ثورة الملك والشعب وعيد الشباب

ثورة الملك والشعب وعيد الشباب

الأستاذ مولاي يوسف البصير

الحمد لله، الحمد لله العلي الأعلى، خلق الأرض والسماوات العلا، الرحمن على العرش استوى، نحمده تعالى على أن هدانا لدينه المرتضى، وشرعه المجتبى، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، شهادة من أسلم وجهه إلى الله واستمسك بالعروة الوثقى وتاب إليه واستغفره وعمل صالحا ثم اهتدى، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الرحمة المهداة لكل من اتقى، وأفضل من عبد ربه وجاهد في سبيله حتى ارتقى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المتبعين له في كل ما أمر به وما عنه نهى، وسلم تسليم كثيرا أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، قال الله عزوجل: “ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى”، وقوله سبحانه وتعالى “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره”، وكما تعلمون أيها الإخوة المؤمنون، أن الجزاء من جنس العمل، ومن هذا المنطلق نجد أن لكل شعب مسلم ولكل بلد مسلم يؤمن بالجزاء الأوفى رصيده الثمين من كفاحه المتواصل عبر تاريخه الطويل، يحتفظ فيه بأيام مشهودة ويختزن فيه ذكريات دينية ووطنية راسخة من الجهاد والنضال في سبيل نصرة الدين وكرامة الوطن، يقف عندها في مناسباتها ليستحضر من خلالها صفحات التاريخ ويلقن بها للأجيال التي لم تشهد هذه الملاحم تاريخ أوطانهم، ويرى معالم جهاد الآباء والأجداد، وملاحم المفاخر والأمجاد التي خاضها أسلافهم من أجل الحرية والإستقلال،مصداقا لقوله عز وجل: “وذكرهم بأيام الله، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور”، وإن من أيام المغرب المجيدة وذكرياته الخالدة التي يعتز بها في مجال الكفاح والنضال ذكرى ثورة الملك والشعب التي يخلد بها الشعب المغربي الأبي في العشرين من شهر غشت من كل سنة،  انتفاضته القوية في وجه الإستعمار الفرنسي حين بلغ ظلمه أقصاه، ووصل طغيانه منتهاه، فامتدت يده الأثيمة إلى رمز سيادة البلاد وضامن وحدتها واستقرارها جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، فنفاه عن شعبه ووطنه، وأبعده عن عرشه وبلده، ظانا بذلك أن الجو سيخلو له، ويصفو له المكث والمقام، فيفعل بهذا البلد بما فيه ما يشاء، ولكن هيهات هيهات، فالله سبحانه وتعالى كان لظلم الإستعمار وطغيانه بالمرصاد، وكان الشعب المغربي في منتهى الولاء والوفاءوالإخلاص لدينه ولوطنه ولملكه، وكان في منتهى الصبر والفداء والتضحية من أجل رد الإعتبار إلى أهله، والسيادة إلى صحابها الحقيقيين، فوقف سدا منيعا بجهاده في وجه الإستعمار وأطماعه التوسعية، وضد نواياه وأعماله السيئة مصداقا لقول الباري عز وجل: “ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون”، وقوله أيضا: “ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله”، وقوله أيضا: “وكان حقا علينا نصر المؤمنين”. أيها المسلمون، إذا وقفنا وقفة تأمل وتدبر عند هذه الذكرى الجليلة التي نحتفل اليوم بذكراها الثامنة والستين، وحاولنا أن نستكشف سرالنجاح فيها وسر انتصار المغرب على الإستعمار في مدة وجيزة نجد أن ذلك كان نتيجة الإلتحامالمتين الذي يربط بين الملك والشعب، وأن الرأي بينهما كان مشتركا وأن الإيمان بالخلاص كان قويا جدا وأن قيادة جلالة المغفور له محمد الخامس ومعه رفيقه في الكفاح والنضال جلالة الحسن الثاني طيب الله ثراهما،  كانت تنظر إلى الأمور بعين بصيرة ثاقبة مؤمنة بأن الله سينصر الذين يجاهدون في سبيل الله ويقدمون أرواحهم فداءا للدين وتحرير الوطن ابتغاء مرضاة الله تطبيقا لقوله سبحانه “الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم”، وقوله جل وعلا: “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “تضمن الله لمن خرج مجاهدا في سبيل الله، لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي فهو علي ضامن(أي في عهد الله وذمته) أن أدخله الجنة (أي إن مات شهيدا) أو أرجعه إلى أهله نائلا ما نال من أجر أو غنيمة (أي إن بقي على قيد الحياة)”،أيها الإخوة المؤمنون، إن تذكرنا لحدث ثورة الملك والشعب، ليس المقصود منه سرد الأحداث، وإنما المقصود به ربط أبنائنا وبناتنا بأهمية ما قام به أجدادهم وأجداد آبائهم من أجل الذود عن حمى الوطن، وبيان مدى تشبث المغاربة بالعرش العلوي المجيد، وكيف كان الوطنيون الأحرار يسترخصون الغالي والنفيس من أجل وطنهم ووحدته، فما هي إلا سنتان من الكفاحوالجهاد والنضال المشترك بين العرش والشعب بمختلف طبقاته كانتا تتويجا لجهاد استمر حوالي ثلث قرن من الزمان بقيادة المغفور له محمد الخامس رحمه الله حتى عاد من منفاه معززا مكرما، في يوم تاريخي جليل، وفي يوم مشهود عظيم، متوجا بإكليل العز والإنتصار، وحاملا في قلبه وفكره ويده مشعل الحرية وبشارة الإستقلال مرددا ما جاء في الأثر: “رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر” جهاد النفس وتنمية الوطن وبناء المغرب الحديث، يلهج بحمد الله وشكره تاليا مع أبناء شعبه الوفي المؤمن بالله وبكتابه ورسله: “الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور”، فاتقوا الله عباد الله واعرفوا فضل الله عليكم ونعمه وآلاءه، واحمدوه واشكروه لعلكم تهتدون، واعبدوه وأطيعوه لعلكم ترحمون، واستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون.

الخطبة الثانية

إن الإسلام وهو يتجه إلى بناء مجتمع سليم من الأمراض والآفات قائم على الحق والعدل ونبذ الخلافات يعتمدقبل كل شيء على طاقات الشباب وعلى حيوية الشباب، ويمجد في كل أمة فتوة الشباب خصوصا إذا صرفت هذه الطاقات في طلب العلم والمعرفة وفي كل عمل نافع تشرف وتسمو به قيمة الأمة، ونحن أيها الشباب إذ نحتفلغدابإذن الله تعالى، الواحد والعشرين من شهر غشت من كل سنة، بعيد شباب ملك الشباب مولانا محمد السادس أطال الله عمره وسدد أمره نقول للشباب: أليس من حمل رسالة الإسلام إلى الناس كافة هو سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يعتمد على فتوة الشباب وإرادة الشباب؟ وهو الذي وعد من تحلى منكم أيها الشباب بأخلاق الإسلام وعمل على رفع راية الإسلام ونشأ على طاعة الله وطاعة رسوله أن الله عز وجل سيظله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وأنه من بين السبعة الذين عدهم حين قال فيما رواه البخاري ومسلم: “سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله”، وذكر منهم إماما عادلا وشابا نشأ في طاعة الله، وليعلم الشباب أن كل عمل من أعمال الخير والبر والإحسان المطابقة لشريعة الإسلام السمحة عبادة لله يتقبلها ويثيب عليها فاعلَها لأنها من طاعة الله، “ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما”، ونقول أيضا بأن الشباب هم عماد البلاد، وهم الرجال الذين نعدهم لتحمل المسؤوليات وإنجاز مفاخر هذه البلاد، ونذكر أنفسنا وشبابنا بما قدمه ويقدمه ملك الشباب من أياد بيضاء تهدف إلى سمو البلاد، والرفع من شأنها على جميع المستويات، داخليا وخارجيا، وأن همة ملكنا محمد السادس نصره الله عالية ليس لها حدود، فهو يعمل ويصمم ويتتبع الإنجازات العظيمة، ويشاطر الشباب آمالهم، ويسعده ما يسعدهم، ويريد من شعبه الوفي المخلص أن يكون في مستوى هذه الإرادات الملكية وأن لا يتوانى عن خدمة البلاد والرفع من شأنها في كل المجالات التنموية، وأن يقوموا بمسؤولياتهم المنوطة بهم لتحقيق الرفاه والعزة للمملكة، وأن نواصل الخطى التي سار عليها أسلافنا حين التحموا مع جده محمد الخامس ووالده الحسن الثاني في ملاحم الدفاع عن حوزة الوطن، بدءا بثورة الملك والشعب، مرورا بملاحم بناء الوطن بعد الحصول على الإستقلال، واسترجاع صحرائنا المغتصبة بملحمة المسيرة الخضراء المظفرة، وصولا إلى العهد الزاهر لمولانا محمد السادس، عهد التنمية والنهوض بمصالح المغاربة داخليا وخارجيا، وها نحن اليوم ومنذ ما يزيد عن سنة ونصف نعيش ملحمة عظيمة ينبغي أن ننخرط فيها جميعا، وهي ملحمة التلقيح ضد هذا الوباء كورونا الذي يزداد يوما بعد يوم في الإنتشار، ولا سبيل للقضاء عليه سوى التزام النصائح والتوجيهات الموصى بها من الجهات المسؤولة بكل حزم وعزم، وأن يكون كل واحد منا سدا منيعا يحول دون إنتشارهبالوعي والتوعية وضرب المثل بسلوكاتنا الفردية التي تنعكس على الوعي الحماعي والسلوك الجماعي لتحقيق مناعة شاملة، فخذوا إسلامكم بقوة الشباب، وتمسكوا بعروته الوثقى يكن لكم قوة تدفعكم إلى معارج الرفعة والتقدم والكمال، وتقيكم المزالق والتقهقر والإنحلال، والله يهدي من يشاء إلى سبيل الرشاد.الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *