معاملة النبي صلى الله عليه وسلم وتأديبه للأطفال

معاملة النبي صلى الله عليه وسلم وتأديبه للأطفال

الاستاذ مولاي يوسف بصير

الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لاتباع سيد المرسلين، وأيدنا بالهداية إلى دعائم الدين، ويسر لنا اقتفاء آثار السلف الصالحين، نحمده تعالى على ما منَّ به من أنوار اليقين، ونشكره جل وعلا على ما أسداه من التمسك بالحبل المتين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن سيدنا محمداً عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، صلاة دائمة إلى يوم الدين، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في غمرة احتفالنا بعيد مولد رسولنا الكريم، في هذا الشهر الذي استنار من نور حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، والذي اتخذه المحتفلون عامة والمغاربة المحبون في جناب سيدنا رسول الله خاصة مناسبة للوقوف على شمائل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نرتشف من سيرته ما يهدينا وييسر لنا سبل الإقتداء بالحبيب المصطفى، يطيب لنا أن نسلط الضوء في هذه الجمعة على منهجه صلى الله عليه وسلم في تربية الأجيال، باعتبار أن أزمة الأمة الإسلامية عامة، وأزمتنا في بلدنا هذا، تتجلى في سبل توجيه أبنائنا وتخلقهم بأخلاق الإسلام الفضلى، ونحن اليوم في أمس الحاجة للإهتمام بالناشئة ليكونوا فعلا زينة الحياة الدنيا، ومستقبل الأمة، وعدّة الزمان بعد الله، باعتبارهم شباب الإسلام، والناشئون في طاعة ربهم، فلا تكاد تعرف لهم نزوة، أو يعهد منهم صبوة، يتسابقون في ميادين الصالحات، أولئك لهم الحياة الطيبة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه، إذا نحن أوليناهم من الرعاية والعناية ما تستقيم به أمورهم وحياتهم. أيها المؤمنون، لئن تطلعت الأمة لإصلاح ناشئتها ورغبت أن تقرّ أعينها بصلاحهم فعليها أن تهتمّ بتربيتهم، وتسليحهم بسلاح الإيمان، وتحصينهم بدروع التقوى، وأخذهم بجدِّ وقوة العلم النافع والعمل الصالح، وإن العناية بالنشء صبيانا وأطفالا وشبابا، لهي مسلك الأخيار وطريق الأبرار، ولا تفسد الأمم إلا حين تفسد الناشئة من أجيالها، ولا ينال منها الأعداء إلا حين ينالون من شبابها وصغارها. أيها المؤمنون، إن الشاب في فترات تكوينه يمر بمراحل، كل مرحلة أهمّ من الأخرى، وإن من أهم تلك المراحل مرحلة الطفولة، فهي السن الذي يتعرف فيه الطفل على مجريات الحياة، فيعرف الصحيح من الخطأ، ويتعلم الصواب أويتعوّد على الغلط، يقول حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: “كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه”، لهذا كانت مرحلة الطفولة من أخطر المراحل، ولقد كان السلف الصالح يعنون بأبنائهم منذ نعومة أظفارهم، يعلّمونهم وينشّئونهم على الخير، ويبعدونهم عن الشرّ، ويختارون لهم المعلمين الصالحين والمربين الحكماء الأتقياء، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد راعى الأطفال واهتم بأمرهم، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يتضجر ولا يغضب منهم، إن أخطئوا أرشدهم ودلهم من غير تعنيف، وإن أصابوا دعا لهم، وإليكم هذه النماذج من معاملته صلى الله عليه وسلم لأطفاله: روى الإمام أحمد في مسنده أن أبا هريرة (ض) قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، فإذا سجد رسول الله وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما من خلفه أخذًا رفيقًا ووضعهما على الأرض، فإذا عاد إلى السجود عادا إلى ظهره حتى قضى صلاته”، أخرج البخاري عن أم خالد -أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص- (ض) أنها قالت: أَتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع أبِي وعَلَيَّ قَمِيصٌ أصْفَرُ، قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: سَنَهْ سَنَهْ -قَالَ عبدُ اللَّهِ: وهي بالحَبَشِيَّةِ: حَسَنَةٌ- قَالَتْ: فَذَهَبْتُ ألْعَبُ بخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي أبِي، قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دَعْهَا. ثُمَّ قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبْلِي وأَخْلِقِي، ثُمَّ أبْلِي وأَخْلِقِي، ثُمَّ أبْلِي وأَخْلِقِي. قَالَ عبدُ اللَّهِ: فَبَقِيَتْ حتَّى ذَكَرَ، يَعْنِي مِن بَقَائِهَا. ولقد كان صلى الله عليه وسلم يلاعب الأطفال، ويمشي خلفهم أمام الناس، وكان يقبلهم ويضاحكهم، فعن يعلى بن مرة (ض) قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد دعينا إلى طعام فإذا الحسين بن علي يلعب في الطريق، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يديه ليأخذه، فطفق الغلام يفرّ هاهنا ويفرّ هاهنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يلحقه يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه ثم اعتنقه ثم أقبل علينا وقال: “حسين مني وأنا من حسين”، وعن أبي هريرة (ض) قال: سمعت أذناي هاتان وبصر عيناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيديه جميعًا بكفي الحسن أو الحسين، وقدماه على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ارقه ارقه”، قال: فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “افتح فاك”، ثم قبله، ثم قال: “اللهم أحبه فإني أحبّه”، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سمع بكاء الصبي وهو في صلاته تجوّز فيها مخافة الشفقة من أمه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ذات يوم فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: “صدق الله ورسوله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ“، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما”، ثم أكمل خطبته. وعن عمر بن أبي سلمة قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك”. فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه فيما تحت أيديكم من ابنائكم وما استرعاكم الله، اللهم اجعل لنا في شهر ربيع الأنور وديعة عند نبيّك المصطفى صلى الله عليه وسلم يشهد لنا بها يوم القيامة ويشفع. واجعلنا من المتمسكين بسنته المقتفين أثره، المهتدين بهديه، من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين.

الخطبة الثانية

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون،اتقوا الله، واشكروا نعمة الله عليكم بهؤلاء الأولاد الذين جعلهم الله فتنة لكم، فإما قرّة عين في الدنيا والآخرة، وإما حسرة وندم ونكد. وإن من شكر نعمة الله عليكم فيهم أن تقوموا بما أوجب الله عليكم من رعايتهم وتأديبهم بأحسن الأخلاق والأعمال وتنشئتهم تنشئة صالحة. أيها المؤمنون، هناك أمورًا جعلها الله من فِعل الأب وتنفع الابن من بعده، ومن أهمّ هذه الأمور صلاح الوالد في نفسه، فإنه سبب لحفظ الله عز وجل لأبنائه من بعده، يقول الله سبحانه: “وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ”، يقول ابن عباس (ض): “حفظهما الله بصلاح والدهما ولم يذكر الله للولدين صلاحًا”، وإن الله بفضله وكرمه إذا أدخل المؤمنين الجنة يلحِق بالآباء أبناءهم وإن كانوا دونهم في العمل، يقول الله سبحانه: “ وَالذِينَ ءَامَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ اَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّٰتِهِمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَےْءٖۖ كُلُّ اُ۪مْرِےِٕۢ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞۖ”، يقول ابن عباس (ض) عند تفسيره لهذه الآية: “إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل كي تقرّ بهم أعينهم”، أيها المؤمنون، أيها الآباء، أيها المربون، إنه ليحز في النفس أن نجد في مجتمعاتنا الإسلامية أبناء ليسوا على عدي النبي صلى الله عليه وسلم لا في منطقهم، ولا في هيئتهم، لم يتلقوا من التربية الدينية والإسلامية ما يحصنهم من الأفكار والعادات الدخيلة على مجتمعاتنا، والتي نتج عنها جيل معطوب، من ناحية هو ضحية لتفريط والديه، الذين كان همهم وهم يلقنونهم المبادئ الأولى للتربية تقليد فلان وعلان  من المشاهير، في ملبسهم وهيئتهم، بل وحتى في حلاقة شعرهم، ومن ناحية أخرى ضحية مجتمع تمرد عن أخلاق الإسلام وابتعد عن السنة والقرآن وسلوك منهج النبي العدنان، فلنتدارك أخوتي أطفالنا، ولنبادر بالإهتمام بهم وبتأديبهم، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ### فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، فاللهم صل صلاة كاملة وسلم سلاما تاما على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد، وتنفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج، وتنال الرغائب، وحسن الخواتم، ويستسقى الغمام بوجهه الكريم، وعلى آله وصحبه في كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم لك يا الله. “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”. الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *