بعض تجليات ضعف اليقين عند المسلمين
بعض تجليات ضعف اليقين عند المسلمين
فضيلة الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، روى الإمام أحمد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال:” كنت رديف النبي ﷺ فقال يا غلام أو يا غليم، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، فقلت: بلى، فقال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك، لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا”.
عباد الله، إذا تأملنا في حال الغالبية منا، نجد بأننا غفلنا عن شعبة عظيمة من شعب الإيمان في علاقتنا بربنا سبحانه وتعالى، وهي اليقين في ما وعد به عز وجل عباده، بحيث نجد ضعف اليقين هي الصفة الغالبة التي غدت تميزنا، وطغت على العديد من أحوالنا، ويتجلى ذلك في عدم تيقننا بكل ما ورد من وعود الحق تعالى لنا واعتمادنا على أنفسنا وعلى غيره من الخلق، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد بأننا نتمنى على الله أن يحفظنا وأن ييسر أمورنا بشكل دائم وخاصة في ظروف الشدة، ولكننا نلتجأ لغيره من الخلق ونستعين بهم وننتظر منهم أن ينفعونا بأشياء لم يكتبها الله علينا، وأننا كذلك نخاف منهم أن يضرونا بأشياء لم يكتبها الله علينا، فتعلقت قلوبنا بالناس والخلق أكثر من تعلقها بالله تعالى، وأكثر بعضنا من الشكوى للخلق، وكأن الخلق يملكون الحل الأمثل لمشكلاتنا، أضف إلى ذلك أننا ننتظر من الله تعالى أن ينصرنا دون صبر، أو أن يفرج عنا دون كرب، أو أن ييسر لنا دون عسر، فصرنا عندما تنزل بنا المصائب والأزمات لا نثق في ربنا الذي أنزلها بنا، ولا نعتقد اعتقادا جازما أنه هو الذي سيرفعها عنا، أضف إلى ذلك عدم وجود الرضا والتسليم بما يجري به قضاء الله تعالى، وعدم وجود الخضوع والاستسلام لله تعالى، أو بالأحرى إعلان الافتقار له وحده، مما يدل على وجود خلل في الإيمان بالله تعالى عموما، وبالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره خصوصا.
ولنتأمل في حالنا عباد الله، عندما نشك في أمر الرزق، ونظن بأن الله تعالى لن يرزقنا أو يقتر علينا في الأرزاق، أو أن نظن أن مدخولنا اليومي أو دخلنا الشهري أو ما يأتينا من قبل فلان أو علان هو كل رزقنا، فنبتلى بالشح والبخل وعدم الإنفاق خشية الفقر، ويصير همنا الأول هو كل درهم نضيفه إلى ما بأيدينا وبحوزتنا وتسمين حساباتنا، ويصير كل تفكيرنا ومحور همنا هو بم نفطر؟ وبم نتغذى؟ وبما نتعشى؟، والنتيجة الأسوأ من كل ذلك، هو أن نصير أوثق بما في أيدينا أكثر مما في يد الله تعالى، المنعم المتفضل على الأولين والآخرين والذي خزائنه لا تنفد أبدا.
ولندقق عباد الله ألم نكن في العدم ولم نكن شيئا مذكورا؟، فخلقنا الله من التراب والطين، ثم من نطفة بعد ذلك، ثم من مضغة بعد ذلك، ثم صرنا عظاما بعد ذلك، ثم كسيت العظام لحما بعد ذلك، ثم أنشأنا خلقا آخر بعد ذلك، ورزقنا في بطون أمهاتنا، ورزقنا صغارا ولم نكن نعقل شيئا، فالسؤال إذن عباد الله، من تولى أمرنا في هذه المراحل، كيف يغفل عنا في سائر المراحل؟ فلم لا يكون لدينا يقين تام في الله تعالى وفيما وعد به؟
ومما يتصل بضعف اليقين لدينا، الاعتماد على الأسباب، والاعتماد على النفس والذكاء والمال والقوة والجاه والغير، أكثر من الاعتماد على الله تعالى، وغاب عنا أن الله تعالى هو خالقنا وخالق الأسباب، وخالق الخلق أجمعين، وأنه هو المتفضل علينا بعافية الجسد وأنه خالق القوة والنفس والمال والذكاء وغير ذلك مما نتبجح به.
وإذا تأملتم عباد الله في شكنا وظننا الخطير بخصوص ما وعدنا به الله تعالى من أمور الغيب كلها، كمغفرته ورضوانه وثوابه وفضله ورحمته الواسعة، وغفلتنا عن الموت، بحيث غاب عن أكثرنا أنه يمكن أن يموت في أية لحظة، وغفلتنا وتردد بعضنا في كل ما سيأتي بعد الموت من أمور القبر والحساب وما وعد به الله تعالى من لقائه وجنته وناره والساعة الآتية والبعث وأنه لا يخلف الميعاد، فكيف لا نذكر أو نتذكر قوله تعالى:” وبالآخرة هم يوقنون”.
فهذه بعض من الصفات التي أضحت تميزنا، وأن دلت على شيء فإنما تدل على ضعف يقيننا، ألا فلندعو بدعاء سيدنا رسول الله ﷺ الذي كان يدعو بقوله كما صح عند الإمام الترمذي: «اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا». أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد، فيا عباد الله، أخرج الإمام أحمد بسنده عن الحسن، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس فقال: قال رسول الله ﷺ: يا أيها الناس، إن الناس لم يعطوا في الدنيا خيرا من اليقين والمعافاة، فسلوهما الله عز وجل”، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه:” كفى بالموت واعظا، وكفى بالعبادة شغلا، وكفى باليقين غنى”.
عباد الله، إن من الأسباب الموضوعية التي أضعفت يقيننا في الله تعالى مصاحبة أهل الغفلة وأهل اللغو واللهو والفراغ وضعاف الإيمان ومرضى القلوب، فمصاحبة أمثال هؤلاء تضعف اليقين وتقتله، ألا فلنتعظ؟، ألا فلنكن مع الله تعالى في كل لحظة؟، ألا فلنكن مع أهل الصدق والإيمان؟، ألا إذا غفلنا وسهونا عنه رجعنا إليه واستغفرناه من سائر ذنوبنا وذكرناه وتبتلنا إليه؟، وخالفنا أنفسنا وراقبناه وشهدناه وعبدناه كأننا نراه فإن لم نكن نراه فإنه يرانا، وتحققنا بوعده ووعيده، وأحسنا الظن به في حال وآن، فإذا فعلنا كنا من أهل علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.
اللهم زهدنا في كل فان، ورغبنا في كل باق، وهب لنا يقينا نسكن إليه. أمين، والحمد لله رب العالمين.
الدعاء لمولانا أمير المؤمنين ولكافة المسلمين.