محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم -1-

بسم الله الرحمن الرحيم

(الإحتفال بذكرى المولد النبوي) محبته صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي أضاء الكون بنور الرسالة، وهدى برسول الله  الإنسانية إلى الحق وسواء السبيل بعد التيه والضلالة، وبعث في الناس رسولا من أنفسهم يحرص على خيرهم ويطهرهم مما تخلقوا به من جاهلية وسفاهة، نحمده تعالى ونشكره شكرا جزيلا يوافي نعمه، ويدفع عنا نقمه، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، ختم به النبوة والرسالة، وجعله أسوة لكل من اتبعه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمومنات، بالأمس وقبله احتفل العالم الإسلامي بأسره بذكرى من أعظم الذكريات وأغلاها، إنها ذكرى ميلاد سيد الخلق وحبيب الحق، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، هذه الذكرى التي كلما أقبل شهر ربيع الأول من كل عام إلا وتجد أصواتا تتعالى لتمنع الناس من إظهار الفرح والسرور المعبر عن مدى حب المسلمين عامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب المغاربة خاصة لنبي الرحمة، ورسول الهداية سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، هذه المحبة النابعة من معين التشريع، القرآن الكريم، حيث يقول الله عز وجل: ” قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ”، هذه المحبة التي يقوم عليها بنيان الإيمان في قلوب المؤمنين، ولا يتحقق إيمان المسلم إلا بتحققها، وثبوتها في قلب من يدعيها، فعن سيدنا أنس (ض) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”، قال ابن تيمية (ح): “إن قيام المدحة والثناء عليه صلى الله عليه وسلم والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله وسقوط ذلك سقوط الدين كله”، وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم قيمة هذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحبوه حُباً فاق كل حب، آثروه على المال والولد، وأعطونا بسيرتهم أعظم النماذج لما ينبغي أن نكون عليه ونحن نجدد ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، روي أن سيدنا عمربن الخطاب (ض) قال للرسول صلى الله عليه وسلم: “والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه”، فقال عمر(ض) فأنت الآن والله أحب إلي من نفسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الآن يا عمر”، فإليكم إخوتي نماذج من محبة الصحابة رضوان الله عليهم لرسول الله، روى الإمام أحمد: أن العباس (ض) كان له ميزاب لتصريف ماء المطر على طريق عمر (ض) فلبس عمر ثيابه للجمعة ومر من تحته فصب عليه الميزاب، وكان فيه ماء مختلط بدم فرخين قد ذبحهما العباس، فأمر عمر بقلعه فرجع عمر وغيّر ثيابه، فلما صلى أتاه العباس، وقال: إنه الموضع الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر للعباس (ض): أنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك العباس، أخرج سعيد بن منصور عن المغيرة بن شعبة (ض) قال: “خطبت جارية من الأنصار فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: رأيتها؟ فقلت: “لا”، قال صلى الله عليه وسلم: “فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما”، فأتيتها فذكرت ذلك لوالديها، فنظرأحدهما إلى صاحبه فقمت فخرجت، فقالت الجارية: “علي الرجل”، فوقفت ناحية خدرها، فقالت: “إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر إليّ فانظر، وإلا فإني أُحرّج عليك أن تنظر”، فنظرت إليها فتزوجتها فما تزوجت امرأة قط كانت أحب إلي منها ولا أكرم علي منها، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن رواحة (ض) أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو يخطب، فسمعه وهو يقول: “اجلسوا فجلس مكانه خارجاً عن المسجد حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبته، فبلغ ذلك النبي فقال له: “زادك الله حرصاً على طواعية الله وطواعية رسوله”، وفي صحيح البخاري عن سيدنا أبي بكر الصديق (ض) قال: “كنا في الهجرة، وأنا عطشان جدا، فحئت بمذقة لبن فناولتها للرسول صلى الله عليه وسلم، وقلت له : اشرب يا رسول الله، يقول أبو بكر: فشرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت”، ويوم فتح مكة أسلم أبو قحافة، وكان إسلامه متأخرا جدا وكان قد عمي، فأخذه سيدنا أبو بكر وذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه ويعلن إسلامه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا أبا بكر هلا تركت الشيخ في بيته، فذهبنا نحن إليه؟، فقال أبو بكر: لأنت أحق أن يؤتى إليك يا رسول الله، وأسلم أبو قحافة، فبكى سيدنا أبو بكر الصديق، فقالوا له: هذا يوم فرحة، فأبوك أسلم ونجا من النار فما الذي يبكيك؟ ال أبو بكر، كنت أحب أن الذي بايع النبي الآن ليس أبي ولكن أبو طالب، لأن ذلك كان سيسعد النبي أكثر”، قال الله تعالى: “وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا”، قال البغوي في تفسيره: “نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغيَّر لونه يعرف الحزن في وجهه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ” ما غيَّر لونك؟ فقال: يا رسول الله، ما بي مرض ولا وجع، غير أنّي إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أني لا أراك، لأنك تُرفَع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا، فنزلت هذه الآية”، فاللهم اجعلنا من المحبين لرسول الله، المتمسكين بسنته المقتفين أثره، المهتدين بهديه، من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين.

الخطبة الثانية

أيها الإخوة المؤمنون، لقد عاش الصحابة رضوان الله عليهم محبة الرسول ، فكانت تهون دونها كل الصعاب، وبذلوا من أجلها أرواحهم ومهجهم، وأعطونا بذلك الدليل على أولوية هذه المحبة في إيمانهم، فهذا سواد بن عزيّة (ض) يوم غزوة أحد واقف وسط الجيش فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجيش: “استووا واستقيموا” فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم فيرى سوادا لم ينضبط فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “استو يا سواد”، فقال سواد: نعم يا رسول الله ووقف ولكنه لم ينضبط، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بسواكه ونغز سوادا في بطنه قال: “استو يا سواد”، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثك الله بالحق فأقدني، فكشف النبي عن بطنه الشريفة وقال: “اقتص يا سواد” فاحتضن سواد بطن النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها وهو يقول: هذا ما أردت وقال: يا رسول الله أظن أن هذا اليوم يوم شهادة فأحببت أن يكون آخر العهد بك أن تمس جلدي جلدك”، فانظروا إلى هذا الحب الذي يزيد اشتعالا وتألقا حتى في الظروف العصيبة، وليس هذا أقل من حب الجماد لرسول الله صبى الله عليه وسلم، جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب في مسجده قبل أن يقام المنبر بجوار جذع الشجرة حتى يراه الصحابة (ض)، فيقف النبي صلى الله عليه وسلم يمسك الجذع، فلما بنوا له المنبر ترك الجذع وذهب إلى المنبر، فسمعنا للجذع أنينا لفراق النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر ويعود للجذع ويمسح عليه ويقول له النبي صلى الله عليه وسلم :”ألا ترضى أن تدفن هاهنا وتكون معي في الجنة؟ فسكن الجذع، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يدفن مكانه”، هذا هو الحب، وهكذا نريد أن نحتفل بذكرى مولد رسولنا الأكرم، لتختلج محبته صدورنا، ويتشبع بها أبناؤنا، ولنتأسى به في جميع أحوالنا. الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *