الحقوق المشتركة بين المسلمين (9) عيادة المريض
بسم الله الرحمن الرحيم
الحقوق المشتركة بين المسلمين (9) عيادة المريض
الحمد لله، الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمه، ورضي لنا الإسلام دينا، نحمده تعالى ونشكره ونستغفره، ونستعين به ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلاهادي له، ونشهد لاإله إلا الله، وحده لا شريك له، القائل في محكم كتابه المبين: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله، جمع الله به الكلمة ووحد به الأمة، أرسى دعائم الأخوة بين المسلمين ببيان الحقوق المشتركة، في قوله صلى الله عليه وسلم: “حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيتَه فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتّبِعه”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، لا زلنا نجول معكم في بيان الحقوق المشتركة بين المسلمين، التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم ورغب في إشاعة التخلق بها بين المسلمين توطيدا لرابطة الأخوة، وسببا لدوام الوحدة بين المسلمين، واليوم نواصل الحديث عن عيادة المريض باعتبارها الحق الخامس من هذه الحقوق، وقد بيننا في الخطبة ماقبل الماضية أجرعيادة المريض، وما ينبغي من آداب لزيارته وعيادته، وإكمالا لهذا الموضوع، نقول وبالله التوفيق، أيها الإخوة المؤمنون، من آداب عيادة المريض تشجيعه على طلب الإستشفاء، فقد جاء عثمان بن أبي العاص إلى النبى يشكوه وجعا فى جسده فقال له: “ضع يدك على الذى يألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر”، ولا بأس أن يخبر المريض بمرضه ويشتكي لكن قبل ذلك يجب عليه أن يحمد الله فقد قال ابن مسعود إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس شاك فقد أخبر الله تعالى أن يعقوب عليه السلام قال: “إنما أشكو بثي وحزني إلى الله” كما أخبر سبحانه عن أيوب عليه السلام أنه قال شاكيا ومتوسلا: “اني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين”، ومن آداب العيادة كذلك، طلب الدعاء من المريض: روى ابن ماجة والنسائي مرفوعا: “إذا دخلت على مريض فمره أن يدعوا لك، فإن دعاءه كدعاء الملائكة”، وعن سيدنا أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “عودوا المرضى ومروهم فليدعوا لكم، فإن دعوة المريض مستجابة وذنبه مغفور” ومن آداب عيادة المريض أيضا تذكيره بأن الله تعالى لا يريد به إلا خيراً كما جاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من يرد الله به خيراً يصب منه”، وعن أمنا عائشة وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه”. ومن آداب العيادة أيضا تيسير أمر العبادة على المريض، وتذكيره بيسر الشريعة وبإقامة الصلاة إذا رأى منه استعداداً لذلك، فعن عمران بن حصين قال كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: “صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب”. أيها الإخوة المؤمنون، بالرغم من كل هذا الفضل الكبير الذي يناله المسلم حين يعود أخاه المريض نجد الناس يتقاعسون ويتكاسلون عن هذا الحق وهذه العبادة العظيمة، ولقد كان من أدب السلف رضي الله عنهم إذا فقدوا أحدا من إخوانهم سألوا عنه، فإن كان غائبا دعوا له وخلفوه في أهله بخير، وإن كان حاضرا زاروه، وإن كان مريضا عادوه. يقول الأعمش رحمه الله تعالى: كنا نقعد في المجلس فإذا فقدنا الرجل ثلاثة أيام سألنا عنه، فإن كان مريضا عدناه، ورضي الله عن سيدنا أبي بكرالصديق الذي اعتاد على زيارة المرضى، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم يوما فقال: “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟” قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا، قَالَ: “فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟” قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا، قَالَ: “فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟” قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا، قَالَ: “فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟” قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “ما اجتمعن فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ”. أيها الإخوة المؤمنون، بالرغم مما أعده الله تعالى لمعيد المريض فهناك من يقوم بهذا الواجب ويحرم من الأجر، وذلك بسبب النية المصاحبة للفعل، فترى أحدهم يسارع لعيادة المريض لأنه غني، ولو كان فقيرا ما زاره، أو لأنه صاحب منصب، ولو أعفي من منصبه ما عاده، وهذا هو حال بعض المسلمين اليوم، يتسابقون لعيادة المرضى الأغنياء وأصحاب المناصب العالية، ويتأخرون ويتثاقلون عن زيارة المرضى الفقراء المطيعين لله تعالى. فالإخلاص أيها المسلمون شرط لقبول جميع العبادات فأخلص أخي النية في عيادتك للمريض، فإنك بنيتك الصالحة والخالصة تؤجر، واعلم أخي أن عيادة المريض لا تقتصر على المسلمين فقط، فهي عمل إنساني تؤجر عليه كيفما كان المريض الذي تعوده، ولا يلزم أن يكون المسلم من معارفك، فالأجر يعظم بمقدار عظم تلك الصلة، إذا كان الدافع لعيادة المريض تمتينا لصلة القرابة أو الجوار أو الأخوة، بل وتؤجر أخي المسلم حتى على عيادتك لغير المسلمين، فقد أخرج البخاري وأبو داود والنسائي عن سيدنا أنس أن غلاماً من اليهود مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: “أسلم”، فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال له أبوه أطع أبا القاسم، فأسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: “الحمد لله الذي أنقذه بي من النار”. واعلم أخي أن في زيارة المريض نوعا من المكافأة، فقد يشفى المريض بإذن الله عز وجل ويزورك أنت كذلك في مرضك، كما حدث بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أبى بكر لما مرض الرسول زاره أبو بكر، فتأثر أبو بكر لحال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرض، ثم شفي النبي صلى الله عليه وسلم، فعاد أبا بكر في مرضه، فلما رآه أبو بكر شفي بإذن الله عز وجل وأنشد: مرض الحبيب فزرته *** فمرضت من حذري عليه *** شفي الحبيب فزارني *** فشفيت من نظري إليـه، فاللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، كما نسأله سبحانه أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين، إنه على كل شيء قدير. وصدق الله القائل: “وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ”، جعلني الله وإياكم من الذين يرعون حقوق أخوة الإسلام، ويؤدون واجباتهم، ويمتثلون أمر ربهم ونبيهم، وأن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه أمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، اعلموا أنكم حين تعودون المرضى فأنتم أول المستفيدين، فقد روى الترمذي عن سيدنا علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة” وعَنْ ثَوْبَانَ ض عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ”، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ:”جَنَاهَا” رواه مسلم، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً”، وفي المسند عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أَيُّمَا رَجُلٍ عَادَ مَرِيضًا فَإِنَّمَا يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ، فَإِذَا قَعَدَ عِنْدَ الْمَرِيضِ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ”، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الصَّحِيحُ الَّذِي يَعُودُ الْمَرِيضَ فَالْمَرِيضُ مَا لَهُ؟ قَالَ: “تُحَطُّ عَنْهُ ذُنُوبُهُ”، وفي رواية أخرى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا”. فاتقوا الله عباد الله، وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. الدعاء