حلول السنة الميلادية الجديدة والإشكاليات التي يثيرها الموضوع
حلول السنة الميلادية الجديدة والإشكاليات التي يثيرها الموضوع
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، عند اقتراب حلول السنة الميلادية الجديدة، يكثر حديث الناس عن العديد من الإشكاليات التي يثيرها هذا الموضوع، حيث دأب الغالبية في مجتمعنا على الاحتفال برأس السنة الميلادية، وتتعدد تجليات هذه الاحتفالات، كل حسب اعتقاده وطقوسهوإمكاناته، بين من يكتفي بشراء الحلوى والاحتفال مع أهله وأولاده ببيته، وبين من يفضل السهر خارج البيت، وبين من يحب أن يعيش لحظة دخول السنة الجديدة في حينها وبطقوسه الخاصة، وبين من يفضل السفر أو التسوق خارج البيت، وبين من يفضل تبادل الهدايا،وبين من يحب أن يعيش الحدث في بهرجة واحتفال في الشارع العام، وغير ذلك من التجليات العديدة التي تعرفونها، فما هو حكم ذلك؟ وماهي سنة النبي ﷺ في إحياء أمثال هذه المناسبات؟، وما هو الاعتقاد الأسلم في نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام والدين الذي جاء به؟
عباد الله، عند التأمل في سيرة سيدنا رسول الله ﷺ، نجده كان يربط الحوادث الدينية بأزمنتها، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي ﷺ المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله ﷺ: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟»، قالوا: “هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه”، فقال رسول الله ﷺ: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم”، السؤال إذن، فلماذا أحيى النبي ﷺ ذكرى اليهود عندما أغرق الله فرعون وقومه ونجى موسى وقومه؟، فقد كان من الممكن أن يقول لصحابته حينئذ: “لاتتشبهوا باليهود وبالقوم المغضوب عليهم ولا بالضالين”، وينصرف ويغض الطرف بشكل نهائي، ولكنه ثبت أنه قال: “نحن أولى بموسى منكم”، وصام ذلك اليوم، وأمر بمخالفة اليهود بصوم يوم قبله أو يوم بعده كما تعلمون، لذلكم نقول نحن اليوم لأصحاب النحلة المسيحية النصرانية: “نحن أولى بعيسى منكم”، ونحيي هذه المناسبة بما هو مشروع كما علمنا رسول الله ﷺ أن نحيي أمثالها، خاصة أن عقيدتنا التي نعتقدها في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن لا فرق بينهم وأن الدين الذي جاؤوا به جميعا دين واحد، تماما كما قرر القرآن الكريم ذلك حين قال:” كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله”.
ونجد النبي ﷺ يقرر مبدأ إحياء الذكريات بما هو مشروع في حدث آخر له علاقة بيوم الولادة، عندما سئل عن سبب صيامه ليوم الاثنين، فأجاب كما روى الإمام مسلم:”ذاك يوم ولدت فيه”، ويتأكد هذا الأمر إذا أراد المسلم أن يكون استثناء حسنا بين الناس في تلك الليلة ويومها، فيقومها إيمانا واحتسابا لله تعالى، ويصوم يومها، وليس في ذلك من إشكال شرعي، لأن العبرة بالمقاصد والنيات، فيتحقق فيه مارواه الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه قال:”بلغني أَنَّ رسولَ الله ﷺ كان يقول:”ذَاكرُ الله في الغافلين كالمُقَاتِل خَلْفَ الفَّارِّينَ، وذاكِرُ الله في الغافلين كغُصْنٍ أخضرَ في شجرٍ يابِسٍ”، ويلحق بذلك في الحكم كل ماهو مباح شرعا كتهنئة أهل الكتاب بأفراحهم، وتعزيتهم بأحزانهم كما هو مقرر عند أهل العلم، والمحرم فقط هو أن تشترك معهم في شيء من عباداتهم، أو أن تحتفل بما هو محرم شرعا كالاختلاط، أو أن تحضر في مجالس الغفلة عن الله تعالى التي تقترف فيها الفواحش وتشرب فيها المسكرات، مما هو موجب لسخط الله ومقته.أسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزلل، وأن يحفظنا من كل خلل ومن كل خطب جلل، أمين، أمين، أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فياعباد الله،إن تعظيم يوم الولادة هو واحد من الأيام المتميزة التي لا يمكن لأحد أن يقلل من شأنها أو ينساها، لأنه اليوم الذي خرج فيه الإنسان من العدم إلى نعمة الإيجاد، وكذلكم يوم الموت ويوم البعث،فهذه أعلام ثلاثة في حياة الإنسان كما ذكر العلماء،اسمعوا إلى قول الله تعالى في حق عيسى عليه الصلاة والسلام متحدثا بلسانه:”وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا”،ولكينجيب على العديد من الإشكاليات العقديةالمتصلةبنبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام، دعوني أتساءل عن وجه السلامة في هذه الأحداث الثلاثة؟ فقوله تعالى:”وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ”، لأن يوم مولده مَرَّ بسلام، رغم ما فيه من عجائب، فلم يتعرَّض له أحد بسوء، وهو الوليد الذي جاء من دون أب، وكان من الممكن أنْ يتعرّض له ولأمه بعض المتحمسين الغيورين بالإيذاء، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ومَرَّ الميلاد بسلام عليه وعلى أمه، وبذلك نرد على من يعتقد بأنه ابن الله، وقوله عز وجل:”وَيَوْمَ أَمُوتُ”، لأنهم أخذوه ليصلبوه، فنجّاه الله من أيديهم، وألقى شبهه على شخص آخر، ورفعه الله تعالى إلى السماء، وبذلك نرد على من يعتقد أنه صلب أو قتل، وكل من يتمثل بذلك بحمل الصليب في عنقه، ووجْه السلامة في قوله تعالى: “يوم أُبْعَثُ حَيّاً”، أن عيسى عليه الصلاة والسلام نُوقِش في دار الدنيا وبُرّئتْ ساحته مسبقا، فكيف ذلك؟، اسمعوا إلى هذه الأسئلة والمناقشة التي نوقشها سيدنا عيسى وهو حي يرزق، قال تعالى:” وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُيٰعِيسَىٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ”، ولنعلم عباد الله، بأن هذه المناقشة لا تقدح في مكانة عيسى عليه السلام؛ لأن الحق تعالى يعلم أنه ما قال لقومه إلا ما أُمِرَ به، ولكنه أراد توبيخ القوم الذين اتخذوه وأمه إلهين من دون الله، ثم قال الحق سبحانه: “ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ”، فهذه هي عقيدتنامعاشر المسلمين في نبي الله سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام كما قررها ديننا، فاعتصموا بحبل دينكم دين الإسلام تسلموا، وعظموا قدر نبيكم سيدنا محمدﷺ تفلحوا، والحمد لله رب العالمين.