توجيهات خاصة بالآباء والأمهات للإسهام في تخريج الصالحات
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد، فيا عباد الله، يقول تعالى في كتابه الكريم مخاطبا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة، إن الله كان لطيفا خبيرا”، فكأني بهذا الخطاب القرآني يقول اليوم لكافة نساء الأمة الإسلامية، يانساء العالم الإسلامي لستن كأحد من نساء العالم كله إن اتقيتن الله ورسوله، وتخلقتن بأخلاق الإسلام، وابتعدتن عن سبل الشيطان وما توقع فيه من خبث ورذيلة، وصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه:”الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة”.
أيها الإخوة الكرام، تبعا لما بدأناه في الخطبة الماضية بكلامنا عن بعض تجليات ومظاهر عناية الإسلام بالمرأة، أحببت أن أخصص خطبة هذا اليوم، لبعض التوجيهات الخاصة بالآباء والأمهات بقصد الإسهام في تخريج البنات الصالحات، وتيسير سبل إعدادهن وتربيتهن، لأنه إذا استطعنا أن نصلح شأن المرأة بإعدادها الإعداد الحسن، فإنه بمقدورنا إعداد أسر قوية متماسكة ومجتمع عريق شديد الأركان لايمكن أن تهده رياح المشاكل والهموم مهما كانت قوتها، ولله ذر الحكيم الذي قال:”الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق”،يعني ذلك، أن الأم هي نصف المجتمع وهي من تربي النصف الثاني ذكورا وإناثا، والذي يمعن النظر بين ماضينا وحاضرنا يجد أن الأم التي كانت تسهر على تربية الأولاد أحسن تربية وتكد وتجتهد صابرة محتسبة إلى جانب زوجها دون شكوى أو عتاب، أصبحت اليوم شيئا نادرا عز وجوده في بنات اليوم، وذلك لعدم سهر الأمهات والآباء على متابعة البنات من جيل اليوم المتابعة اليومية بتلقي توجيهات الأم المربية الكفؤة، والعجيب أن أمهاتنا وجداتنا رحمهن الله لم يكن متعلمات ولا دارسات ولم يتوفر لهن ماتوافر لنساء اليوم من وسائل وإمكانيات، لكنهن بحمد الله استطعن أن يخرجن أجيالا من الرجال والنساء نموذجا في التربية والاحترام والعلم والأخلاق والسلوك والمسؤولية، فعلموا بناتهن الوسطية في الخجل، وعلموهن الاحترام والحياء والفضيلة والاستمساك بالدين والاعتماد على أنفسهن، وضربن أكبر المثل في القدوة الصالحة وحرصن على توجيه بناتهن التوجيه الصحيح كي لاتواجههن الصعاب في حياتهن المستقبلية، فحرصن على ملء قلوب بناتهن بالإيمان والتخلق بأخلاق القرآن، وجعلن منهن نساء صالحات تماما كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنقارن حال المرأة اليوم بحال نسائنا السالفات، ولنطرح الأسئلة التالية: هل بمقدور نساء اليوم أن يخرجن المرأة الصالحة ذات الكفاية التي يمكن التعويل عليها في المستقبل؟ وعلى ماذا ينبغي التركيز في تربية البنات كي نخرج منهن البنات الصالحات؟
وقبل أن أجيب على هذه الأسئلة، ماهي المرأة الصالحة؟ المرأة الصالحة أيها الإخوة والأخوات هي المتدينة المستقيمة التي تساعد زوجها على نوائب الدهر، وتقوي عزمه على الطاعة وأعمال البر، التي إذا نظر إليها زوجها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في ماله ونفسها وكل حق له عليها.كما عرفها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة الكرام، إذا رجعنا لقصص القرآن الكريم وأحاديث سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وإلى كتب التاريخ الإسلامي نجدها تحدثت لنا عن قوة الفراسة وشدة بعد النظر التي اتصفت بها إحدى ابنتي شعيب عليه السلام، وتحدثت لنا عن حسن الحيلة والقدرة على الإقناع التي تميزت بها أخت موسى عليه السلام، وأبرزت لنا دور المرأة المسلمة في الجهاد والعلم والأدب، فهذه السيدة رفيدة التي اشتهرت بالطب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الخنساء المسلمة الصابرة المحتسبة، وهذه نسيبة بنت كعب الأنصارية الخزرجية التي اشتهرت بالبطولة والإقدام، وهذه أسماء بنت الصديق، التي يضرب بها المثل في حفظ السر والأمانة والوفاء بالعهد، وتحمل المشقة والتعرض للإيذاء والعناء، وغيرهن كثير، فمن خلال هذه النماذج والأصناف الموصوفة من النساء المؤمنات المتشبعات بروح الإيمان يتبين لنا جميعا أن المرأة كانت منبتا طيبا للأجيال، ومدرسة كبيرة لصنع الأبطال، فهل نستطيع أن نربي في بناتنا اليوم هذه القيم والمبادئ والأخلاق العظيمة التي اتصفت بها هؤلاء النساء رحمهن الله؟ وهل نستطيع تخريج أجيال كهذه؟ لا أنكر أن في مجتمعنا بحمد الله نساء بطلات رائدات، ضربن أكبر الأمثلة على قدرتهن على النجاح في جميع ميادين ودروب الحياة، ولكنهن قليلات، أتمنى من النساء الأخريات أن يقتدين ويتشبهن بهن، إن التشبه بالواصلين فوز ورباح، وإذا كان آباؤنا وأمهاتنا رحمة الله عليهم، بذلوا مجهودا كبيرا في تربيتنا وتوجيهنا والسهر على متابعتنا كي يخرجوا منا جيلا نافعا، فإن الجهد الذي ينبغي أن يبذل اليوم من قبلنا اتجاه أبنائنا وبناتنا أصبح مضاعفا، وليس للآباء أي عذر في عدم قيامهم بواجب التربية والتوجيه مهما كانت الظروف، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فياعباد الله، يقول عز وجل :”إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما”،
أيها الإخوة الكرام، إن هناك أمور لابد أن نعمل ونكد كي تكون في أخلاق بناتنا إذا أردنا أن نخرج منهن البنات صالحات: فلنرب في بناتنا قوة الإرادة، ونعلم البنت كيفة اتخاذ القرارا الإيجابي الصائب، ونحرضها على النهل من العلم، ونعلمها المحافظة على السمعة، سمعتها هي أولا قبل سمعة عائلتها، ونحذرها من الكلمات المعسولة التي قد تسمعها من الغير وتنطلي عليها، ونعلمها ألا تركض وراء الزواج بل أن تجعل من مميزاتها هي التي تهيأ لهن فرص ذلك، ونعلم البنت الابتعاد عما يضر بها ويضر بعائلتها، ونذكي فيها الثقة بالنفس، ونعلمها عدم الإكثار من الشكاوى، ونعلمها كيف تملأ الفراغ بتغذية الروح والعقل، ونمرنها على التعاون وحب الخير، والمحافظة على العلاقة الوطيدة بأفراد العائلة، ونحذرها من تسليم مفتاح السمعة لمن تحب قبل الزواج مهما كان هذا الشخص، ونعلمها أن تهتم بالزينة بعيدا عن المبالغة، وأن تتجنب تقليد الأعمى للأخريات، وأن تفكر مرات ومرات قبل أن تقدم على الخطوة التي تحدد مستقبل حياتها، وأن تتجنب أي عمل يكون في الخفاء والسر، وأن لا تكثر البكاء ولتكن دموعها في أوقاتها وأماكنها المناسبة، وأن لا تفشي سرها إلا لأقرب الناس إليها، وليكن وجهها مبتسما دائما، وأن تكون قوية أمام العقبات، وأن تعبر عن آرائها بثقة عالية، وإن كنت عاملة صاحبة مهنة أن تثبت وجودها من خلال مهارتها العملية والعلمية، وأن تفرض احترامها على الآخرين بسلوكها القويم، وأن تطرد الخوف في التعامل مع الآخرين مهما كان نوعهم، وأن تكون شجاعة في مواجهة من يسيء إليها، وأن لا تبالغ في إظهار الخجل، فالخجل ميزة جيدة للفتاة ولكن المبالغة فيه غير محببة، وأن تكون صريحة بعيدة عن المبالغة، وأن تجعل أمها صديقة لها، هذه كلها قيم ومبادئ مهمة ينبغي أن نعمل جميعا جاهدين على أن يتحقق بها بناتنا في أيامنا هذه، والحمد لله رب العالمين.