كلُّهم مؤهلون للدلالة على الله، كما ذكر ذلك الشيخُ البُناني – رحمه الله -، منهم من قُصَّ علينا ومنهم من لم يُقصَص علينا…
وبذلك يأتي كتاب: “كنز الأسرار في مناقب مولانا العربي وبعض أصحابه الأخيار”، باعتباره مصدرا مهمّا من مصادر التعريف بالرجال كما أسلفنا؛ ليعرفَنا أولا بسيرة الشيخ مولاي العربي الدرقاوي – رحمه الله -، وهو أصل أصيل في ذلك، عِلاوة على التعريف بكثير من تلاميذه المغمورين، الذين آثروا سلوكَ هذا السبيل؛ فرارا إلى الله بدينهم، وابتغاءَ نيلِ الحياةَ الطيبةَ في دنياهم، بعدما تسنّموا ذِروةَ علوم الظاهر، فصاروا لا يجارون فيها.
وهكذا جمع لنا هذا الكتابُ تراجمَ ثلة ممن كانت له حالٌ قوية جليلة في مجال التصوف، سواء ممن تقدم المؤلف لصحبة ورؤية الشيخ مولاي العربي، أو من صاحبَ الشيخ ولم يرَه المؤلف، وشاع وذاع لديه خبرُه، ومن رآه وقد توفاه الله إليه، ومن رآه وهو قائم الحياة آنئذ، ولأجل ذلك عُدّ هذا الكتابُ لبنةً من لبنات الصرح الصوفيّ الدرقاويّ النافعة، تضاف لسجل كتب الفهارس التي خطتها أناملُ عالم كبير من علماء المدرسة الدرقاوية – رحمات الله عليهم أجمعين -، وبالجملة يعدّ هذا السفرُ إضافة نوعية متميزة، تعطي صورةً عن التصوف المغربيّ في عصر مؤلِّفه.
وقد اقتنعت المؤسسة بطبع هذا الكتاب النافع، وجعله واحدا من مطبوعاتها للأسباب الآتية:
أولا: إن زاويةَ الشيخ سيدي إبراهيم البصير، المعروفة بالزاوية البصيرية، والتي شرفني الله عز وجل بخدمتها، ذاتُ مشرب صوفيّ درقاويّ، وسندُها عالٍ بفضل الله تعالى في الانتساب للشيخ مولاي العربي الدرقاوي – رحمه الله تعالى -، حيث ننتسب إليه عن طريق شيخنا الوالد سيدي محمد المصطفى بصير، عن شيخه سيدي محمد الحبيب بصير، عن شيخه سيدي إبراهيم البصير، عن شيخه سيدي الحاج علي الإلغي السوسي، عن شيخه سيدي سعيد بن همو المعدري، عن شيخه سيدي أحمد بن عبد الله المراكشي، عن الشيخ مولاي العربي الدرقاوي – رحمات الله عليهم أجمعين -، إلى آخر مَن في سلسلته الذهبيةِ في طريق القوم، والتي أخذها بسند متصل؛ كابرا عن كابر إلى منتهاها سيدِنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفها العلامةُ المحدثُ سيدي أحمدُ بن الصديق الغماري – رحمه الله -؛ لأنها مسلسلة بالأقطاب، ومعنعنة بالأوتاد والأنجاب كما ذكر.
وبذلك نعتبر هذا الكتابَ النفيس وغيرَه من كتب التراث الصوفي الدرقاوي دَيْنا يُطوّق أعناقَنا، وهي مما يجب علينا العنايةُ بها لطبعها وإخراجها في حلة تليق بها؛ لينفعَ الله تعالى بها.
ثانيا: فرادةُ هذا الكتابِ في فنه، حيث اعتُبر مصدرا استقى منه كلُّ من ترجم لرجالات التصوف الدرقاوي، واعتمده كثير من علماء التراجم في القرن الثالث عشر مصدرا بنوا عليه كتبهم، وبالمناسبة، فهو يحمل من الأخبار التاريخية ما تَضَنُّ به العديد من المصادر والمراجع في هذا الشأن، فهو بذلك يملأ حلقة تبدو فارغة في تاريخ المغرب، ناهيك عن كثير من المغالطات التي تم تصحيحُها، والمتعلقة بكثير من الشخصيات أو الأحداث، أضف إلى ذلك أنه يحمل في طياته من النكت والفوائد العلمية الجميلة ما لا يسعُ عالما أو متعلما الاستغناءُ عنه، عِلاوة على خوضه غمارَ الأسئلة الكبرى في التصوف ومناقشتها مناقشةً علمية رصينة، أبان فيها عن السبق المغربي في هذا الشأن.
ثالثا: إن هذا الكتابَ يعطي صورة واضحة عن التصوف الدرقاوي ومبادئه وقواعده؛ من خلال سرد سيرة الشيخ مولاي العربي الدرقاوي -رحمه الله -، الذي عايشه المؤلفُ مدةً تزيد عن عشرين سنة، وقد أحسن حين سخّر يراعَه وفكرَه وفاءً لروح شيخنا، واعترافا بجميله – رحمهم الله تعالى -، فنقش بلغته العربية الرصينة وصفا بليغا للشيخ، فعرفنا على سيرته وأسراره، وأطلعَنا على نبذة من سلوكه وأخلاقه العطرة وسمته وعبادته، التي زُينت بأوصاف الرحمة، وتخلقت بأخلاق الله تعالى، حتى ذكر عنه أنه غلب عليه وملكه شهود الرحمة لعباده، سواء في ذلك من أسلم وجهَه لله أو من كفر به، وكان يقول في ذلك: “من المحال أن يشهدَ الإنسانُ مولاه مشاهدةَ الشهود والعِيَان ثم يكون خلقُه سيِّئا”… فعرفنا من خلال ذلك بداياتِ سلوك الشيخ العلامة مولاي العربي لطريق التصوف، وأتى فيها بالعجب العُجاب، ولم يُهمل الأحوالَ التي أدركه عليها عبادةً وعادةً، وخلَص إلى ترجمة مَن تتلمذوا عن الشيخ فحسنت حالهم بصحبته والاقتداء به، فصاروا شموسا يُستضاء بها نهارا، ونجوما يُهتدى بها ليلا.
رابعا : إن القارئ وباطلاعه على الكتاب، يجد بأن الطريقةَ الدرقاويةَ في عصر شيخها مولاي العربي الدرقاوي – رحمه الله -، أحيا الله بها التصوف، فغدت موصولة العُرى بالكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح في الأقوال والأفعال والعبادات، بعدما اعتراه من الفساد، جريا على سنة الله تعالى في الكون والعباد، مما أحدث تزعزعا في التصوف الطرقي المغربي، حيث اختلط أمرُ الصالحين بمدعي الصلاح من ذوي الأغراض الفاسدة والمشعوذين.
هذ المجهودُ الجبارُ للشيخ وأتباعه الصادقين، جعل الخواص يسلكون سبيلَها فضلا عن العوام؛ فغدت الطريقة الدرقاوية تدعو إلى التصوف العملي الاجتماعي، الذي يشارك فيه أفراده في مختلِف شؤون البلاد الاجتماعية والسياسية، متجنبة بذلك مفاهيمَ الاختلاء والابتعاد عن الناس، ولهذا وُسمت بأنها حركةٌ تجديدية للتصوف، وثورةٌ اجتماعية على القيم السائدة في محاولة لإرجاع الحركية والمصداقية للتصوف.
خامسا: إن طبعَ مثلِ هذا المصدرِ المهم من تراث أهل التصوف المغربي سيعُم نفعُه في شتى أنحاء المعمورة لا محالةَ، خاصة إذا علمنا بأن الطريقة الدرقاويةَ وإن كانت ذاتَ أصول مغربية صرفةٍ، فإنها انتشرت في دول المغرب العربي، حيث بلغت الجزائر وتونسَ وليبيا، وتجاوزتها إلى مصرَ ودول المشرق العربي، كسوريا ولبنانَ وتركيا، ووصلت العديدَ من الأقطار الغربية، كإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وأمريكا وغيرها، فما من قُطر إلا وفيه أتباعُ الدرقاوية، وأغلبهم بحمد الله تعالى من أهل العلم، فأصبحت الطريقة بفضل شيخها العلامة مولاي العربي الدرقاوي – رحمه الله – من أشهر الطرق المغربية، وأكثرِها انتشارا، ويكفي أن يعرفَ القارئُ بأنه لم يمت حتى خلَّف أكثر من أربعين ألف من الأتباع في ظرف وجيز، كما ذكرت العديد من المصادر.
سادسا: إن الكتاب وسيلةٌ لاطلاعنا على تراجم هؤلاء الرجال الصادقين الأفذاذ، يجعلنا نستفيد من سِيَرهم، ونقتدي بهم في سيرهم لمعرفة الله تعالى عن طريق الشيوخ الصالحين المربين، ولا تخفى مكانةُ القدوة في تقويم حياة الإنسان، خاصة في هذا العصر، الذي استولت فيه المادياتُ، وهيمنت فيه الأنانيةُ وطغَت فيه الفردانية، وقُطعت الأرحام وجُهر بالآثام، واشتكت الغالبية فيه من الفراغ الروحيّ القاتل، وأحسن من يَتأسى بهم الواحدُ منا في هذا الزمان هم الصالحون من الناس، قال الله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90]، فبالتأسي بمثل هؤلاء توقَظ هممُ طلاب المعالي حسا ومعنى، ومن اقتفى الأثر نال الوصول إلى معالي الخصوصية.
فلكل هذا وذاك مما ذُكر ومما لم يُذكر، تظهر الأهميةُ الكبيرة المعتبرة في طبع وإخراج هذا السفرِ المبارك إلى الوجود؛ ليكون من ضمن مطبوعات مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام.
ختاما، أضرع إلى الله العلي القدير أن يجازيَ خيرا فضيلة الأخ الأستاذ الدكتور عبد الهادي بصير – حفظه الله – على هذا العملِ المباركِ الجسيم، وأن يجعلَه خالصا لوجهه الكريم، في سجل أعماله الصالحة التي تسُرُّه غدا بين يديه تعالى، وأن يرحمَ سلفنا الصالح – مؤسسا وخلفا -، وينزلَهم المنزل المباركَ عنده في مقعد صدق، وأن ينفعَ به المطّلعين عليه، ويوفقَهم للاهتداء به، اللهم آتنا من لدنك رحمة وهيّئ لنا من أمرنا رشدا، اللهم لا تأمنّا مكرك، ولا تُنسنا ذكرك، وألهمنا شكرك، وانصر اللهم راعيَ العلمِ والعلماءِ، عبدكَ الخاضعَ لجلالك، المعترفَ بعزك وسلطانك، من بسطت يدَه في أرضك وعبادك، السلطانَ المعانَ جلالةَ الملك أميرَ المؤمنين محمداً السادس، اللهم أعزه وأعز به بالإسلام حتى ينتظمنّ به أمرُ الخاص والعام، واحفظه في ولي عهده المولى الحسن، وشُد أزره بشقيقه المولى الرشيد، وسائر أسرته الشريفة إنك وليّ ذلك والقادرُ عليه. وحسبنا الله ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين.
وكتبه:
إسماعيل بصير
خادم أهل الله بزاوية جده الشيخ سيدي إبراهيم البصير بني اعياط أزيلال
رئيس مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام
في يوم الأربعاء 09 صفر الخير 1446هـ، الموافق لـ 14 غشت 2024م.