العبر من مضي أعوام وبداية عام جديد
العبر من مضي أعوام وبداية عام جديد
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، روى الإمام الترمذي أن رجلا قال:يا رسول الله أي الناس خير؟ قالمَن طال عمُرُه وحسن عملهقال: فأي الناس شر؟ قالمَن طال عمره وساء عمله”.
عباد الله، لقد مضى علينا عام كامل بدقائقه وساعاته وأيامه ولياليه وشهوره، وحل علينا عام جديد كما تتجدد الأعوام سنة بعد سنة، وسيأتي علينا يوم إن أحيانا الله تعالى لقابل، ويمضي هذا العام الجديد الذي نعيش أول أيامه، ليحل عام آخر مكانه في سرعة البرق، وهكذا دواليك إلى أن يجيء اليوم الذي سنغادر فيه دار الدنيا إلى دار الآخرة، إن هي إلا أرقام السنين تتغير، وأعمار تنقضي، وأقوام يودعون وأقوام يقدمون،وفي نهاية المطاف كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، قال ابن رجب رحمه الله: “يا مَن يفرح بكثرة مرور السنين عليه، إنما تفرح بنقص عمرك”.
نعم عباد الله، تأملوا في هذا العام الذي مضى والأعوام التي مضت علينا قبله، لقد كنا بالأمس في العدم ولم نكن شيئا مذكورا، فصرنا أطفالا، ثم صرنا شبابا ثم نصير شيوخا ثم كهولا، ثم نموت ونقبر في الأرض التي خلقنا منها، قال تعالى:” منها خلقناكم وفيها نعيدكم”، فما أسرع الأيام والليالي ومرورالفصول والشهور والساعات والدقائق والثواني، والغافل من اعتقد غير ذلك، قالالمصطفىﷺفيما رواه الإمام الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه:” لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السَّنَة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار”.
والمصيبة الأطم هي أن يبقى الواحد منا منشغلا بأحداث السنة اليومية وجدالاتها المتقلبة، متتبعا لأدق تفاصيلها وأخبارها صباحا ومساء ليلا ونهارا، دون أن يدري بأن شطرا كبيرا من عمره يمضي في اللغو والفضول، وأنه يوما بعد يوم يقترب من أجله، وهو في غفلة عن لقاء ربه، ألا يكون لنا في هذه الأعداد الكبيرة من أصدقائنا وأحبابنا وأقاربنا وجيراننا وغيرهم ممن ماتوا وقضوا عبرة لنا وأي عبرة؟ ألم نسمع بأنه فجأة مات فلان وأقبر فلان؟
عباد الله، إن أعمارنا في نقصان، وآجالنا في اقتراب؛ وأن الأيام حُجة علينا إن لم نستغلها في رضا الله، اسمعوا إلى قصةالرباني يزيد الرقاشي رحمه الله عند وقت موته،حيث بدأ يبكي، وسئل لم البكاء؟فأجاب: أبكي على ما يفوتني من قيام الليل وصيام النهار، وقال: مَن يصلي لك يا يزيد بعدك؟ ومن يصوم ومن يتقرب لك بالأعمال الصالحة؟ ومن يتوب لك من الذنوب السالفة؟،وجزع بعض الصالحين عند موته وقال: إنما أبكي على أن يصوم الصائمون لله ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم، ويذكر الذاكرون ولست فيهم، فذلك الذي أبكاني.
هكذا عباد الله ينبغي أن نحدث أنفسنا لئلا نضيع أوقاتنا وأعمارنا فيما لايفيدنا في علاقتنا بربنا، فلنكن عقلاء لنحاسب أنفسنا كيف هي علاقتنا مع الله تعالى؟ هل نحن في طاعة ومراقبة دائمة؟ وكيف هي علاقتنا مع خلقه؟ هل نتعامل معهم بأخلاق وقيم كريمة؟ وكيف هي علاقتنا بأزواجنا؟ هل نتعامل معهم بالمعروف والإحسان والخير؟ وكيف هي علاقتنا بأبنائنا؟ هل نربيهم على طاعة الخالق وآداب الإسلام؟ وبالجملة ماذا ادَّخَرْنا لآخرتنا؟، وهل نفكر فيها حقيقة أم أننا استطبنا المقام في الدنيا وكأننا سنعيش فيها أبدا؟تأملوا عباد الله ودققوا في هذه القصة؟، سمع أبو الدرداء رضي الله عنه رجلا يسأل عن جنازة مرت: مَن هذا؟ فقال أبو الدرداء: هذا أنت.
عباد الله، إذا نظرنا إلى الدنيا الفانية وكيف نتعامل معها بتخطيط القليل والكثير من أمورها وهي مع ذلك منغصة بالغصص والأكدار، ويستحيل أن يشعر فيها الواحد منا براحة دائمة، فالآخرةالباقية إذن، هيالأحق بالتخطيط والاستعداد، نسأل الله أن يرزقنا طول العمر وصلاح العمل، مع الصحة والعافية والسلامة،والحمد لله رب العالمين.