قسوة القلوب:أسبابها وعلاجها
قسوة القلوب ..أسبابها وعلاجها
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا حصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد، فيا عباد الله، إن من أخطر ما يعيشه أهل زماننا اليوم، ومن أخطر الأمراض الخفية ومن أشد العلل التي لا يتعرف الناس عليها ولا يعرفون أسبابها ولا يعرفون طرق معالجتها للتخلص منها، قسوة القلب، الذي هو البلاء الأكبر لمن ابتلي به، لأن صاحبه يصبح بعيدا عن الله، حجب قلبه بقسوته، فلا يذوق طعم الإيمان، ولا يجد حلاوته، وقد نبهنا ربنا سبحانه بمثل ضربه لبني إسرائيل عندما ابتلوا بقسوة القلوب، والذي ينبغي أن يعرف هو أنه لا ينبغي أن يكون فينا، ونحن أمة سيدنا محمد رسول الله ﷺ خير النبيئين، وأمته خير الأمم، أن يكون فينا وجه شبه ببني إسرائيل ولا بالأمم من قبل، الذين ابتلوا بقسوة القلوب، فكانت قلوبهم كما قال ربنا عز وجل في محكم التنزيل مخاطبا لهم:” ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة”، وأو بمعنى بل أشد قسوة من الحجارة، لأن الله عز وجل قال بعد ذلك :”وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء، وأن منها لما يهبط من خشية الله، وما الله بغافل عما تعملون”.
فإذا كانت الحجارة تتفجر منها الأنهار وتشقق فيخرج منها الماء، ومنها ما يهبط من خشية الله، كانت قلوبهم أشد قسوة من الحجارة، لم ينفك قفلها، لأن من القلوب ما هو مقفل، قال الله سبحانه:” أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها “، وإذا أقفل القلب أقفل تبعا له العقل وأقفل السمع والبصر، فصار الإنسان والعياذ بالله إنسانا يحمل وسائل الإدراك من الجوارح الظاهرة من غير أن يرى ومن غير أن يسمع ومن غير أن يعقل، قال الله عن الغافلين:” لهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ولهم قلوب لايفقهون بها” وفي آية أخرى:” أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا”. عجيب وغريب عباد الله أن يتمتع أحدنا بالقلب وبالسمع والبصر ولا يدرك بها شيئا، تأملوا ودققوا.
فمتى يخشع القلب عباد الله؟ ومتى تزول قسوته؟ ومتى تتفجر فيه ينابيع الحكمة؟ ومتى يفقه عن الله؟ ومتى يعقل عن الله؟ ومتى يصلح؟ وكما تعلمون إذا صلح القلب صلح الجسد كله، كما قال رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح:” واعلم أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب”.
نعم عباد الله لقد استعاذ رسول الله ﷺ، من جملة استعاذاته من أربعة أشياء فقال:” اللهم إني أعوذ بك من قلب لايخشع، ومن علم لاينفع، ومن دعاء لايسمع، ومن نفس لاتشبع”، اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع، وهو من الأدعية التي ينبغي أن نحفظها ونداوم عليها.
قال العلماء رحمهم الله: علامة قسوة القلب جمود العين، ألا يبكي الإنسان من خشية الله، وألا يخشع عند تلاوة القرآن وسماعه، وألا يخشع في الصلاة، وألا تدمع عيناه إذا ذكر الله، وتعلمون أن أحد السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه، رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، فهل وفقنا إلى ذكر الله تعالى في خلواتنا حتى تفيض أعيننا من خشية الله تعالى؟
عباد الله، هذا وإن من أسباب قسوة القلب أيضا، المعاصي والآثام، والنظر إلى المحرمات، والنظر إلى النساء الكاسيات العاريات، يقول النبي المصطفى ﷺ:” النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، يخرق القلب”، تأملوا كل نظرة حرام تخرق القلب، فقلب فيه عشرات الثقوب كيف تدخل الحكمة إليه؟ كيف يستقر الإيمان فيه؟، هو عرضة للخطر، غض بصرك عما حرم الله، سمعك لا تستمع به إلى المنكرات، فإن الاستماع للمنكرات ينبث النفاق في القلب كما ينبث الماء البقل، استمع إلى القرآن يتلى، واستمع إلى المديح والذكر، الذي يربي الإيمان في القلب ويزيده، لسانك لا تذكر به الخلق، قال الحبيب المصطفى ﷺ فيما رواه الإمام الترمذي رحمه الله:” لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب”، قسوة للقلب، وإن أبعد القلوب عن الله القلب القاسي، أسأل الله عز وجل أن يحفظنا وإياكم من القلوب القاسية أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فيا عباد الله، وإذا عرفنا ذلك فينبغي أن نجاهد أنفسنا حتى نبعد القسوة عن قلوبنا ونصبح من ذوي القلوب الرقيقة السليمة.
وللوصول إلى هذه الغاية وهذه الدرجة والمقام، فأول ما يلزم هو التوبة الصادقة النصوح لله عز وجل من جميع الذنوب والخطايا، والإكثار من قراءة القرآن مع التدبر والتأمل والوقوف عند الآيات بل الكلمات، وملازمة ذكر الله تعالى بقلب حاضر آناء الليل وأطراف النهار، والاستمرار على ذلك، فإنك إذا لازمت ذلك تصل بحول الله تعالى إلى امتلاك القلب الرقيق.
واعلموا أن المؤمن إذا صار رقيق القلب، فإنه يرحم نفسه ويجنبها معصية الله، ويتحقق بالدعاء الذي قال فيه النبي ﷺ:” اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أحييتني”، أبدا ما أبقيتني.
فإذا أكرمك الله برحمة نفسك ثم وضع فيه الرقة والرحمة لغيرك فأنت من أهل الجنة، قال ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: ” أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال”، أسأل الله عز وجل أن نكون منهم والحمد لله رب العالمين.