كلمة الشيخ في الملتقى العلمي للقراءات القرآنية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المبتدئ بحمده قبل أن يحمده حامد والصلاة والسلام على سيدنا محمد الملهم لك المحامد وعلى آله وصحبه الأماجد
أما بعد، فيا أيها الإخوة الصالحون أيتها الأخوات الصالحات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لنا عظيم الشرف في هذا اليوم الأغر من شهر الله شعبان الذي نذرناه لله يوما نحتفي فيه بسادات قال فيهم القائل:
لي سادة من عزهم أقدامهم فوق الجباه إن لم أكن منهم فلي في حبهم عز وجاهُ
سادات حازوا قصب السبق في هذا الكون إذ وُرِّثُوا كتاب الله تعالى فكانوا من أهله وخاصته، ومما زادهم رفعة وسؤددا إتقانه بالروايات السبع والعشر حفظا وضبطا ورسما، وحازوا الخيرية بعد تعلمه بتعليمه.
أيها السادة والسيدات:
كما تعلمون أن شرف العلم بشرف المعلوم ، ولا أشرف في هذا الكون من كتاب الله تعالى الذي أناط الله به الحياة جملة وتفصيلا مصداقا لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) لذا أمرنا بتعظيمه حسا ومعنى ظاهرا وباطنا سرا وجهر غبا ومشهدا، وتعظيمه ينشأ عن تعظيم أهله والراسخي العلم فيه وفي هذا الإطار الحافل بالتبجيل والتوقير يأتي تنظيم هذا الملتقى العلمي التاسع للقراءات القرآنية تحت شعار” القراءات القرآنية بالمغرب مهارة الأولياء الصالحين وعناية الملوك العلويين”.
ملتقى نستحضر من خلاله الذين قضوا نحبهم في دروبه بين تحبير وجوه قراءاته وقطع مسافات الليل به طال أم قصر، ونروم من خلاله وصل وصلة من قضى بمن ينتظر ـ نسأ الله لنا في عمركم ـ رحم القرآن التي لا توصل إلا بهم.
وأهم ما نتغياه من تنظيم هذا الملتقى حول هذا الموضوع المهم، هو لفت انتباه الناشئة والطلبة والباحثين وتحسيسهم بأهمية العناية بهذا العلم ومدارسته لتبقى بحول الله تعالى ريادة المغاربة مشهودة في القرآن والقراءات القرآنية، وكل ما يمت إليها بصلة
أيها السادة والسيدات:
لا يماري أحد في العناية الفائقة التي أولاها المغاربة ويولونها خلفا عن سلف لكتاب الله حفظا وتدريسا وترتيلا وتجويدا ونشرا، منذ إشراقة شمس الإسلام على بلدنا المصون بعون وعناية الله ، والتاريخ خير شاهد على ذلك فكل ركن من أركان مساجده العتيقة وكل خلوة من خلوات زواياه لتحن إلى ذلك المجد التليد الذي كانت كل والدة من الصالحات تردد فيه قول الله تعالى: (إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم) لتحظى بين قريناتها في يوم من الأيام في حفل بهيج بوجيه في الدنيا والآخرة.
كانت كل هذه العناية الفائقة التي تتعطل لغة الكلام من فرط السرور بها عن وصفها محاطة بموصول رعاية وعناية ملوك الدول التي تعاقبت على حكم المغرب وخاصة غرة جبين تاريخه الدولة العلوية الشريفة، التي عرفت ملكين قارئين بصما تاريخ المعرب بإتقانهما لهذا الفن من العلوم الذي لم يَنْبَغِ لأحد من الملوك دونهما.
هذا فيما سلف من الزمان، أما في عصرنا الحاضر وإيمانا من سليل الدوحة العلوية الشريفة أمير المومنين جلالة الملك سيدي محمد السادس نصره الله بسمو تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الداعية إلى إعمال العقل والفكر وطلب العلم، وإلى تعلم القرآن الكريم وتعليمه، ونشره وتداوله بين الناس، وتدبر أحكامه ومعانيه، والعمل به في مختلف مناحي حياة المسلم، أُحدث بأمر من جلالته الشريفة وتحت رعايتة السامية معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية، كما أحدثت بأمر من جلالته جائزة أهل القرآن.
أيها السادة والسيدات:
لا أريد استباق الأحداث، بل أترك المجال فسيحا للشيوخ الأجلاء والأساتذة الفضلاء لتفصيل هذه الفقرات في مواضيعهم التي لا أخالها بإذن الله إلا وابلا نافعا وإن لم يكن وابل فطل تهتز به أرض قلوبنا وتربوا وتُنْبِتُ من كل شيء موزون.
وختاما ـ نسأل الله حسنه ـ لا يسعني إلا أن أرحب بالسادة العلماء القراء والسيدات العالمات القارءات والمقرئين والمهتمين بهذا الفن وبالحضور الكرام، الذين حجوا تلبية لدعوة إخوة لهم يحبونهم في الله ابتغاء مرضاته لا يريدون جزاء ولا شكورا ، وجزى الله عنا الجميع خيرا وكتب لهم ذلك في سجل طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة مقعدا ، وجعل حسنات هذا الملتقى في صحيفة سلفنا الصالح الذين لا أخفيكم أنهم جاهدوا لتعلم القرآن وتعليمه أكثر من جهادهم لأنفسهم ومن تعلق بهم ، فنفثوا هذا الخير في روعنا وعاهدناهم على أن لا نترك الاهتمام به وله حتى نلقاهم ـ إن شاء الله ـ في موقف للذين أحسنوا الحسنى وزيادة.
كما نضرع إلى الباري جل في علاه أن يجعل سر وبركة ومدد هذا الملتقى حصنا حصينا وملاذا آمنا وركنا شديدا لأمير المومنين جلالة الملك سيدي محمد السادس نصره الله ، وأن يكلأه بعين عنايته يوم ضعنه ويوم إقامته، وأن يفيء إلى بلده وألوية النصر والقبول خفاقة بين يديه، وأن يقر عين جلالته بوليه الحسن المولى الحسن وشقيقته، وأن يحفظه في صنوه الرشيد المولى رشيد وعائلته، إنه سميع قريب والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
والحمد لله رب العالمين.