الرضاعة الطبيعية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الحمد لله مدبر الأكوان، أكمل خلق الإنسان، ومتعه بالصحة وأرشده إلى ما فيه مصلحته بالسنة والقرآن، نحمده تعالى ونشكره على نعمة الإيمان، ونشهد أن لا إله إلا إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى اتخاذ الوسائل للمحافظة على صحة الأبدان، وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وسلم تسليما كثيرا ما تعاقبت الأيام و توالت الأزمان، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، إن مهمة الإنسان في هذه الحياة عظيمة، وأمانته فيها جسيمة، ومسؤوليته كبيرة، وذلك أن الله عز وجل خلقه في الأرض ليكون له خليفة، يعمر الأرض ويظهر أسرار الله فيها، ويعمل على صلاحها وإصلاحها وإقامة شرع الله فيها، ولا سبيل إلى هذه المهمة التي أنيط بها الإنسان وتحمل أعباءها ولد آدم، إلا إذا توفرت لذيه أسباب التغلب على صعوباتها، فتحصن بالصحة التي يكمل بها عقله ويسلم بها تدبيره، وتتصل بها جهوده، والعقل السليم في الجسم السليم، فالصحة عنصر مهم لا بد منها في قوام الحياة الإنسانية، لأنه ما من شيء في هذه الحياة إلا وهو محتاج إليها ومتوقف عليها، وأول أسباب الحصول على صحة سليمة هو التغذية السليمة والصحية، والتي تبدأ مع خروج الإنسان من رحم أمه إلى أن يلقى ربه، أيها المؤمنون، من آيات الله تعالى في خلق الإنسان، أن الله عز وجل أوجد لكل مخلوق رزقه، ومن الرزق أن غذاه في الحشى قبل أن يخرج إلى الوجود، وأوجد له طعاما كاملا، حليبا متدفقا تذره ثرائب الأمهات بتلقائية كلما التقمته أفواه الأبناء، أيتها المؤمنات، لقد فطر الله تعالى الأنثى على إرضاع وليدها برضى وطواعية، وبفضلها يحصل الطفل على القوة البدنية والذهنية التي بها يستقيم عيشه في هذه الدنيا، وبها تتحقق له العبادة التي من أجلها وجد، ولهذه الرضاعة الطبيعية فوائد كثيرة فهي تولد علاقة حميمة بين الأم وطفلها، وتشعر الطفل بالحنان والدفىء والحماية التي يحتاجها من الأم، كما تزوده بمواد غذائية، لن يستطيع الحصول عليها من أي طعام أخر، كما أن عملية الإرضاع تعتبر حسب المتخصصين من أروع لحظات التواصل بين الأم وطفلها، أيها المؤمنون، إن عملية الإرضاع للأطفال ليس المهم فيها هو إشباع الرغبة الطبيعية للطفل فقط كما يظن البعض، ولكن لها فوائد عظيمة على صحة الطفل والأم معا، نذكر بعضها حسب دراسات لأهل الإختصاص، فهي في اللحظات الأولى وعلى المدى القريب من الولادة تساعد على تحسين أداء الجهاز الهضمي، والتقليل من أخطار الإلتهاب المعوي القولوني الناخر، والأمراض العدوائية، وتساهم في تكاثر الجراثيم الجيدة الواقية، في الجهاز الهضمي لدى الطفل، كما تحسن من أداء عمليات الهضم الفيسيولوجية، وتقوية جهاز المناعة لذيه، كما تقلل من إصابة الرضع بالتهابات في الأذن الوسطى والمسالك البولية، وعلى المدى فإن الرضاعة الطبعية تحمي من الأمراض المزمنة كالسمنة والسرطان وأمراض الأوعية الدموية، وتخفف من ظاهرة التوتر التي بدأنا نلاحظها على أطفالنا في سن مبكرة، كما تساهم في تطور الذكاء والقدرات الذهنية، أما بالنسبة للأم المرضع فإن الإرضاع يحمي من كثير من الإلتهابات الرحمية بعد الولادة، و يجنبها خسارة الدم الزائدة المرافقة للولادة، حيث يساعد الإرضاع في توقف النزيف الناجم عن الولادة، و يساهم في عودة الرحم إلى حجمه الطبيعي ومكانه الطبيعي بسرعة بعد الولادة، كما يمنع حصول الحمل بنسبة تزيد على (98%)، دون تناول مانعات الحمل، وأكدت دراسات كثيرة أن الإرضاع يقي من حدوث سرطان الثدي، وسرطان الرحم عند الأم المرضع، وصدق الله العظيم إذ يقول: “وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ”، أيها المؤمنون والمؤمنات، إن العالم الغربي الذي اخترع الرضاعة الصناعية هو من ينادي اليوم بعودة الأمهات إلى إرضاع أبنائهن بطريقة طبيعية بعد أن ضاق ذرعا من المشاكل الصحية التي تعرضت لها أجيال من الأبناء من جراء تفضيل أمهاتهم الرضاعة الإصطناعية ليتفرغن للعمل وللحفاظ على رشاقتهن، وهاهم اليوم يعودون ليرفعوا شعارات التنويه بالرضاعة الطبيعية وبتمكين الأمهات العاملات من ساعات الإرضاع لما عرفوه من أهمية الرضاعة على التكوين الجسمي والذهني والصحي للناشئة، والأم المسلمة أولى بهذا التنبيه لأن الله تعالى جعل من أسباب بر الأمهات أنهن أرضعن أولادهن فقال عز وجل: “ووصينا الإنسان بوالديه، حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين”، فبادري أختي إلى إشباع مولودك من الحليب الذي أوجده الله تعالى لطفلك، ولا تحرمي نفسك وابنك من هذه الفوائد التي ذكرنا وغيرها كثير، ولاتبخلي عن طفلك بإرضاعه قدرما تستطيعين، تفوزي برضى رب العالمين، وببر طفلك بعد حين، وتنالي شفاعة سيد المرسلين، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله واولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة، وعلى آله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله ، من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، اهتماما بموضوع ارضاعة الطبيعية ولما لها من الفوائد العاجلة والآجلة على صحة الأم والطفل، ومن أجل ناشئة صحيحة سليمة ذهنيا وبدنيا، تحتفل بلادنا في الفترة الممتدة بين 28 مارس و 3 أبريل بالأسبوع الوطني لتشجيع الرضاعة الطبيعية، وتوسيع الوعي بأهميتها، وهذا ليس بدعا لأننا إذا تصفحنا كتب السيرة النبوية نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما يوصي به النساء بعد الإنجاب أن يبادرن بإرضاع أبنائهن ولو كان في إرضاعهم شعور بالألم، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمر اسماء بنت أبي بكر الصديق بإرضاع وليدها عبد الله ابن الزبير وهو أول مولود ذكر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة فقال لها: “أرضعيه ولو بماء عينيك”،.الدعاء