الحقوق المشتركة بين المسلمين (8) عيادة المريض
الحمد لله، الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمه، ورضي لنا الإسلام دينا، نحمده تعالى ونشكره ونستغفره، ونستعين به ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلاهادي له،
ونشهد لاإله إلا الله، وحده لا شريك له، القائل في محكم كتابه المبين: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”،
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله، جمع الله به الكلمة ووحد به الأمة، أرسى أخوة المسلمين ببيان الحقوق المشتركة، في قوله صلى الله عليه وسلم: “حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيتَه فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتّبِعه”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به،
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، كنا قد خصصنا سلسلة من الخطب المتعلقة ببيان الحقوق المشتركة بين المسلمين، التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على إشاعة التخلق بها بين المسلمين توطيدا لرابطة الأخوة الإنسانية التي تجمع بين الناس أجمعين، وسببا لدوام الأخوة والوحدة بين المسلمين،
واليوم إن شاء الها تعالى نواصل الحديث عن هذه الحقوق ببيان الحق الخامس المتعلق بعيادة المريض فنقول وبالله التوفيق، أيها الإخوة المؤمنون، لقد أولت الشريعة الإسلامية أهمية كبيرة للجانب النفسي للمسلم، في جميع أحواله، ومنها في حالة المرض، فجعلت من حق المسلم على أخيه المسلم زيارته في مرضه لما تثمره هذه الزيارة التي نصطلح عليها في ديننا الإسلامي بعيادة المريض من أثر إيجابي فعال على نفسيته وعلى شفائه، لأن المريض أحوج الناس إلى الرحمة والمواساة بعد أن أصبح حبيس المرض وقعيد الفراش، فهو بحاجة إلى مواساة وتقوية للروح المعنوية عنده، ليبتعد عن الأوهام والهموم، ولكي يتحمل ويصبر ويحتسب، وتعلمون أيها الإخوة المسلمون أن العلاج النفسي جزء من العلاج العضوي، كما أن في زيارة المريض إيناسا للقلب وإزالة للوحشة وتخفيفا من الألم وتعهّدا لشجرة الأخوة الإسلامية، لذا حث الرسول الكريم عليها في كثير من توجيهاته، وجعلها من الحقوق المشتركة بين المسلمين حينما قال: ” وإذا مرض فعده”، وعن ابن عباس (ض) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني”، أخرج الشيخان عن سيدنا البراء بن عازب (ض) قال: “أمرنا رسول الله بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإبرار القسم ونصرة المظلوم وإجابة الداعى وإفشاء السلام”.
والأحاديث والآثار المروية في الأمر بعيادة المريض كثيرة نقتصر منها على ما سمعتم، لكن الذي ينبغي الإشارة إليه أيها الإخوة المؤمنون أن عيادة المريض لها آداب ينبغي مراعاتها، وهي:
أولا: المسارعة إلى عيادته وهذا يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم “وإذا مرض فعده”، وهناك أحاديث تدل على أن عيادة المريض تكون بعد ثلاثة أيام من مرضه لما رواه ابن ماجة والبيهقى قال: “كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث”، إذا كان المرض عاديا، أما إذا كان المرض خطيرا يخشى على المريض من جرائه الموت فالعيادة تكون مباشرة.
ثانيا: يستحب لزائر المريض أن يدعو له بالشفاء كما كان بفعل صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص إن أباها قال: اشتكيت بمكة وجاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ووضع يده على جبهتي ثم مسح صدري وبطني ثم قال: “اللهم اشف سعداً وأتمم له هجرته”، وهناك أخي المسلم أختي المسلمة أدعية مأثورة يحسن بالمعيد أن يدعو بها للمريض، نذكرمنها حديث ابن عباس (ض) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض” وعن ابن عمر (ض) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا جاء يعود مريضاً: “اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً أو يمشي لك إلى جنازة” وعن أمنا عائشة (ض) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: “اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً”، ولما عاد جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه فقال: “باسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ”.
ثالثا: من آداب عيادة المريض أن تذكره بفضيلة الصبر واحتساب الأجر، وأن هذه الأمراض مكفرات للذنوب ومواعظ للمؤمنين، يرجعون بعدها إلى الله مخبتين طائعين، يستحب أن يقول المعيد للمريض: لا بأس طهور إن شاء الله لما رواه البخاري عن ابن عباس (ض) أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده وكان إذا دخل على من يعوده قال: “لا بأس طهور إن شاء الله”، بمعنى أن المرض يكون سببا لتطهير صاحبه من الذنوب والأوزار التي تقترفها المريض حال صحته وشبابه وغفلته،
رابعا: يستحب للمعيد أن يطيب نفس المريض بإطماعه في الحياة وقرب الشفاء لحديث أبي سعيد الخدري (ض) مرفوعا “إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئاً وهو يطيب بنفس المريض”، جعلني الله وإياكم من الذين يرعون حقوق أخوة الإسلام، ويؤدون واجباتهم، ويمتثلون أمر ربهم ونبيهم، وأن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه أمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، ومن آداب عيادة المريض:
خامسا: تخفيف العيادة وعدم تكريرها في اليوم، خصوصا عند ضعف المريض أو عند كثرة الزوار أو عند ضيق المكان، ويكون الدخول على المريض بحسب حالته واحتياجه لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “زر غبا تزدد حبا”، فإن رغب المريض في تطويل وقت العيادة وتكريرها من صديق أو أخ يستأنس به، ولا مشقة عليه في ذلك فلا بأس به، وكثير من الناس لا يعرفون هذا الأدب وهو التخفيف، فتجدهم يجلسون الساعات الطوال ويحلو لهم الحديث ويتناولون المشروبات بل المأكولات، وذلك كله مناف لعيادة المريض، خاصة في المستشفيات، ومناقض لآداب الزيارة، وتجد المريض يترنح ويريد أن يشتكي لكنه يستحي أن يبوح بما يختلج في قلبه حياء منهم، وقد يحتاج المريض قضاء حاجته إذا كان لا يستطيع القيام، أو تخفيف الغطاء عن جسمه لشعوره بالحرارة إلى غير ذلك من الأشياء التي تحرجه بحضور المعيدين، وهم عنها غافلون، ولهذا قيل: عيادة المريض كجلسة الخطيب،
سادسا: من آداب العيادة أن يكون كلامك أخي المسلم مع المريض كلاما طيبا، فيه رفع المعنويات والأمل بالشفاء، واحذر من الكلام بأمور تحزنه كموت قريب أو أمور تمس بأهله أو عمله أو تجارته، مما يسوؤه سماعها، يذكر أن رجلا دخل على عمر بن عبد العزيز يعوده في مرضه، فسأل عن علته فأخبره عنها، فقال الزائر: إن هذه العلة ما شفي منها فلان، ومات منها فلان، فقال عمر: إذا عدت مريضا فلا تنع إليه الموتى، وإذا خرجت عنا فلا تعد إلينا.
سابعا: من آداب عيادتك لأخيك المريض ألا تعطيه توجيهات تخالف أوامر الطبيب، وهذا ملاحظ عند البعض، فالإسلام يحترم العلم والطب، فلا ينبغي أن تصف علاجا للمريض يخالف أوامر الطبيب، فقد تؤذيه من حيث لا تدري.
ولنا في الجمعة المقبلة عودة لهذا الموضوع، فاتقوا الله عباد الله، وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
الدعاء….