على كل سلامى من الناس صدقة (4) تكثير الخطا للمساجد

    على كل سلامى من الناس صدقة (4) تكثير الخطا للمساجد

الأستاذ مولاي يوسف بصير

الحمد لله، الحمد لله حمدا كثيرا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، ونشكره على أن هدانا سبله، وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب على كل سلامى من الناس صدقة، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، حث المسلمين على المسارعة في بدل الصدقات شكرا لله على ما أنعم به من حركة البدن وسلامته فقال” كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ” وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، روى الشيخان البخاري ومسلم عن سيدنا أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله : “كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ”، أخي المسلم، في الجمع الماضية تكلمنا عن أنواع الأعمال التي يمكن لأي واحد منا القيام بها، في كل يوم، وتحسب لك بها صدقة، لأنها بمكانة الشكر لله عن رصانة الفكر بالعدل بين المتخاصمين، وزكاة عن صحة البدن، وقوة البنية الجسدية، بإعانة وإغاثة من هو محتاج للعون، وزكاة عن الأخلاق المكتسبة إذ لا تنطق إلا بالكلام الحلو الطيب، الذي ترتاح النفوس لسماعه، إذ يذكرها بالله وبعظيم صنعه، واليوم بإذن الله تعالى نتناول الكلام عن الجملة الرابعة في الحديث الذي بين أيدينا، والتي يقول فيها حبيبنا المصطفى ﷺ “وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة”، فنقول وعلى الله الإتكال: أيها الإخوة المؤمنون، لقد أخبر نبينا ﷺ في الحديث على أن تكثير الخطا للمساجد يعد أيضا من جملة الأعمال التي يزكي بها الإنسان عن سلامة الجسد وصحته، ويشكر المولى جل وعلى على نعمه، فالمشي إلى المساجد وتكثير الخطا لبلوغها والصلاة فيها تعتبر  زكاة عن الحياة حينما تسمع نداء الصلاة فتهتز نفسك وتسعى جوارحك للوقوف بين يدي الله في بيته، فتعمره بالصلاة والذكر والتلاوة، أيها الإخوة المؤمنون، القلوب المتعلقة بالمساجد قلوب ملؤها الإيمان والتقى والمسارعة إلى الخيرات، سارعت إلى محو الخطايا ورفع الدرجات، سارعت إلى ظل الله عز وجل، سارعت إلى النور التام يوم القيامة، سارعت إلى الصلاة فانتظرت الصلاة، فلم تزل الملائكة تصلي على أصحابها وتلهج بالدعاء لهم بين يدي الله تعالى قائلة: “اللهم صل عليهم، اللهم اغفر لهم”، فعن أبي هريرة (ض) قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: “إذا صلى أحدكم ثم جلس مجلسه الذي صلى فيه لم تزل الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث”، وعنه أيضًا عن النبي ﷺ قال: “ما توطّن رجل المساجد للصلاة والذكر إلا تبشّش الله تعالى كما يتبشّش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم”، وفي رواية لابن خزيمة قال ﷺ: “ما من رجل كان توطن المساجد فشغله أمر وعلة ثم عاد إلى ما كان إلا يتبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم”. أيها الإخوة المؤمنون، أخرج الشيخان عن سيدنا أبي هريرة (ض) أن النبي ﷺ قال: “من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح”، وعن عبد الله بن عمر (ض) قال: صلينا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام المغرب، فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء النبي ﷺ مسرعًا قد حفزه النفس، قد حسر عن ركبتيه، قال: “أبشروا، هذا ربكم قد فتح بابًا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى”، وعن أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله ﷺ: “الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرًا”،  أيها الإخوة المؤمنون، لقد حث النبي ﷺ في هذا الحديث عن تكثير  الخطا  للمساجد، ولكننا اليوم زهدنا في هذا الفضل العظيم، وبدأنا نتعلل بعلل واهية من أجل تكثير الخطا للمقاهي وأماكن الغفلة، والإنشغال بوسائل التواصل الاجتماعي والشبكات العنكبوتية في الفضاء الأزرق، بدلا من إجابة الداعي حين نسمع قول المؤذن “حي على الصلاة حي على الفلاح”، وما علمنا أننا بذلك نفوت على أنفسنا فرصا ربما لا يسمح لنا الزمان لإدراكها، وها أنتم ترون بأعينكم كيف يبدل الله حال الناس من حال القوة والصحة إلى حال الضعف وعدم الإستطاعة، ومما صح من  حديث نبينا ﷺ أنه قال موصيا سيدنا عبد الله بن عمر بن العاص: “…وخذ من صحتك لسقمك..”، بمعنى ينبغي أن تغتنم فرصة الصحة الجسدية للقيام بأعمال الطاعة قبل أن يحول بينك وبينها المرض أو ذهاب العمر وانقضاء الأجل، أيها الإخوة المؤمنون، لقد وعى سلفنا الصالح (ض) قيمة إكثار الخطا للمساجد،  وعملوا على ذلك، طلبا لما عند الله من الثواب والأجر،  كان أحدهم يأتي إلى المسجد يهادى بين الرجلين من شدة المرض، فهذا ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير لما مرض أمر أولاده بأن يحملوه إلى المسجد، وسعيد بن المسيب (ح) يقول في سكرات الموت: “والله، ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد”. وفي قصة مقتل سيدنا عمر بن الخطاب (ض) بعدما طعنه المجوسي وغاب عنه الوعي فلما أفاق توضأ وصلى ولما حضر وقت صلاة الصبح أذن المؤذن واستأذنه خادمه في الخروج إلى الصلاة قال نعم، وخرج وجرحه يثعب دما، وقال: “ولا خير في قوم يتأخرون عن الصلاة”، ويكفيكم فضلا أيها الإخوة المؤمنون أن رسول الله ﷺ عد المتعلقين بالمساجد والمكثرين الخطا إليها من السبعة الذين يستحقون أن يظلهم الله تحت ظل عرشه فقال: “.. ورجل قلبه معلق بالمساجد”. جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

 أيها الإخوة المؤمنون، تأملوا معي قول الله تعالى: “إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ” ، وقوله عز من قائل: “فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ”، فما بالنا اليوم نجد من يستكثر على نفسه حضور دروس الوعظ وشهود خطبة الجمعة، ولا تأتون المساجد إلا قليلاً، وإذا جاؤها فعلى ثقل، وكأنهم على جمر الغضا، وما علم هؤلاء أن هذا من خصال المنافقين الذين قال فيهم الله تعالى: ” إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً”، أخرج أبو داود عن سيدنا رسول الله  ﷺ قال: ” ليأتين على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها إلا قليلاً”، ألا فلنستنهظ هممنا ولنغتنم الفرصة لعمارة المساجد والمشي إليها للصلوات، وحضور مجالس الخير فيها، ولنتأس بسيد المرسلين ﷺ الذي جعلت قرة عينه في الصلاة، والذي كان همه وهو يعاني شدة الموت الصلاة بالمسجد، فعن سيدنا عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله ﷺ؟ فقالت: بلى، ثقُل النبي ﷺ فقال: “أصلى الناس؟” قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: “ضعوا لي ماء في المخضب”، ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: “أصلى الناس؟” قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله. قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله ﷺ لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله ﷺ إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس، وكان أبو بكر رجلاً رقيقًا، فقال: يا عمر، صل بالناس، فقال: أنت أحق بذلك، فصلى أبو بكر تلك الأيام، ثم إن رسول الله ﷺ وجد من نفسه خفةً، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه أن لا يتأخر، وقال لهما: “أجلساني إلى جنبه” فأجلساه إلى جنبه، فكان أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي ﷺ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، والنبي  يصلي قاعدًا.  الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *