حقيقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعالمية دينه وواجب نصرته
حقيقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعالمية دينه وواجب نصرته
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم:” وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ، أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.
فهذا عباد الله، خطاب إلهي يعم جميع الآدميين مسلمين وغيرهم، يخبر من خلاله الحق سبحانه وتعالى أن رحمته وسعت كل شيء، وأنه سيكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة ويؤمنون بكل الآيات والمعجزات ويتبعون الرسول ﷺ المتصف في الكتب السماوية السابقة بتسع صفات عظام اتصف بها نبي الإسلام منذ الأزل إلى أن بعثه خالقه.
وقبل أن أخوض في تفاصيل هذه الأوصاف، جدير بي أن أشير أولا إلى أن البشارة ببعثته جاءت بها كل الأنبياء، وسجلت في الكتب المنزلة عليهم، وكل رسول سبق سيدنا محمداً صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين، أمره الله أن يبلغ الذين أرسل إليهم أن يتبعوا الرسول محمداً ويؤمنوا به وينصروه، قال تعالى في ذلك:” وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ”. تأملوا عباد الله في هذه الآية العظيمة بأن يأخذ الله العهد على الأنبياء كلهم أنهم إن أدركوا سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به وأن ينصروا دينه وأقرهم على ذلك وأشهدهم عليه، وكأنه يقول لهم إن أدركتم النبي سيدنا محمدا ﷺ فلا تدعوا أمامه نبوة ولا رسالة ولا رئاسة، بل آمنوا به وانصروه، فهل عرفتم قدر ومكانة نبيكم عليه الصلاة والسلام؟
أما صفاته ﷺ المشهورة المعروفة كما بينتها الآيات المفتتح بها منذ بداية الخلق وبعثة الأنبياء، وقد كتمها بعض أتباعهم أو أساءوا تأويلها، فهي كونه النبي الأمي الذي لم يمارس القراءة والكتابة ولم يجلس إلى معلم قط، فهو- عليه السلام- باقٍ على الحالة التي ولد عليها، قال تعالى في ذلك: “وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك”، ومن صفاته أيضا أنه يأمرهم بالمعروف وبمكارم الأخلاق وصلة الأرحام، وينهاهم عن المنكر وعبادة الأصنام، وقطع الأرحام وعن كل فعل مستهجن تستقبحه الجبلة القويمة، والخلقة السوية، ويكلفهم بفعل ما تدعوا إليه الطبائع المستقيمة والفطر السليمة؛ ويحل لهم الطيبات والمحللات التي منعوا منها جزاء طغيانهم وضلالهم، ويحرم عليهم الخبائث، أي كل ضار وخبيث، كأكل الميتة ولحم الخنزير والمال الحرام من الربا والرشوة والغش، ويخفف عنهم ما شق عليهم وثقل من التكاليف التي كانت في الشرائع السابقة.
وفي هذا المقام تأملوا عباد الله، فقد كانوا مثلا في زمن الشرائع السابقة إذا أصاب ثوب أحدهم بول قرضه، وحرمت عليهم الغنائم وكانوا إذا جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء فأحرقتها، وإذا حاضت المرأة لم يقربوها، ولم يكن فيهم الدية، وإنما كان القصاص، وأمروا بقتل أنفسهم علامة على توبتهم، وكانوا يقطعون أعضاءهم المرتكبة للمحرم وما إلى ذلك. فتأملوا عباد الله فيما أكرم الله به النبي محمدا ﷺ وأمته، فلك الحمد يا الله أن جعلتنا من أمته.
وهكذا عباد الله وصف سيدنا محمد ﷺ في الكتب التي سبقته وصفا مشخصاً، فأصبحوا يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ، كما أخبر بذلك الحق سبحانه وتعالى، وكما رويت في ذلك العديد من الأحاديث الصحيحة.
وهكذا آمن به واتبعه جم غفير من أهل الكتاب وغيرهم في زمنه كسيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه الذي ذكر في قصة إسلامه المؤثرة أنه حين رأى رسول الله ﷺ في المدينة ورأى منه علامات كثيرة، أحب أن يرى فيه علامة مادية، فرأى في كتف الرسول خاتم النبوة، فأسلم وآمن، وكالصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن سلام رضي الله عنه من الأصل اليهودي الذي أعلن إسلامه بعد أن تعرف إلى النبي ﷺ في قصة مؤثرة أيضا.
أقول كل هذا الكلام لتعلموا أن الدين الإسلامي دين عالمي، دين للإنسانية جمعاء، عرف ذلك من عرفه وتجاهله من تجاهله، أسأل الله عز وجل أن يعرفنا بمكانة نبينا وأن يمكن حبه من قلوبنا، أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فيا عباد الله، ثم قال الله تعالى في آخر الآيات التي افتتحنا بها:” فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ – أي وقروه ونصروه- وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ، أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”. هذه هي حقيقة نبينا سيدنا محمد ﷺ، وهذه حقيقة دينه، وأنه الدين الحق الذي سيعم الدنيا أحب من أحب وكره من كره، فمن أراد من الآدميين النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، فلينصر دين محمد ﷺ، لكن ماذا حصل لأصحاب الشرائع اليوم وقبل اليوم لكي يعملوا على كتمان صفات النبي ﷺ ولا يؤمنوا برسالته؟
أقول في الجواب: إنهم كتموا حقيقة هذا الدين، لأنهم كانوا يظنون أنه حين يأتي دين جديد سيأخذ منهم السلطة الزمنية ويقود الأمم والشعوب، فلهذا السبب عادى الدين الإسلامي من عاداه إلى اليوم، ولكن يشاء الله تعالى إلا أن يخلق أسبابا عديدة لنصرة دين نبيه سيدنا محمد ﷺ، فوحد هذا العالم وجعله كالقرية الصغيرة، ويسر أمور التواصل بين بني الإنسان كما لم يتصور يوما في الحسبان، وضرب الله لنا أمثلة بعدة آيات يفهمها الصغير والكبير والمتعلم والجاهل على قدرته عز وجل أن ينشر دينه في سائر أنحاء العالم تماما كما انتشر فيروس صغير في سائر أنحاء الكون، دققوا في فيروس حقير مؤذ لوقت محدود يكتب له الذيوع والانتشار في سائر أنحاء العالم، فكيف بكم بدين عظيم نافع في كل الأوقات صالح لكل زمان ومكان ألا يكتب له ذلك؟.
نعم عباد الله سيتحقق ما أخبر به المصطفى ﷺ حين قال في الحديث االصحيح الذي رواه ابن حبان:” إن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها، فإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها”، معنى ذلك أن المستقبل للإسلام، فما عليك أيها المسلم إلا أن تعزز إيمانك بنبيك سيدنا محمد ﷺ وأن تنصره وتبلغ دينه على قدر استطاعتك لتظفر بمطلوبك في الدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين