على كل سلامى من الناس صدقة: “الجزء الثاني: مساعدة الآخرين”
على كل سلامى من الناس صدقة: “الجزء الثاني: مساعدة الآخرين”
الأستاذ مولاي يوسف بصير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الحمد لله حمدا كثيرا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، ونشكره على أن هدانا سبله، وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب على كل سلامى من الناس صدقة، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، القائل: “كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ” ﷺ وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون،في الجمعة الماضية بدأنا شرح حديث نبينا المصطفى ﷺ الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم عن سيدنا أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله ﷺ: “كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ”، وبيننا مقصد النبي في قوله ﷺ “كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة”، واليوم بحول الله نتحدث عن الصنف الثاني من أنواع الصدقات التي تعتبر زكاة عن نعمة الصحة البدنية التي حبانا الله تعالى بها، والتي قصدها النبي ﷺ في هذا الحديث بقوله: “وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ”، فنقول وبالله التوفيق، أيها الإخوة المؤمنون، جرت سنة الله في عباده، أن يحتاج كل واحد منا إلى أخيه،وأن هناك أعمالا لا يستطيع القيام بها بنفسه، وبهذا يفتقر كل واحد منا إلى غيره، وإن اتسع رزقه وكثر عياله، إذ لا يقوم بنفسه مستغنيا عن الغير إلا الله وحده لا شريك له، أما الفقير إلى الطعام والشراب واللباس والمسكن والأثاث وما لا بد منه للحياة فمحتاج إلى غيره من بناء ونجار وحداد ونساج وخياط ومزارع وخباز وسقاء، وإلى ما لا نهاية له، ومن كان هذا حاله فعليه أن يعين إخوانه، وله أن يستعين بإخوانه، كل بحسب ما يطيق، وبقدر ما يستطيع، قال تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى ۖ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ۖ واتقوا الله إن الله شديد العقاب“، وأنت أخي إن عجزت عن أن تواسي فقيرا، أو تكفل يتيما، أو تَعود مريضا، أو تُنقذَ غريقا، أو تعلمَ جاهلا، فلن يفوتَك أن تعين رجلا في دابته تمسكها له حتى يركب أو ترفع معه المتاع عليها، أو تردها له إذا شرِدت، أو تساعده على سقيها وعلفها وربطها، ومثل الدابة سائر المراكب في البر والبحر والجو، وكثيرا ما نمر ونحن في أسفارنا بالسيارات وأصحابُها في حاجة إلى مساعدة فلا نقف لهم، ولا نهتم بعطبهم ومساعدتهم، فنتركهم في حيرتهم، وقد يكونون بعيدين عن محطات إصلاح ما حل بهم، فنكون بذلك قد تخلينا عن واجبنا نحوهم، أيها الإخوة المؤمنون، في هذا الجزء من الحديث يحثنا النبي ﷺ على أن يستغل الإنسان صحته وقوته البدنية لنفع غيره ممن يحتاجون إلى بذل المجهود ومد يد المعونة إليهم، وهذا أيضا يعتبر من الصدقات، ومن شكر الله على نعمة الصحة البدنية، لأن الانسان مهما حاول أن يعتمد على نفسه فإنّه لن يستطيع الاستغناء عن طلب المساعدة من الآخرين في العديد من أمور حياته، وذلك بغضّ النظر عن مستواه المادي والصحي، فهو طول حياته لا يستغني عن الآخرين يبدأ حياته وهو صغير بالاعتماد على الآخرين، وينهيها عند الكبر والشيخوخة أيضا بالاعتماد على الآخرين، وبين ولادته وخروجه من الدنيا يبقى معتمدا على الأخرين محتاجا لمساعدتهم في جميع أطوار الحياة، فهو كما يحتاج إليهم كذلك الناس أيضا محتاجون إلى مساعدته ويقفون على خدماته التي يبذلها لصالحهم، ليبقى الله تعالى متصفا بالغنى المطلق، والناس يتصفون بالإفتقار إليه وإلى خلقه الذين ميزهم الله تعالى، ورزقهم قوة بدنية يسخرونها لخدمة إخوانهم، أيها الإخوة المؤمنون، إن المقصود بمساعدة الاخرين هو تقديم العون إلى الغير دون تردد، وهي وإن تم التعبير عنها في الحديث ببذل الجهد العضلي فإنها تشمل أيضًا المساعدة المعنوية، كنقل العلم والمعرفة إليهم، والتخفيف عنهم ابتغاء مرضات الله واحتسابا للأجر والثواب عنده سبحانه، وقد صح في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: “من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”، واعلم أخي المؤمن، أنك أول مستفيد من بذل جهدك وطاقتك البدنية والعضلية والفكرية لمساعدة الآخرين، فبها تحصل على شعور عظيم بالسعادة حين وفقك الله لهذا العمل، وتمدك بالطاقة الإيجابية والحماس، وتزكي نفسك بالقضاء على الأنانية وحب النفس، وقد توصل العلماء إلى أن هذا السلوك يقوي جهاز المناعة والمشاعر الجميلة لمساعدة الآخرين، كما تمد الإنسان بالشعور بأنه في معية الله ويكتسب بعمله هذا الكثير من الحسناتأيها الإخوة المؤمنون، هناك آداب ينبغي أن يتحلى بها من يعمل على مساعدة الاخرين تتمثل في عدم انتظار مقابل أو شكر من أحد، وأن لا تتباها بتقديم المساعدات واجعلها سرا بينك وبين من تساعدهم، للحصول على الثواب الكامل. وزين عملك بالكلمة الطيبة أثناء تقديم المساعدة وعدم محاولة إيذاء من قدمت له المساعدة. فاللهم إنا نسألك دوام العافية، وتمام العافية، والشكر على العافية، والغنى عن الناس، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون، قال الله تعالى حكاية عن سيدنا موسى عليه وعلى رسولنا أفضل الصلاة وأزكى السلام: “وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسيٰ رَبِّيَ أَنْ يَّهْدِيَنِے سَوَآءَ اَ۬لسَّبِيلِۖ (21) وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةٗ مِّنَ اَ۬لنَّاسِ يَسْقُونَ (22) وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ اُمْرَأَتَيْنِ تَذُودَٰنِۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسْقِے حَتَّيٰ يُصْدِرَ اَ۬لرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٞ كَبِيرٞۖ (23) فَسَقيٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلّيٰٓ إِلَي اَ۬لظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّے لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٖ فَقِيرٞۖ ” الدعاء