الخروج عن الفطرة
الخروج عن الفطرة
فضيلة الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، إن مما ينبغي الانتباه إليه في هذه الأيام تلكم الدعوات المغرضة إلى ممارسة اللواط والزنا تحت مسمى المثلية الجنسية أو العلاقات الرضائية أحيانا، ويتم الترويج لذلك في بعض وسائل الإعلام وفي بعض مواقع التواصل الاجتماعي، ويتم إشراك من يسمون بـ”المؤثرين” وبعض الشخصيات الغربية والمتأثرين بهم من بني جلدتنا – دعاة وحدة القيم العالمية اللا محدودة – للدعاية لكل ذلك بحجة الدفاع عن الحق الفردي في التفكير، والدفاع عن الحق الفردي في الاختيار، وحرية التصرف في الجسد والكرامة، وكل الحقوق الفردية، مما جعل العديد من الناس يتعايشون مع هذه المواضيع بشكل طبيعي ويهتفون في كل المحافل والمنابر لتعزيز حقوقهم وحمايتها، وكأن الشذوذ الجنسي من المسلمات أو حق من حقوقهم الضائعة، وكأنه لا اعتراض عليه في شريعة المسلمين، ضاربين بعرض الحائط أسس الدين الإسلامي وقواعده ومبادئه، والتماسك الاجتماعي وقيمه، مما ينذر ببزوغ هذه الظاهرة الغريبة والدخيلة على مجتماعتنا الإسلامية، وظهورها في صفوف الذكور والإناث من الناشئة من الصغار والأحداث وبين أوساط الشباب، والتثبيط عن الإقدام على الزواج الشرعي بين رجل وامرأة، وفتح الباب على مصراعيه على الخيانة الزوجية، وبالجملة على الانحلال والفساد الأخلاقي، ولا يخفى على ذي لب أن هذه الظواهر تشكل خطرا حقيقيا يهدد الهوية الدينية والاجتماعية، ويفقدها مقومات استمرارها وحضارتها وقوتها، وانتشار أمراض جسدية واضطرابات نفسية في صفوف المراهقين والشباب خاصة، وصدق رسول الله ﷺ الذي قال فيما رواه الإمام البخاري: “لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا”.
عباد الله، إن ما يسمى اليوم بالشذوذ الجنسي هو سلوك منحرف من ناحية الشهوة الجنسية، ويشمل جميع أنواع الشذوذ الجنسي – من لواط وسحاق وإتيان البهائم والحيوانات..- ، والذين يسمونها بالمثلية الجنسية، يبتغون تلطيف هذه الفاحشة ورفع صفة القبح عنها، وجبر خواطر مرتكبيها، وتطبيع اللفظ في قاموس الناس والمجتمعات، والاصطلاح الشرعي للشذوذ الجنسي هو فاحشة قوم لوط، الذين كانوا أول من ابتلي بهذه الفاحشة، قال تعالى:” وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَاتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَاتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ”، فسماها فاحشة، أي: ذنبا متناهيا في القبح والبشاعة والقذارة. وهو إذن من جملة الكبائر والفواحش والرذائل التي حرمها الله تعالى، بل حكم على أصحابها بأنهم قوم سوء، وبأنهم فساق، وبأنهم يعملون الخبائث، قال تعالى عن قرية قوم نبي الله لوط عليه السلام:” إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سُوءٍ فَاسِقِينَ،” وعذبهم عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين، فقال فيهم:” فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيد”، حتى وإن صرفنا النظر عن الاصطلاح وتجاوزنا الوقوف عند التسمية الجديدة أو ردها فإن ذلك لن يغير من فظاعة الفعل وقبحه شيئا.
والشذوذ الجنسي عباد الله يتّخذ اليوم أشكالا كثيرة ومتنوعة، فمنها ارتداء ملابس الجنس الآخر وممارسة العادة السرية، ومنها تركيز النظر على عورات الآخرين والتلذّذ بذلك، و مشاهدة الأفلام الإباحيّة، ومنها ممارسة الجنس مع الصغار أو مع كبار السن أو مع النساء بطريقة شاذة حتى ولو كانت زوجة، ومنها ممارسة الجنس مع الحيوانات ومع الأموات في بعض الحالات، ومنها كتابة الألفاظ البذيئة الشاذة والدعوة إلى الشذوذ في مواقع الإنترنت و على جدران المرافق الصحية وغيرها، ومنها تشبّه الذكر بالأنثى، فيقلّد حركاتها ومشيتها ويلبس ويرقص ويتزيّن مثلها، وتشبه الأنثى بالذكر وصفا وفعلا، وهؤلاء هم الذين ذكرهم النبي ﷺ فيما رواه الإمام البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: “لعن النبي ﷺ المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء”
والشذوذ الجنسي فعل تحرمه الشريعة السمحاء وتمجه الطبائع السليمة النقية، ويقع من الرجال والنساء، فقد يميل الذكر إلى الذكر، سواء كان فاعلا أو مفعولا به ويسمى هذا الفعل لواطا، وقد تميل الأنثى إلى الأنثى، بقضاء الشهوة عن طريق أنثى مثلها وهذا النوع من الشذوذ يطلق عليه السحاق، روى الإمام الطبراني عَن النَّبِي ﷺ قال:” السحاق زنى النساء بينهن”، أسأل الله تعالى أن يعيذنا وإياكم من هذه الكبائر، ومن كل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، آمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فيا عباد الله، قال الرباني الكبير الفضيل بن عياض رحمه الله:” لو أن لوطيا اغتسل بكل قطرة من السماء لقي الله غير طاهر”.
عباد الله، إن من أهم الأسباب التي تؤدّي إلى الشذوذ الجنسي عدم مراقبة الآباء لأبنائهم في تصرفاتهم وسلوكهم؛ مما ينتج عنه مرافقة الأولاد لمن هم أكبر منهم سنّا؛ مما قد يؤدي إلى اغتصابهم وبالتالي الوقوع في الشذوذ، إضافة إلى الإهمال، والتطرف في إطلاق الحرية لهم، أو التعنت في منعهم من كل شيء، ومنها عدم توجيه الأولاد والبنات إلى الأساليب المشروعة لتلبية الغريزة الجنسية، والحكمة في تحريم العلاقات الجنسية بغير الطرق المشروعة، وحكم الشرع في الشذوذ الجنسي، وتعارضه مع الحياة الطبيعية للإنسان، ومنها ظن البعض أن الوقوع في الشذوذ هو الحلّ لصعوبة الحصول على الجنس الآخر، وأن صداقة الذكر للذكر والأنثى للأنثى قد لا تلفت الأنظار ولا تجلب الشكوك لأصحابها، (ومنهم من يروج لهذا السلوك بأنه أمر تكويني ووراثي وذو أبعاد جينية وهو محض ادعاء لم تؤكد صحته أي جهة علمية موثوقة)، وكذلكم انحراف أحد الوالدين أو كليهما بأن تكون لديه علاقة جنسية منحرفة، ومنها ملازمة الابن لأمه أو أخواته البنات أو نساء العائلة والمحيط؛ مما يجعله يتقمّص تصرفات وسلوكات الأنثى في المعاملة والكلام واللباس وغير ذلك، أضف إلى ذلك الاستخدام غير الراشد لمواقع التواصل الاجتماعي، وتأثير المواقع ذات المحتويات القبيحة والسيئة على متتبعيها من الصغار والمراهقين والشباب والكبار أحيانا، زد على ذلك التربية القاسية أو الدلال الزائد، أو الصحبة السيئة ، أو فقدان الحنان أو التحقير، أو انعدام القدوة الصالحة في الأسرة والمحيط والإعلام والمجتمع، علاوة على عدم تبيان ما يترتب على الفاحشة في الدنيا من أمراض جسمية ونفسية وغيرها.
ختاما عباد الله، إن مايسمى اليوم بالشذوذ الجنسي والمثلية الجنسية والعلاقات الرضائية، ليس أمرا طبيعيا أو اعتياديا، بل هو خروج عن الفطرة، وخلاف العقل السليم، واختلال في توازن الجنس البشري، وفساد في الأرض كبير، وانحراف لمعاني الرجولة الحقة، وانتكاسة لطبيعة المرأة ومكانتها، و يعتبر هذا الفعل من كبائر الذنوب والفواحش المحرمة شرعا، لما له من مفاسد ومضار نفسية وجسمية واجتماعية وأخلاقية وروحية، ذلك ان قضاء الشهوة ليس له سبيل إلا الزواج الشرعي بين رجل وامرأة لضمان تكاثر النسل البشري، وأحكام الشريعة تتماشى والسنن التكوينية في الميولات الإنسانية الفطرية الذكر نحو الانثى والأنثى نحو الذكر ، ولا ينبغي أن نستسلم بأن هذه الأفعال الشاذة أمر واقع وليس أمامنا إلا القبول به والتعايش معه واستساغته، فنقتل قيمنا الأصيلة من عفة وحياء واستقامة ورشاد، و لذلكم وجب الانتباه للأبناء وفلذات الأكباد أكثر من أي وقت مضى فيما يتعلق بمتابعة تربيتهم على أوجه الحياء وعلى مقومات الرجولة، ومتابعة سلوكاهم وتصرفاتهم وما يقرءون وما يشاهدون، ومعرفة أصدقائهم، وتخريجهم نساء ورجالا صالحين أسوياء متشبثين بدينهم وقيم مجتمعاتهم الرصينة الراشدة. والحمد لله رب العالمين.