عودة الجالية المغربية المقيمة بالخارج
عودة الجالية المغربية المقيمة بالخارج
الأستاذ مولاي يوسف بصير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الأولى والآخرة، له الخلق والأمر، وإليه المصير يوم الحشر، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، ﷺ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، ما إن يبتدئ موسم الصيف حتى تبدأ وفود الجالية المغربية المقيمة بالخارج تتوافد على بلدهم وبلدنا، المملكة المغربية، وفي الأسبوع الماضي تناولنا موضوع عودة الحجيج من الديار المقدسة، وذكرنا كيف نستقبلهم، وما ينبغي علينا اتجاههم، وهم عائدون من هذه العبادة الجليلة، وحري بنا اليوم أن نتحدث عن استقبالنا لهذه الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وما ينبغي علينا اتجاههم، في هذا الموسم العظيم، فأقول وبالله التوفيق، أيها الإخوة المؤمنون، تعلمون جيدا أن ديننا الحنيف، وأخلاقنا التي تربينا عليها، والتي ينبغي علينا أن نورثها لأبنائنا وللأجيال بعدنا، أن إكرام الضيف واجب شرعي مارسه الأنبياء والمرسلون قبلنا، وقد ضرب الله لنا في كتابه العظيم مثلا في المبالغة في الإكرام، حيث قال جل وعلا: “هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ “، فضيوف سيدنا إبراهيم ملائكة جاءوا بصفة بشرية ، فعمد إلى عجل سمين ذبحه وشواه إكراما لهم بالرغم من أنه لا يعرفهم، وفي الحديث المتفق عليه المروي عن سيدنا أَبي هريرة (ض) أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: “مَنْ كانَ يُؤمنُ بِاللَّه واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّه واليَوم الآخِرِ فليَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّه وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”، وجاليتنا المغربية تستحق منا ليس فقط أن نكرمهم بل أن نبالغ في الترحيب بهم في بلدهم، وذلك للمشاق والتكاليف التي يتحملونها سنويا من أجل صلتهم لرحمهم، ولو علمنا ما تعانيه هذه الجالية خلال السنة من أجل أن ينضموا إلينا ويكونوا معنا في الفترة الصيفية لفتحنا لهم أبوابنا ولو لم يكن بيننا وبينهم صلة إلا أنهم مواطنون مغاربة، وكلنا يعلم من خلال الأخبار ووسائل التواصل، والبرامج الإذاعية والتلفزية ما تعانيه هذه الجاليات المقيمة بالخارج من ضغوطات وصعوبات تتعلق بالمعتقد الإسلامي، والتمييز العرقي، وعدم تكافؤ الفرص بالنسبة لأبنائهم في الوظائف .. وغيرها من مظاهر الإزدراء، ومع ذلك كلما حل وقت العطل إلا وتحن القلوب وتتهيج الأشواق لمعانقة البلد، وصلة الرحم مع من بقي من الآباء والإخوان والأقارب، ويتحملون في ذلك المصاريف الكثيرة، ويتجشمون المشاق ليجدوا في بلدهم أسرة تتنكر لهم، ومواطنين يستغلون فرص مجيئهم للرفع من الأسعار والتضييق عليهم، وربما دفع بهم الجشع إلى استبزازهم واستغفالهم بغير وجه حق، حتى أصبح العديد منهم يحس بأن كل من حوله من الناس، أقارب كانوا أم أباعد، لا يرون فيهم إلا أناسا ينبغي استغلالهم وسلب أموالهم بأي طريقة كانت، وهذا السلوك يتنافى مع “تامغربيت” التي تربينا عليها، ويتنافى أيضا مع توجيهات ديننا الحنيف الذي أمرنا بإكرام الضيف لآنه ضيف، فكيف إذا كان من ذوي الرحم؟، أيها الإخوة المؤمنون، اعلموا أن جاليتنا المغربية المقيمة بديار المهجر، لا يأتون للمغرب من أجل ممارسة السياحة أو الإستجمام كما يظن البعض، لأن هذا الهدف توفره العديد من الدول التي يمرون عليها في طريقهم لبلدهم الأم، وبأثمنة بخسة مع خدمات جيدة ورائعة، ولكن هدف جاليتنا من عودتهم المتكررة كل سنة هو صلتهم للرحم، وربط أبنائهم ذكورا وإناثا ببلدهم الأصلي، ووصلهم بتقاليدهم العتيدة، وبأخلاق الإسلام، لذا يفضلون كل شيئ في بلدهم الأصلي على جميع المغريات، أيها المؤمنون، واجبنا نحو جاليتنا المغربية أن نقبل عليهم بقلوبنا قبل أعمالنا، ونبالغ في الترحيب بهم، ونغمرهم بحناننا وعطفنا وسعة صدورنا، ونمدهم بطاقة المحبة التي نكنها لهم، ونعاملهم بلطف يستشعرون من خلاله مدى عطفنا وشوقنا المتبادل للإجتماع بهم والأنس معهم، وندخل عليهم السرور بأخذ المبادرة للسؤال عنهم واستضافتهم وخدمتهم فكلها من أخلاق ديننا الإسلامي، أخرج الإمام مسلم عن أبي ذرّ (ض) قال: قال لي رسول الله ﷺ : “لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق”، فاللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، وأرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وأخرجنا يا رب من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون، تعلمون جيدا أن جاليتنا المغربية المقيمة بديار المهجر تحظى باهتمام كبير من طرف عاهلنا المفدى جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، عبر عنه جلالته عمليا بتكليف مؤسسة محمد الخامس للتضامن بتنظيم عملية مرحبا كل سنة لتيسير عملية وصول ومغادرة هذه الشريحة من رعايا جلالته للمملكة المغربية بسلام، وعبر عنه أيضا قوليا من خلال خطاباته المتعددة في مناسبات وطنية، وكذا من خلال تخصيص يوم وطني للجالية المغربية المقيمة بالخارج الذي يتزامن مع العاشر من شهر غشت من كل سنة، ليقول للمغاربة أجمع، بأن هذه الجالية من أحبابنا وأقاربنا تستحق منا كل الاهتمام، ومهما بالغنا في الترحيب بهم فإننا لا نوفيهم حقهم، فما بالنا أيها لإخوة المؤمنون نتعامل مع هذه الجالية بجفاء؟، وما بالنا نسمع بمقدمهم لبلدهم ولا نكلف أنفسنا حتى مكالمتهم هاتفيا فضلا عن استقبالهم في بيوتنا، وننتظر منهم أن يزيدوا من تجشمهم للمشاق للسؤال عنا في بيوتنا، ونقلق إذا لم يبادروا بذلك، بل نشعرهم من خلال تعاملنا معهم بأننا لا نرغب في استضافتهم في بيوتنا، وهذا لعمري من أقبح الخصال التي غزت مجتمعنا في السنوات الأخيرة، حتى بدأنا نسمع عن عزوف جاليتنا على المجيئ لبلدهم، واختيار وجهات أخرى للتمتع بفترة العطلة الصيفية، مع حسرة كبيرة تهيمن على قلوبهم و أحاسيسهم، إضافة إلى ضغط الأبناء الذين يحنون إلى بلدهم ويستعملون جميع الأساليب لأن يحظوا بأيام معدودة بين أهليهم وذويهم بمدن وقرى مملكتنا المغربية. ألا فلنغير من سلوكنا تجاه أحبابنا وأسرنا من جاليتنا، ولنعمل على أن يكون مقامهم بيننا في فترة العطلة الصيفية، وقتا نغمرهم فيه بالمحبة، والوفاء، ولنحسن ضيافتهم خاصة أطفالهم ليتشبعوا بالروح الوطنية ويشعروا بدفء الإنتماء لبلدهم، وقد صح فيما رواه الترمذي عن النبي ﷺ أنه قال متحببا لبلده ومسقط رأسه مكة المكرمة: “ما أطيبَكِ من بلَدٍ وأحبَّكِ إلَيَّ، ولولا أنَّ قومِي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ “، وقال ﷺ أيضا عن المدينة المنورة التي هاجر إليها: “اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وإنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وإنَّه دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وإنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بمِثْلِ ما دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ معهُ”، الدعاء.