اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ ( الجزء الأول)

د/عبد الهادي السبيوي

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مُضلّ له، ومَنْ يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

. أما بعد:

احبتي في الله ، اتَّقوا الله تعالى ولنعتبر جميع  في هذه الأيام والليالي؛ فإنها مراحل  نقطعها إلى الدار الآخرة حتى ننتهي  إلى آخر سفرنا، وإن كل يوم يَمُرُّ  بنا بل كل لحظة تَمُرُّ بنا فإنها تبعدنا من الدنيا وتقرّبنا من الآخرة . إن الماضي لبعيد، وإن المستقبل لقريب، وإن هذه الأيام والليالي لخزائن لأعمالنا جميعا  محفوظة لنا  شاهدة بِما فيها من خير أو شرّ، فطوبى لعبد اغتنم فرصها بِما يقرّب إلى مولاه، وطوبى لعبد شغلها بالطاعات واجتناب المعاصي، وطوبى لعبد اتّعظ بِما فيها من تقلّبات الأمور والأحوال فاستدل بذلك على ما لله – عزَّ وجل – من الحكَم البالغة والأسرار، ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأَبْصَارِ﴾ [النور: 44] .

عباد الله،

ألَم تروا إلى هذه الشمس تطلع كل يوم من مشرقها وتغرب في مغربها فإن في ذلك أعظم اعتبار؛ إن طلوعها ثم غروبها إيذان بأن هذه الدنيا ليست دار قرار وإنما هي طلوع ثم غيوب وإدبار . ألَم تروا إلى القمر يطلع هلالاً صغيرًا في أول الشهر كما يولد الأطفال وهكذا الإنسان وحياته تمامًا، فاعتبروا يا أولي الأبصار؛ فإن الإنسان يُخلق من ضعف ثم إلى قوّة ثم إلى ضعف كما قال الله عزَّ

وجل:﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: 54] . إن هذا الهلال يبدو صغيرًا كما يولد الطفل ثم ينمو رويدًا رويدًا كما تنمو الأجسام حتى إذا تكامل في النمو أخذ في النقص والاضمحلال وهكذا حال الإنسان وحياته، فاعتبروا يا أولي الأبصار . ألَم تروا إلى هذه السنين تتجدّد عامًا بعد عام، يجيء أول العام فينتظر الإنسان آخره نظر البعيد ثم تَمُرُّ الأيام سريعة كلمح البصر فإذا هو في آخر العام وهكذا عمر الإنسان يتطلّع إلى آخره تطلّع البعيد ويُطيل ويبعد الموت فإذا به قد باغته الأجل، ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ [ق: 19] . ربما يؤمّل الإنسان طول العمر ويتسلى بالأماني فإذا بحبل الأمل قد انصرم وإذا ببناء الأماني قد انهدم وإذا هو بالموت قد بغَتَهُ، فاعتبروا – أيها الإخوة – واستعدّوا لِمَا أمامكم.

أحبتي في الله:

تحدثنا في الخطبة الماضية عن أهمية الوقت في حياة الإنسان المؤمن وذكرنا كيف كان السلف الصالح يتعامل مع الوقت وعرجنا على أهمية استغلال العطلة الصيفية فيما ينفع الابناء دون حرمانهم من الاستمتاع والاستجمام في حدود ما شرعه الله ، وفي هذه الخطبة  المباركة واستمرارا في التذكير بأهمية الوقت سنقف بحول الله عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  الذي رواه  الحاكم في مستدركه والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: (( “اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ”.

احبتي في  الله ،

اعلموا أنها دعوة عامة من نبي الأمة ولا بد لنا من تلبية هذه الدعوة ، انها  دعوة لاغتنام وقنص الفرص العظيمة التي يهيئها الله عز وجل لنا ألا وهي حياتنا، هذه الحياة  التي وضعها الله عز وجل أمانةً في أعناقنا والتي  سنسأل عن كل صغيرة وكبيرة  فيها “مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا” هذا الكتاب الذي فيه صحائف أعمالنا أي نتاج حياتنا شبابنا، صحتنا ، أموالنا ، أوقاتنا حياتنا كلها من يوم أن جرى علينا القلم الى  ان نلقى  الله عز جل لمن كانت ؟؟ لله ومن أجل الله أم لهوانا ومن أجل أنفسنا ؟؟ هذه أمور يجب الوقوف عليها والمراجعة.

اخوتي في الله

إن المتأمل في هذا الحديث يجد حكمة كبرى و دعوة عظيمةٌ لإنتهاز فرصة الحياة قبل فوات الأوان ،،وأن نجعل كل لحظة في حياتنا لله وفي سبيل الله  إنها دعوة صريحة كي  نجعل حياتنا بكل ما فيها وسيلةً للتقرب من الله في حال الرخاء قبل الشدة. حتي يعيننا الله في المحن والشدائد ويجعل لنا من أمرنا مخرجا ويسرا. ” احفظِ الله يحفظكَ ، احفظِ الله تجده تجاهكوبذلك يكون حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم هذا كنزا من كنوز الحكمة وهاديا مرشدا لنا في الحياة … هذه الحياة التي تكثر فيها المغريات وتكثر الفتن والمفاتن”إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُم” محمد36 ” قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى “النساء77
وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ }القصص60 .فكل ما في هذه الحياة وهذا العمر متاع زائل ولكن { وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }آل عمران14 لأجل هذا أوصانا صلى الله عليه وسلم أن نغتنم خمسا قبل خمس

أخي  في الله

يوصيك المصطفى صلوات الله عليه وسلم أن  تغتنم : شبابك قبل هرمك لان الشباب نعمة من نعم الله تعالى على الإنسان ، انه  مرحلة وفترة من عمر الإنسان ، به يكون في قمة النشاط والإندفاع وعنفوان الحياة وخير ما يقدم يُقدم في مراحل الشباب فالشباب هم عماد المجتمع وبهم تقام الأمم ،، واليوم ترانا في حال مختلف لماذا ؟  لان الشباب عندنا يعني نزوة ،،طيش،،ومراهقة حتى سن الأربعين هذا هو حال الشباب في يومنا هذا حتى إننا عندما نرى أحدهم يحيا حياته بإستهتار وتسأله لماذا ؟؟!! يجيبك أحدهم دعه غداً يكبر ويعقل !! بالله متى ؟  أحتى  يمر شبابه وعنفوانه ، و يصبح كهلا هرما لا يقدر حتى على أداء  الفرائض، ثم ما الذي يضمن لنا  أنه سيكبر وسيمضي في الحياة ؟ أليس من الممكن أن يكون الله عز وجل قد قدر له الموت وهو شاب أم أن ذلك الأمر قد نزعناه من قاموس حياتنا وسلمنا  أن الموت لا يأتي إلا لكبار السن

لما علينا الاستهتار دائما بحياتنا وأيامنا وشبابنا ؟؟إن حال شباب هذه الأيام محزن مؤلم تراهم ضائعين ينعقون مع كل ناعق عندهم استعداد لاستقبال كل فساد  والانجراف وراء كل تيار الا من رحم ربي ، لو عددنا لما انتهينا.أهؤلاء من تتعلق عليهم آمالنا ؟؟ أهؤلاء من يجب أن يكونوا منقذي  هذه الأمة ومن يحمل مشعلها .؟

أحبتي في الله ،

فلو عدنا  إلى الوراء إلى عهد النبوة العظيم وعهد الصحابة الكرام نجدهم شبابا يقدمون أرواحهم وأنفسهم وأموالهم في سبيل الله عز وجل فهذا مصعب بن عمير شاب من أجمل شباب قريش ..وأغناها كان اذا مر من أزقة مكة تقف الفتيات ليرون جماله وكان الناس يعرفون ان مصعباً مر من هنا من أثر العطر الذي يضعه ،كان يحيا حياة الترف واللهو والعبث ..ولكن جاء الإسلام لينير دربه وقلبه وعقله فأخذه بكل ما فيه وأقبل عليه بكل كيانه حتى أن أمه حبسته ومنعت عنه الطعام وقيدته ،، فتحايل على القيد وهرب نجاة بدينه وإيمانه فحرمته نصيبه من المال فلم يأبه لذلك بل مضى في طريقه طالبا النجاة لنفسه ولأمته …..فبعثه  رسول الله صلى الله عليه وسلم سفيرا للإسلام والمسلمين إلى المدينة،  خرج في سبيل الله ليحل محل رسول الله في تبليغ الدعوة وقبل أن يصل عليه السلام كان قد أسلم على يدي مصعب جموع كبيرة من أهل المدينة فهذا الشاب الذي لم يكن يهمه من قبل الا مظهره وملبسه وعطره وجماله قلب الاسلام موازينه وغير أهدافه ورؤيته للحياة .

وهذا علي بن ابي طالب رضي الله عنه شابا قويا شجاعا يبات في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصرف نظر الكفر عنه في هجرته عليه السلام كان من الممكن أن يقتلوه ويستهينوا بأمره ولكنه لم يحفل بذلك بل واجه قريش بكل قوته وشجاعته ولم يخف على شبابه ويتأخر في نصرة رسول الله عليه وآله السلام .

وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنهما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرا على جيش فيه ابو بكر وعمر رضوان الله عليهم أجمعين ليغزو الروم للانتقام لشهداء مؤته . ومما قاله رسول الله في حق أسامة رضي الله عنه ، : “إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله ، وأيم الله لقد كان خليقا للإمارة ، وإن كان من أحب الناس إلي ، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده يا لله أتعرفون عمر أسامة آنذاك ؟  انه  لم يتجاوز العشرين عشرين عاما ورغم ذلك كان قائدا عاما لجيش المسلمين.

فاين نحن من ذلك يا شباب الإسلام ؟ ما هي قائمة اهتماماتنا وما هي أولوياتنا ؟؟!
فليكن الله ورسوله في رأس القائمة ، وليكن العمل للدين في رأس القائمة
وليكن حمل هم هذه الدعوة في رأس هذه القائمة ، بالله اخي متى سنحافظ على السنن الرواتب؟؟؟ ومتى سيصفو قلبك بحب إخوانك؟؟ ومتى ستزكي نفسك؟؟؟
احبتي في الله لم يبق من حقنا أن نقف وننتظر مضي العمر ولنعاهد انفسنا على ان نقدم لله أجمل أيام عمرنا لتكون خالصة له سبحانه . أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية

الحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرةً وأصيلا , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد عباد الله : اتقوا الله تبارك وتعالى في الغيب والشهادة والسر والعلانية ، اتقوا الله جل وعلا تقوى من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه .

واعلموا  حفظكم الله  أن هذه الحياة الدنيا دار ممرٍ وعبور وليست دار خلودٍ وبقاء ؛ فعن علي رضي الله عنه قال : «ارْتَحَلَتْ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً ، وَارْتَحَلَتْ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ » .

اخوتي في الله فكما حثنا صلى الله عليه وسلم على اغتنام الشباب قبل الهرم
حثنا ايضا على اغتنام الصحة قبل السقم، لان الصحة نعمة من نعم الله علينا ، ولا نقدرها الا حين نفقدها وكما قيلالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه الا المرضىولهذا علينا إغتنام هذه النعمة الكبيرة التي منَّ الله عز وجل بها علينا  كما اوصانا بذلك حبيبنا المصطفى وقد حث الاسلام على استعمال هذه النعمة العظيمة والاستفادة منها قبل زوالها وقبل أن يداهمك المرض ويفاجئك يقول عليه السلام :” بادروا الأعمال سبعا هل تنتظرون إلا إلى فقر منس أو غنى مطغ أو مرض مفسد أو هرم مفند أو موت مجهز أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمررواه الترمذي عن أبي هريرة
فعلينا أن نغتنم هذه الفرصة للقيام بالأعمال المقربة إلى الله عز وجل ولا نسوف ، لان التسويف آفة تدمر الوقت وتقتل العمر،يقول الحسن البصري : “إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدكفالحذر الحذر من التسويف فاننا لا نضمن أن نعيش إلى الغد، وإن ضمنا حياتنا إلى الغد فلا نأمن المعوِّقات من مرض طارئ أو شغل عارض أو بلاء نازل، فان نزول المرض بالانسان يذكرك بفضل نعمه الله عليك بالعافية , فهذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان وأوضح  برهان معنى العافية التي كنت تمتعت بها سنين طويلة , ولم تذق حلاوتها ولم تقدرها حق قدرها، فكم من سليم معافى نزل به المرض فجعله قعيد فراشه يتحسر على أيام مضت لم يجعل لله عز وجل فيها نصيبا بل كانت عبثا ولهوا وعصيانا لجبار السموات والأرض ولهذا قال عليه السلام في الحديث الصحيح :” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة، والفراغ
والنفس البشرية جُبلت على أن الإنسان إن لم يشغلها بالخير شغلته بالشر، فعلى الإنسان أن يستغلَّ نعم الله لديه بالطاعة؛ فإنه لا يدري ماذا يخبئ له الدهر من البلايا والصوارف وقيلوأسوأ أحوال المرء أن يكون مغبونا، فإن الغبن بجميع صوره وألوانه يوقع صاحبه في دائرة النقص وفوات الحظ. وإن أعظم غبن يصيب الإنسان أن يخسر حياته التي ليس لها في الدنيا ثمن ولا عنها عوض


والغبن أيها الأحبة في الله أن تشتري بأضعاف الثمن أو أن تبيع بدون ثمن المثل ، فمن أصح الله له بدنه ، وفرغه خالقه من الأمراض العائقة ، ولم يسع لصلاح آخرته فهو كالمغبون في البيع أو الشراء ، والمقصود أن غالب الناس لاينتفعون بالصحة والفراغ بل يصرفونها في غير محلها، ولهذا كانت الصحة والعافيه من أجلّ نعم الله على عبده,وأجزل عطاياه واوفر منحه وفي الترمذي وغيره مرفوعامن اصبح معافى في جسده امنا في سربه عنده قوت يوم فكأنما حيزت له الدنياومن هنا قال السلف في قوله تعالى “ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِالتكاثر8 النعيم ما يلتذ به في الدنيا من الصحة والفراغ والأمن والمطعم والمشرب وغير ذلك .وفي سنن النسائي “سلو الله العفو والعافية والمعافاة فما أوتي احد بعد اليقين خيرا من المعافات

فما علينا أحبتي في الله  إلا أن نغتنم فرصة توفر الصحة للقيام  بالواجبات وان نبادر الى فعل الخيرات وصلة الأرحام  وعيادة المرضى ومساعدة من هم في أمس الحاجة إلينا، كما يجب علينا ان نغتم صحتنا في الدعوة إلى الله لأننا  لا نعلم متى يفاجؤنا المرض وأيضا يجب علينا أن نحافظ على هذه الصحة التي انعم الله بها علينا وان لا نعرضها للمهالك وان نتجنب كل ما يضرها من سجائر ومخدرات ومشروبات كحولية ومحرمات  و علينا ان نهتم بهذه الصحة من خلال ممارسة  التمارين الرياضية  والتغذية المتوازنة السليمة بالإضافة الى النظافة الدائمة .

احبتي في الله نكتفي بهذا القدر في هذه الخطبة المباركة على يتجدد لقاءنا ان شاء الله في الجمعة المقبلة لنكمل وقفتنا عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ”.

وحتى ذلكم الحين اعلموا أحبتي في الله  أن حياة المرء في هذه الدنيا ليست حياةً دائمة بل إنه يعقبها موت ، ولكل أجلٍ كتاب ، وإذا جاء أجل المرء لن يستقدم عنه ساعة ولا يستأخر ، والعاقل  إخوتي في الله  من يحرص على اغتنام حياته في طاعة الله تبارك وتعالى وما يقرب إليه ؛ بحيث تكون كل ساعة يحياها وكل يوم يُفسح له في هذه الحياة امتدادًا في الطاعة والإقبال على الله جل وعلا ، وفي الدعاء المأثور عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم : «اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي ، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» . وهي دعوة عظيمة مباركة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فلنجمع  احبتي في الله  لأنفسنا بين حسن الدعاء والالتجاء ، وحسن العمل والإقبال على الله تبارك وتعالى ، والرعاية للأوقات والحفظ للأعمار وحُسن الإقبال على الله العزيز الغفار .ونسأل الله جل في علاه أن يصلح أحوالنا أجمعين ، وأن يهدينا إليه صراطًا مستقيما ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ؛ إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء ، وهو أهل الرجاء ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

وصلّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد , وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد , وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكرٍ الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي الحسنين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا وحافظًا ومؤيدا ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين

. اللهم وفق ملك البلاد أمير المومنين محمد السادس لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم كن له معينا ونصيرا وأعنه وانصره على أعدائه وأعداء المغرب .

اللهم امدده  من عندك بالصحة و العزم و القوة و الشجاعة والحكمة و القدرة و التوفيق لما فيه مصلحة العباد و البلاد و الأمة الإسلامية قاطبة ، و اجعله لدينك و لأمتك ناصراً ، و لشريعتك محكماً .اللهم ، اللهم  احرسه بعينيك الّتي لا تنام، واحفظه بعزّك الّذي لا يضام. واحفظه اللهم في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بأخيـــــــه المولى رشيد وسائر الأسرة العلوية  المجيدة وأيِّده بالحق وارزقه البطانة الصالحة يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آت نفوسنا تقواها , وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها , اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى , اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، ونسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ، ونسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقا ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك لما تعلم ؛ إنك أنت علام الغيوب . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقَّه وجلَّه , أوله وآخره , علانيته وسره , اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات , ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النارعباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .

 


مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *