د. رشيد مقتدر: التطرف رد فعل على واقع الإقصاء والحرمان يلبس حلة دينية
أكد الدكتور رشيد مقتدر أن موضوع الحركات الإسلامية الداعية للعنف(الجهادية) يحظى باهتمام سياسي وإعلامي وطني ودولي، بحكم التمدد المفاجئ والانتشار الغير المسبوق في أسلوب عمل هذه الجماعات وطريقتها في الفعل والتعبئة والمواجهة، وذلك في دراسة قدمها ضمن أعمال الندوة الدولية التي تنظمها الطريقة البصيرية بمقر زاويتها بأزيلال يومي 10 و11 يونيو 2015.
وقال أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء، إن طبيعة هذه التيارات الجهادية “عبارة عن رد فعل اجتماعي سياسي على واقع الإقصاء والحرمان والقمع، يلبس حلة دينية سلفية متشددة وفرت له يقينيات شرعية إطلاقية لتبرير سلوك سياسي راديكالي مسيء للدين الإسلامي ومدمر للإنسان كقيمة وتاريخ وحضارة”.
واعتبر الدكتور رشيد مقتدر أن “التطرف ليس مرتبطا بالإسلام كديانة سماوية توحيدية، بل يتعلق بقراءات وتأويلات سياسية دينية بشرية للقرآن الكريم والسنة النبوية يصطلح عليها في العلوم الاجتماعية بالايديولوجيا، فالتطرف والعنف لا دين ولا جنس ولون له”، وأضاف: “فهو متواجد من القدم في الفكر المسيحي والفكر اليهودي القديم والمعاصر (الإيديولوجية الصهيونية)، وله في حضور في الفكر الاشتراكي الفوضوي، في الإيديولوجيات الماركسية والايديولوجيات اللبرالية والإيديولوجيات الشمولية (الفاشية،النازية)، متواجد عند الحركات العلمانية الراديكالية وكذلك عند الجماعات الإسلامية المشتددة (التكفيرية والجهادية)”.
وتوقفت الورقة البحثية لمقتدر عند الجواب عن: “الجماعات الإسلامية “الجهادية”: بماذا نفسر أسباب التمدد وعوامل الانشار؟”.
وحددت الورقة الأسباب والعوامل في ثمان نقط نجملها في:
1 فشل الأنظمة العربية الإسلامية في تحقيق التنمية السياسية والتطور الاقتصادي: أدى عجز الأنظمة العربية في تحقيق ما وعدت به شعوبها من تقدم وتنمية وعدالة وحرية، وفشل مشاريعها التحررية والتنموية الذي فوت عليها فرص اللحاق بالأمم المتحضرة، وهو ما أبرز إخفاق الدولة التسلطية في تحقيق ما رفعته من أهداف، فكان من الضروري اعتماد منهج بديل في الحكم والسياسة، يبرر شرعية الاستمرار في السلطة وقيادة المجتمع والدولة.
2 تأثيرات الإقصاء السياسي والاجتماعي المرفوق بالقمع: نجم عن استراتيجية والقمع والتنكيل التي واجهت بها بعض الأنظمة السياسية في العالم العربي المعارضة السياسية، والزج بمعارضها في السجون والمنافي دون الاحتكام لشروط المحاكمة العادلة، مصحوبة بظروف اجتماعية واقتصادية مزرية مقابل عيش النخب السياسية الموالية لحالة من الغنى الفاحش والبدخ، مما ولد نوعا من الحرمان النفسي والاقصاء الاجتماعي والسياسي الذي شكل ذهنية أضحت تفتقد للعدالة وتسعى للانتقام من هذا الواقع، وقد زكى هذا التوجه النزعات التسلطية والشمولية لبعض الأنظمة القومية.
3 التشبع من معين المرجعيات الدينية والايديولوجية المتشددة: وقد سهل الواقع عملية التأطير الممنهج بالعودة للتشبع من مرجعيات متشددة وفقا لتأويل منغلق للنص الديني، فوجدت فيها ضالتها في التشدد الذي شكل فرصة لها للتنفيس عن ما بداخلها من ظلم وحرمان ومعانات ورغبة في التأثر من الدولة والمجتمع، فشكل ذلك بروز جماعات سلفية متشددة لها فهم متزمت للدين الذي تحصره في تطبيق الحدود وقطع الرقاب كنوع من رد الفعل والانتقام من واقع وطني وعالمي.
4 ضعف الدولة وتوفر الأسلحة: أدى الضعف الملاحظ في العديد من الدول والأنظمة وعدم قدرتها على فرض سيطرتها على أقاليمها وتعدد المناطق خارج السيطرة، إلى إضعاف قدرة الدولة على ضبط حدودها وتوفير الأمن لمواطنيها.
5 انسداد آفاق التغيير السياسي بالوسائل السلمية: ترتب عن احتكار السلطة السياسية في العديد من الأنظمة العربية الشمولية وحصر اللعبة السياسية بين الحكام والنخب المحيطة بهم.
6 التأثر بموجة الجهاد المعولم والرغبة في إقرار (حلم الخلافة): أدى الخلط بين الرسالة الدينية التاريخية والمشروع السياسي الثوري الذي سيعيد للإسلام مجده (حلم الخلافة الإسلامية)، مصدر إلهام وعنصر استقطاب للشباب الراغب في تحقيق حلم الخلافة الإسلامية وإقرار الشريعة الإسلامية.
7 الجاذبية الإيديولوجية لأطروحات التنظيمات الجهادية: كان لجاذبية الشعارات الإيديولوجية التي ترفعها التنظيمات الجهادية من قبيل إقامة الخلافة وتفعيل الجهاد العالمي ضد اليهود والصلبيين وتحرير فلسطين، وإعلان العداء للهيمنة الأمريكية وتحديها الصريح ورفض سياساتها، مما خلق صورة إيجابية للتنظيم بل إن تمكنه التنفيذ العملي لعدد من العمليات ضد المصالح الغربية، منحه المزيد من الشرعية والقوة واللمعان.
8 التأثر بالمخلفات الإقليمية للسياسة الإسرائيلية وعجز الأنظمة العربية على مواجهتها.
وخلص الدكتور رشيد مقتدر إلى القول بأنه “لاشك أن الانتشار الجغرافي والتمدد الذي تشهده التنظيمات الجهادية آنية ومؤقتة وليست دائمة، لأن من السهل احتلال الأرض والسيطرة عليها لكن الصعوبة في المحافظة عليها، إن هذا التمدد لا يعني تنامي في قوة التنظيمات بقدر ما يعني استغلالها لضعف مؤقت للدولة وهشاشة في بنياتها وان الدولة سرعان ما ستستعيد تضميد جراحها والعودة لقوتها”.
وللإشارة فإن هذه الندوة العلمية الدولية تنعقد تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس ونصره، وتنظم الطريقة البصيرية بتعاون مع كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، في موضوع: “دور أهل التصوف في حماية المجتمعات من التطرف”، وذلك بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لانتفاضة سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون.
ويشارك في هذه الندوة العلمية الدولية مجموعة من العلماء والباحثين والمفكرين وأهل التصوف وأكادميين من المغرب وخارجه، بأوراق علمية وبحثية.