الآباء قدوة الأبناء

الحمد لله يتفضلُ على عباده بالخير, ويُسْبغُ عليهم النعم, يَهَبُ لمن يشاءُ إناثاً, ويهبُ لمن يشاء الذكور, أو يزوِّجُهُم ذُكْراناً وإناثاً, ويجعلُ من يشاء عقيماً, إنه عليمٌ قدير.

أحمدُهُ وأستعينه وأستغفره, وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل, فلا هاديَ له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أرسله بالهدى, ودين الحق, ليظهِرَهُ على الدين كلِّه ولو كَرِهَ المشركون.

أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, وارجو اللهَ واليومَ الآخر, ولا تعثوا في الأرض مفسدين.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
اخوتي في الله: لقد منَّ اللهُ على عباده بنعمة الذرية, فرزَقَهُم من أصلابهم بنيــنَ وحفدة, يأتمرونَ بأمرهم, ويسْعونَ في مرضاتِهم, ويَشُدُّون بهم ظهورَهُم, ويحمِلــون ذكْرَهم من بعدهم. وهذه من أعظمِ النعمِ والفضائلِ, التي تفضَّلَ بها الله عز وجل على عباده، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى مبيناً هذه النعمة: (وَاللَّـهُ َجعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا َجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ هُمْ يَكْفُرُونَ).
ومن أعظمِ الدلائلِ على عظمةِ نعمةِ الذرية: حال من حُرِمَهَا, فجعله الله عقيماً لا يُولد له, فتراهُ يهرعُ إلى هنا وإلى هناك, يطلبُ علاجاً, أو رقيةً لعله يُرزقُ ولداً يحملُ عنه بعض أعباء الحياة, ويمدُّ في ذكره بعد الممات.
أيها الإخوة الكرام: إن النعمةَ لا يعرفها على حقيقتها, ولا يُقدِّرها قدرها إلا من حُرمَها, وقاسى آلامَهَا, وأحزانَها.
ومع أنَّ نعمةَ الذريةِ نعمةٌ عظيمةٌ, إلا أنها فتنةٌ كبيرةٌ, واختبار عسير, ومسؤوليةٌ شاقةٌ, وإلى هذا أشار الله عز وجل في كتابه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ  وَاللَّـهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)،
فكم من أبٍ عقَّهُ أولادُهُ فعصَوْه, وأذاقوه مرارة الحرمان, وعلقم الصبر, حتى يئسَ من الحياة, وتمنى لو أنه لم يتزوج, ولم يُولد له, وتمنى لو أنَّه وضعَ جهدَ الرعاية والعناية في جروٍ, خيرٌ له من ولدٍ لصلبه.
فمن  المسؤوليات الكبرى التي حمَّلها الله للآباء: هي  أن يُنقِذُوا أنفسَهم وأهليهم من النار, مصداقا لقوله  تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ َارًا وَقُودُهــــَاالنَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شـــِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، فلا مجال  إذن للأبِ أن يتملص من هذه المسؤولية, أو أن يتغافل عنها, لأن الخسارةَ يوم القيامةِ عظيمةٌ, والخطبُ في ذلك اليوم جلل, وقد وصف الله حال المفرِّطين في مسؤولياتهم تجاه أنفسهم وأهليهم فقال عز جل: (قُلْ إِنَّ الْـخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْـخُسْرَانُ الْـمُبِينُ). إنه لتحذيرٌ شديد, ووعيدٌ عظيم, بأن يخسرَ الإنسان نفسَه وأهلَه وولده يوم القيامة, بأن يكونوا جميعاً من الهالكين في نار جهنم, المعذَّبين فيها, في حين أن الصالحين, الذين قاموا بحق الله في هذه الدنيا: رفع الله درجَتَهم في الجنة, وألْـحَـقَ بهم ذريَّتَهم, وجمعهم في منزلة عظيمة, ودرجة عالية, ونعيمٍ مقيم.

ايها الاخوة الكرام
إن المتأمِّلَ في أسباب انحراف كثير من الشباب, وضياعهم, ووقوعهم في مهاوي الرذائِل والفواحش, وتعاطي المخدرات, والخمور. يجدُ أنَّ أعظم هذه الأسباب, وأخطرها: فقدانُ القدوةِ الصالحةِ في الآباءِ والمربين.
وإنَّ التربيةَ بالقدوة تُعدُ من أهم وسائل التربية, بل هي أهمُّ وسائلها على الإطلاق, وذلك لوجود تلك الغريزة الملحة في كيان الإنسان, تدفعُهُ نحو التقليد والمحاكاة. والأولاد الصغار أشدُّ تأثُّراً بالقدوة من الكبار. فهم يجدون في آبائهم المثلَ الأعلى, والنبراس الذي يهتدون به. فالأطــفال الصــغار يعتقدون أن كـلَّ ما يفعلُهُ الكبار, ويمارسونه صحيحاً, فهم لا يدركون – في أول الأمر– الصواب من الخطأ, ولا يميِّزون بين الخير والشر, إنما هم ينظرون بأعين آبائهم, ويُحاكون طريقتهم في الحياة. لهذا تجدُ في الغالب أن الأولاد الذين لا يصلُّون: نشأوا في بيوتٍ لا تُقامُ فيها الصلاة, وكذلك الأولاد الذين يدخِّنون, لابد أنهم يقتدون بالمدخِّنين في البيوت, وهكذا تجدُ أن النشءَ ثمارَ تلك البيــــوت. (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ).
أيها الآباء الكرام: إنَّ الخطرَ على النشء من فقدان القدوة في البيت لا يكمنُ في كونِهم ينشأون متلبِّسين ببعض الانحرافات الأخلاقية, إنما الخطرُ يحصل إذا كبِرَ هؤلاء الصغار, وعَقَلوا حقائقَ الأمور, وعلموا واقعَ المربين, وأن ما كانوا يسمعونه من عبارات الفضيلة, والنصائح, والأمر بحسنِ الخلــــق والبر, إنما هي عباراتٌ جوفاء, لا واقـــع لها, ولا تطبيق, فإن هذا الصنفَ من الأطفال في العادة ينحرفُ انحرافاً شديداً, ويرفضُ المجتمعَ, وتقاليدَهُ, وعاداتِهِ, وما فيه من خير وشر, ويحاولُ أن يبحثَ في مجتمعات أخرى عن قدوات, ورموزٍ يقتدي بها في حياته الجديدة. وقد ثبت أن الأطفال الذين ينشأونَ في أسرٍ متناقضةِ القيمِ والأخلاق, وتظهر فيها علاماتُ النفاق, ومخالفةُ الأقوال للأعمالِ, فإن هذا الصِّنف من الأطفال يُصبحون إذا كَبِروا من أكثرِ الناسِ بعداً عن الالتزام بالآداب والأخلاق الإسلامية, وذلك لعمقِ الأثر الذي أوجدهُ ذلك التناقضُ السلوكي في نفوسهم.
أيها المؤمنون: إن الناظرَ في أوضاعِ المجتمعات الإسلامية اليوم, يجد أن عقيدتنا, وأخلاقَنا, وقيمَنا تكادُ تكونُ في ناحية, وحياتَنا العمليةَ الواقعيةَ في ناحية أخرى, نقيضان لا يلتقيان, فكيف ينشأُ مع هذا الوضع أطفالٌ صالحونَ يرونَ, ويشاهدون المتناقضاتِ في حياة الأمة. إنهم مهما سمعوا من المربين, من عبارات الخير والفضيلة, والأخلاقِ الحميدة, فإنهم لن يحملوا في داخل أنفُسِهم سوى الصورةِ التي يرونَها أمامَهُم, من أنواعِ وأنماطِ السلوكِ, إن خيراً فخير, وإن شراً فشر.
وقد أدركَ السلفُ رضوان الله عليهم هذه المعانيَ الخطيرة, فهذا عمرو بن عُتْبة, ينصح معلِّمَ ولدهِ فيقولُ له: «ليكن أولُ إصلاحِكَ لولدي إصلاحَكَ لنفسِكَ, فإن عُيونَهم معقودةٌ بعينك, فالحسنُ عندهم ما صنعت, و القبيحُ عندهم ما تركت».
كثيراً ما يعتذر الآباءُ بالفسادِ الاجتماعي, ويُحمِّلونَ المجتمع فسادَ أولادهم.  متخلين بذلك عن دورهم وواجِبِهِمُ التربوي, فهم قد جلبوا الطعامَ والشرابَ واللباسَ, وظنُّوا أنَّ مُهمَّتَهم تنتهي عند هذا الحد.
نعم أيها الأب, إن للمجتمعِ ومؤسساتِهِ المختلفَةِ دوراً في التوجيه والتأثير ولا شكَّ في هذا, ولكن ليعلم الآباءُ, ويُوقِنوا, أن أثرَ البيت الصالح, أبلغُ وأقوى من كلِّ أثر, فإن ما ينقُشُه الآباء في نفوسِ أولادِهم من معاني الخير والفضيلة, بالعبارات الصادقة الحارة, والسلوك القويم, مع القدوة الصالحة, له أثرُهُ القوي الذي يبقى مع الولد حتى وإن ظَهَرَ على الولد بعضُ انحرافٍ في أول الأمر بسبب ضغط المجتمع المنحرف, فإنَّه غالباً ما يرجعُ إلى الخير, وتكون عاقبتُهُ إلى الصلاح, فما كان الله ليُضيعَ جهدَ الأبِ الصادق, الذي جاهد في سبيل إصلاح ولده واستقامته.
ولو افترضنا ضياعَ الولدِ وانحرافَهُ, مع ما بذله الأبُ في سبيل إصلاحه, فإنه لا لومَ على الأب, وقد أخذ بالأسباب, فإنَّ لله في ذلك حكمةً هو أعلمُ بها, وللأبِ الأجرُ والمثوبةُ على صلاح نيته, وبذل جهده.
أيها المسلمون: إنَّ فقدانَ النشءِ للقدوة الصالحة في المجتمع يُعدُّ من أعظمِ المصائب التي يَجْنيها الجيلُ الجديد, وإنَّ تناقض الأقوال مع الأعمال, في واقع الحياة, وبُعْدَ المربين عن
سلوك النهج الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للمربي المسلم – كل هذا– يضعُ الأطفالَ في حالة من الحيْرة والتردد, فهم لا يستطيعون أن يوفِّقوا بين هذه المتناقضاتِ, فيسمعونَ من آبائهم كلاماً حسناً عن وجوب التقيُّدِ بالآداب والأخلاق الإسلامية, والبعد عن الخيانةِ, والأمر بالأمانةِ, ثم يشاهدُ هؤلاءِ الأطفال آباءَهـم وهـم يمارسون في حياتِهِمُ العمليةِ عكسَ ما يقولونَ, وما يأمرونَ به أولادَهم.
ولْيَعلم الآباءُ أنَّ الطفل في سنِّ التمييز يمكن أن يحدِّدَ مدى التزام أهله بالتوجيهات التي يأمرونه بها, وإلى أيِّ حدٍ يتقيَّد أهلُهُ بالآداب والأخلاق التي ينادون بها, فلا يظن الأب أن الطفل لا يعقل ما يدور حولَهُ, فإنه يتأثر بالقدوةِ العمليةِ أكثرَ بكثير مما نظن.
إن كلامنا مهما كان جميلاً ومتناسقاً, فإنه لن يؤثِّر في أولادنا, مهما كررناه عليهم, حتى يمتزجَ بأرواحنا, ويكونَ مطبقاً حياً في واقعنا العملي, وهنا فقط يؤمن به الأولادُ, ويقتدون بنا.
أيها الإخوة الكرام: كيفَ يسوغُ للأب المسلم أن يأمر أولاده بالعفافِ والأدبِ, وبناتَهُ بالحشمة والحياء, ثم يزجُّ بهم في مجتمعات تفشَّت فيها الرذيلةُ والفواحش, بحجَّة قضاءِ إجازة الصيف, ثم يسمح للجميع بأن يفعلوا ما شاؤوا, فالأولاد ينطلقونَ هنا وهناك بلا رقيب, والبناتُ ينزعن الحجاب وجلباب الحياء.
وكيف يسوغُ للمسلم أن يأمرَ أولاده بالتقوى, ومراقبَةِ الله عز وجل في السِّر والعلن، في حين يخادعُ, ويغشُ, ويؤذي المسلمين بلسانه ويده.
وكيف يسوغ للمسلمِ أن يأمرَ أولادَهُ بالتقوى وغضِّ البصر عن المحرمات, والبعْدِ عن المنكرات, في حين يُطلقُ بصره وسمعه للملاهي والمنكرات بحجة الترفيه البريء.
وكيف يسوغ له أن يأمر أولاده بالمحافظةِ على الصلاةِ, وإتقانها في حين يهجرُ المساجدَ, ولا يؤدي الصلاة في أوقاتها المعلومة.
إن هذه التناقضاتِ التي تعيشها الأمةُ لا يمكن أن تُوجِدَ نشأً متوافق النمو, سويَّ الخلق, بل تُخرِّجُ أفراداً مشوَّهي النفوس, منحرفي السلوك. بل ربما خرج جيلٌ من أبناء المسلمين رافضٌ كلَّ مبادئ المجتمع خيرِها وشرِها, معْرِضٌ عن منهجه وسبيله. فكم عانت الأمة, من بعض أبنائها العاقِّين, الذين كانوا ثمارَ هذه التناقضات الأخلاقية, فمنهم من ألْحد وكفر, ومنهم من فسق وفجر, ومنهم من سلك سبيل المنافقين, فأخذوا جميعاً بيدٍ واحدةٍ, يضربون بمعولِ الهدم كيانَ الأمة, ويسوقونها نحو الهاوية.
ولقد حذَّر الله عز وجل عباده من سلوك هذا النهج المنحرف فقال عز وجل: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ), وقال أيضـــاً: (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَـآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ)، وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا َفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)،  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُؤتى بالرجل يوم القيامة, فيُلقى في النار, فتندلقُ أقتابُ بطنه, فيدورُ بها كما يدورُ الحمار بالرحى, فيجتمع إليه أهل النار, فيقولون يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقولُ بلى, قد كنت آمرُ بالمعروفِ ولا آتيه, وأنهى عن المنكر وآتيه»، ويقول أيضاً: «آية المنافق ثلاث: إذا وَعَدَ أخلف, وإذا حدَّث كذب, وإذا اؤتمن خان »، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: «إن الكذب لا يصلحُ منه جدٌ ولا هزل, ولا أن يعدَ الرجلُ ابنه ثم لا يُنْجز له»، وقال: «من قال لصبي تعال هاك ثم لم يُعطه فهي كذبة ».
أيها الآباء الكرام: إنَّ الثمرةَ الصالحةَ الطيبةَ, لا يمكن أن تخرج من أرضٍ خبيثةٍ جدباءَ, كما أنَّ الثمرة الخبيثةَ الفاسدة, لا يمكن أن تكون نَتَاجَ الأرضِ الطيبة, والعنايــة الكاملـــةِ, (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ).
أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمين على جزيل نعمهِ وواسعِ فضْله, أحمده وأشكره, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, خيرُ قدوةٍ للسالكين, صلى الله عليه, وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد:
فإنَّ من نافلة القول, أن نقول: إنَّ الأخلاقَ الإسلاميةَ, المستمدةَ من القرآن الكريم, والسنة المطهرة, أخلاقٌ ثابتةٌ, لا تتغيرُ, ولا تتبدل, ولا تتطور مع مرور الزمن, فلا يمكن بحال, أن يصبح الكذبُ والخيانةُ في يوم من الأيام من  الفضائل, كما لا يمكن أن يُصبحَ الصدق والأمانةُ من البلاهةِ والغباء. وهذا الثَّباتُ في الأخلاقِ الإسلاميةِ يُعدُّ من أعظم خصائصها ومميزاتها التي تفردت بها عن الأخلاق الوضعية, التي تعارفَ عليها الناسُ بعيداً عن وحي الله المبارك. ومن هنا, فإنه لا يحقُ للأبِ المسلمِ أن ينهج في تربية ولده نهجاً غير الذي شرعه الله عز وجل, ولا يحق له أن يُعرض عن منهج التربية الإسلامية، بحجةِ تغيُّر الزمان, واختلافِ الناسِ, فإن الأخلاق والآداب الإسلامية لا تتغير ولا تتبدل.
أيها الإخوة الكرام: إن من أعظم أسباب صلاحِ الذريةِ, وفلاحِها: الدعاء الصادق. ولنا في أنبياء الله الكرام الأسوةُ الصالحةُ, فقد سجَّل لهم القرآن الكريم ابتهالاتٍ عظيمةً, ودعوات مباركةً جليلةً. فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام يدعو ربه عز وجل فيقول: ) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (, ويقول: ) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي(, ويدعو مع ابنه إسماعيل فيقولان: ) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ (, وزكريا عليه السلام يدعو فيقول: ) رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء(.  ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو دعوة أبينا إبراهيم عليه السلام حيث دعا ربه فقال: ) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (, فاستجاب الله عز وجل هذا الدعاء، وبعثَ محمداً صلى الله عليه وسلم لهذه الأمةِ بشيراً ونذيراً.
أيها الآباء الكرام: إن للدعاء دوراً عظيماً في صلاحِ الأولادِ, وهدايتهم, فما هذه الابتهالاتُ والدعوات التي سجَّلها القرآن الكريم لأنبياء الله الكرام إلا إشارةً واضحةً على أهمية الدعاء. ومن المعروف أن دعوة الأب لولده مستجابة, فليستغلَّ الأبُ هذه المكانة, وهذا الفضلَ من الله, ولْيدْعُ لولده بالخير والصلاح, وليكن قدوةً صالحةً له, ولْيحذرْ كل الحذر من الدعاء على الأولاد أو القسوة عليهم, أو لعْنِهم, فإنَّ هذا خطأٌ عظيم, رُوي أنَّ رجلاً جاءَ إلى الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله يشكو إليه عقوق ولدِهِ, فقال له عبد الله: «هل دعوتَ على ولدِكَ ؟ فقال الرجل: نعم, فقال عبد الله: أنت أفسدته».

وصلوا وسلموا على النبي المجتبى ورسول الهدى محمد، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانــــه وتعالى- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْـــــــهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَـــــلاً صَالِحاً زكيا، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا اللهم وفق وانصر أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى،اللهم انصر من نصره واخذل من خذله  واحفظه في ولي عهده الأمير مولاي الحسن وأنبته نباتا حسنا وشد أزره بأخيه المولى الرشيد وباقي الأسرة العلوية الشريفة.
اللهم يا حي يا قيوم ,يا ذا الجلال والإكرام ,يا من إذا قال لشئ كن فيكون , أصلح شأن    أبنائنا وبناتنا ,واخزي شيطانهم,وقوي إيمانهم ,وأصلح ذات بينهم ,وألف بين قلوبهم,وسخرهم لنا بالمحبة والطاعة .اللهم اجعلهم قرة عين لنا ,وأرهم الحق حقاً وارزقهم إتباعه ,وأرهم الباطل باطلا ًوارزقهم اجتنابه,اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم,وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ,واجعلهم من الراشدين,وانفع بهم الإسلام والمسلمين, وغض أبصارهم,واحفظ فروجهم ,وعلق بالمساجد قلوبهم ,واصرف عنهم كل سوء , وارزقهم البطانه الصالحة,اللهم اجعل القران العظيم ربيع قلوبهم وشفاء لصدورهم ونورا لأبصارهم وافتح عليهم فتوح العارفين وارزقهم الحكمة والعلم النافع وزين أخلاقهم بالحلم وأكرمهم بالتقوى وجملهم بالعافيه وعافهم وأعفو عنهم يا ارحم الراحمين.
اللهم ارزقهم القناعة والرضى و ارزقهم حبك وحب نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم وحب كل من يحبك وحب كل عمل يقربهم إلي حبك .اللهم اجعلهم ممن تواضع لك فرفعته واستكان لهيبتك فاحببته وتقرب اليك فقربته وسألك فاجبته.
اللهم افتح  لهم ابواب رزقك الحلال من واسع فضلك واكفهم بحلالك عن حرامك وأغنيهم بفضلك عمن سواك ولا توليهم وليا سواك اللهم جنبهم الفواحش والمحن والزلازل والفتن ماظهر منها ومابطن. اللهم جنبهم رفقاء السوء اللهم جنبهم الخمر والمخدرات
اللهم سلمهم من شر الاشرار اناء الليل واطراف النهار في الاعلان والاسرار واهدهم لما تحبه منهم واغفر لهم يا غفار اللهم لاتزغ قلوبهم بعد إذ هديتهم وهب لهم من لدنك رحمة وهيئ لهم من أمرهم رشدا . اللهم عافهم في ابدانهم واسماعهم وانفسهم وجوارحهم  اللهم واجعلهم لنا محبين وعلينا مقبلين ومستقيمين ولنا مطيعين وغير عاصين ولا عاقين اللهم أعنا  على تربيتهم وتأديبهم وبرهم واجعل ذلك خيرا لنا ولهم.

ربنا هبْ لنا من أزواجنا وذرِّياتنا قرةَ أعيُن واجعلنا للمتقين إماماً. اللهم أحسن عاقبَتَنَا في الأمور كلِّها وأجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم اجعلنا من الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساءوا استغفروا. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك. اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارِنا وقلوبِنا وأزواجِنا وذرِّياتِنا, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.  رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *