خطبة عيد الفطر

خطبة عيد الفطر

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،

الله أكبر ما هل هلال شهري رمضان وشوال على الصائمين

الله أكبر ما تعالت الأصوات لهما بالتكبير والتهليل شكرا لرب العالمين

الله أكبر ما وفقنا لقراءة القرآن وبتنا لربنا سجدا وقياما ساهرين

الله أكبر ما صام صائم وأفطر، ولاح صباح العيد وأسفر

الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”، وروى الإمام الطبراني في المعجم الكبير عن سعيد بن أوس الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ:”إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا: أغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمن بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة.

الله أكبر(3)

عباد الله، لقد مضى سيد الشهور رمضان، ومضى معه جزء من أعمارنا في اتجاه الآخرة، فالحمد لله رب العالمين الذي وفقنا لصيامه، ووفقنا خلاله إلى تقواه وخشيته وعبادته، فامتثلنا الأوامر واجتنبنا النواهي ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، حيث غضضنا الأبصار عن نظرة الحرام، وكففنا اللسان عن كلمة السوء، فاجتنبنا الغيبة والنميمة وشهادة الزور وغيرها، وكففنا الآذان عن سماع المآثم، والأيدي عن فعل وإشارة السوء، وهرعنا إلى عمارة المساجد وتلاوة القرآن، وتزاحمنا في الصفوف، وقمنا الليل بالتراويح والذكر والتهجد والاستغفار في الأسحار، وحافظنا على الصلاة في وقتها ومع الجماعة، واشتغلنا بالالتجاء والدعاء آناء الليل وأطراف النهار، وتحققنا بمقام التوبة ما استطعنا، فتركنا الكبائر والصغائر وغيرها من المكروهات، وتخلقنا بخلق الصبر على الطاعة والصبر على المعصية طيلة شهر كامل، وجاهدنا أنفسنا وتعلمنا كيف نلجم الشهوة، ولا نطلق لها العنان، تهوى ما تشاء وتحب ما تشاء وتفعل ما تشاء، لأن الخلاصة كلها عباد الله في إلجام الشهوة، فمن تعلم كيف يلجم شهوته ويتحكم فيها فقد وصل إلى المقصد الأسمى والأسنى من تزكيته لنفسه، وهل هناك أعظم في الحياة الإنسانية من أن تحصل كل نفس هداها وتقواها؟، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة”، وصبرنا أيضا فيما صبرنا على العطش والجوع، واجتنبنا الشهوة في نهار رمضان سواء رآنا الناس أم لم يرونا، وصبرنا على مواجهة من استفزنا وأثار غضبنا بهدوء وسكينة، وحرصنا كل الحرص على اتقاء طاعة صنم النفس الذي يحمله كل واحد منا في جنبه.

وبالإضافة إلى كل هذه المكارم والخصال، حاولنا الصدق مع الله تعالى وأدينا أمانة الصيام قدر المستطاع، وراقبناه في السر والإعلان، إذ لم يكن رقيبا علينا في امتناعنا عن الطيبات إلا الله وحده، وغير ذلك من العبادات التي وفقنا ربنا لأدائها وكأننا نراه فإن لم نكن نراه فإنه يرانا.

وامتلكنا بفضل الله إرادة وعزيمة قويتين لمجاهدة النفس في ترك المرغوبات، فترك بعضنا التدخين وتناول المخدرات وقد ابتلي بها من قبل في سائر الأوقات، وانضبطنا في نظام تناول الطعام والشراب في وقت محدد وموعد معين، فجميعنا صام في وقت واحد وأفطر في وقت واحد، لأن ربنا واحد وعباداتنا موحدة، وعبرنا عن عاطفة الرحمة والأخوة والمحبة والجود والكرم والسخاء والعطاء والإيثار، وشعرنا برابطة التضامن والتعاون التي تربطنا فيما بيننا، فوصلنا ذوي الحاجة والفقر والجوع والمرضى، ودعمنا الحالات الهشة في المجتمع، معبرين عن الأخلاق الرصينة المترسخة في المغاربة جيلا بعد جيل.

الله أكبر(3)

عباد الله، ها أنتم ترون بأننا خلال هذا الشهر المبارك العظيم امتلكنا القدرة على التحقق بكل هذه المكارم والخصال التي أسعدتنا وأسعدت المجتمع من حولنا، وتبين إذن أننا قادرون على القيام بأمور كثيرة جميلة تعود علينا بالنفع دنيا وأخرى، فلم التكاسل والتقاعس إذن في الاتصاف بها بشكل دائم؟ وما الفائدة عباد الله من تدين إذا لم ينعكس إيجابا على أخلاقنا، ولم ينعكس إيجابا على مجتمعنا؟ وما المانع من الثبات على هذه الخصال الكريمة لتبقى مصاحبة لنا طيلة أيام حياتنا لنسعد بها في الدنيا والآخرة ويسعد بها كل المجتمع؟ وتختفي بالتالي العديد من الظواهر السلبية من مجتمعنا كالكذب والغش والاحتيال والأنانية والعصبية والفسوق والعصيان والسرقة والرشوة وقلة النظام والانضباط، والرياء، وحب الظهور، والكسل، والبخل وأمراض الاكتئاب والإدمان التي ابتلي بها بعض الناس لبعدهم عن الله تعالى وغيرها، فالعاقل فينا عباد الله من انتبه لهذه المكارم لينهل منها، ولينبه من معه من الأهل والأولاد ليتحققوا بها، فنحن في زمن أحوج ما نكون فيه إلى هذه الأخلاق، فلا سعادة لنا ولمجتمعنا بدون أخلاق. أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين اهتدوا فزادهم هدى وآتاهم تقواهم، أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الله أكبر(5)

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا”.

اعلموا عباد الله أننا إذا استجبنا إلى ربنا بشكل دائم، فإنه سيغدق علينا أفضاله الكبيرة ويحيينا الحياة الطيبة السعيدة دنيا وأخرى، قال تعالى: “للذين استجابوا لربهم الحسنى”، وقال أيضا: “من عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون”. وبذلكم فالإيمان والعمل الصالح هما الشرطان الكفيلان بتحقق الحياة الطيبة لكل واحد منا، خاصة إذا أضفنا إلى ذلك أخلاق بعينها كالقناعة والرضا بما قسم الله تعالى وداومنا الشكر على النعم، وكنا حذرين من إغراءات الدنيا، فقد اقتضت سنة الله في خلقه ألا تنال الحياة الطيبة إلا بذلك.

الله أكبر(3)

ختاما عباد الله، إن الله سبحانه وتعالى لم يشرع لنا صيام شهر رمضان إلا لكونه منهج تربية للإنسانية يعود علينا بالفوائد الحسية والمعنوية الكثيرة، فما من شيء شرعه الله إلا وفيه خير لنا إن عاجلا أم آجلا، وإن خفيت علينا حكمته وغابت عن عقولنا علته، ألا فليسأل كل واحد منا نفسه: كم من رمضان صام منذ أن بلغ سن الرشد ولم يتحقق بعد بهذه الخصال؟، ألا فلتبق روح رمضان مهيمنة على النفوس، متحكمة في الأقوال والأفعال طيلة أيام حياتنا، وليكن شعارنا دائما وأبدا قوله تعالى:” واعبد ربك حتى ياتيك اليقين”، فالحرام عباد الله حرام قبل رمضان وفي رمضان وبعد رمضان، وعلى الجملة يجب أن تبقى روح رمضان حاضرة بقوة في مجتمعنا من خلال هذه الخصال الكريمة المذكورة، سائدة داخل البيوت والمؤسسات والإدارات وجميع مرافق الحياة، اللهم أقدرنا على ذلك، والحمد لله رب العالمين، وأكثروا من الصلاة والتسليم على ملاذ الورى وخير الأنام سيدنا محمد ﷺ، وامتثلوا قول ربنا عز وجل: “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر صحابة رسول الله أجمعين، وعن آل بيت رسول الله أجمعين، اللهم أكرمنا بمحبتهم واقتفاء نهجهم، واجزهم عنا وعن الإسلام أحسن الجزاء، اللهم اجز عنا نبينا سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم ما هو أهله(3)، اللهم انصر مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، اللهم يارب وفقه إلى كل خير واحفظه من كل شر، وكلل يارب أعماله بالنجاح، وارزقه السلامة في الحل والترحال، وبارك اللهم في تحركاته وأعماله التنموية، وهيأ له بطانة الخير التي تعينه على صلاح البلاد والعباد، ومتعه يارب بالصحة والسلامة والعافية، وأعد عليه أمثال أمثال هذه المناسبة أعواما عديدة باليمن والخير والهناء، اللهم اجزه عن المغرب والمغاربة وعن مواقفه الإنسانية وعواطفه النبيلة التي يكنها لشعبه الوفي كل خير، واحفظه اللهم في ولي عهده مولاي الحسن، وشد أزره بأخيه مولاي رشيد، واحفظ يارب سائر أسرته الملكية الشريفة، إنك سميع قريب مجيب، اللهم آمننا في أوطاننا، وأدم علينا نعمة الأمن والأمان والوحدة والتعاون والتآزر والتكافل والتراحم والأخوة والمحبة، وعرفنا نعمك بدوامها علينا ولا تعرفنا إياها بزوالها، اللهم احفظ بلدنا من تآمر المتآمرين ومن كيد الكائدين، واجعل كيد كل كائد في نحره، اللهم تقبل منا صيام شهر رمضان على التمام والكمال، ولا تجعله آخر عهد لنا بصيامه ولا بقيامه، اللهم كن للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *