العناية بالتغذية السليمة والمتوازنة للأبناء

العناية بالتغذية السليمة والمتوازنة للأبناء

الأستاذ مولاي يوسف بصير

الحمد لله، الحمد لله مدبر الأكوان، أكمل خلق الإنسان، ومتعه بالعافية وصحة الأبدان، وأرشده إلى ما فيه مصلحته بالسنة والقرآن، نحمده تعالى ونشكره على نعمة الإيمان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى العناية بالأبناء وتخاذ الوسائل للمحافظة على صحة أبدانهم، في قوله صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، في الجمعة الماضية تكلمنا عن اهتمام الإسلام بصحة الإنسان، ووقايته من الأمراض، عن طريق اتخاذ الوسائل الكفيلة  ببقائه سالما معافى في بدنه، وعدم تعريض صحته للتلف بالتفريط والتهور واتباع الشهوات، خاصة في هذه الظرفية الحرجة المتمثلة في انتشار داء كورونا المستجد، بصيغه وموجاته المختلفة، مصداقا لقول الله تعالى: “وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”، واليوم أيها المسلمون، نسلط الضوء على جانب مهم في المحافظة على الصحة البدنية السليمة لفئة عريضة من المجتمع، ألا وهم الأطفال، وذلك بتنشئتهم تنشئة متوازنة لما فيه صلاح البلاد والعباد، والحرص التام على سلامة تغذيتهم وتدريبهم على آداب الأكل والشرب، مع ضرورة اتخاذ كل وسائل السلامة الصحية في الغذاء، وجعل ذلك أولوية قصوى للوقاية من الأمراض المنقولة وغير المنقولة، وتجنب المواد الغذائية غير المأمونة أو المنتهية الصلاحية التي تسبب أمراضا خطيرة ومتنوعة. أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، الطعام والشراب حاجتان أساسيتان لا يمكن الاستغناء عنهما، وهما من أعظم نعم الله تعالى على عباده، ولتحقيق التميز للأمة الإسلامية في الطعام والشراب، علمنا النبي صلى الله عليه وسلم بسنته القولية والفعلية كيف نتعامل مع هذه النعم، فقبل البدء في الطعام، ينبغي أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على غسل يديه قبل الطعام وبعد الإنتهاء منه لقوله صلى الله عليه وسلم: “بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده”، ثم التسمية قبل البدء بالطعام والشراب، وذلك لما رُوي من حديث عمرو بن سلمة (ض) أنه قال: “كُنْتُ غُلَامًا في حَجْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ”، فالتسمية عند بداية الطعام بقول: “بسم الله”، فإذا نسي المسلم التسمية في البداية، فليسمّ حين يتذكّر، ويقول: “بسم الله في أوله وآخره”. ثم يتناول الأكل والشرب باليمين، لما في الأكل والشرب بالشمال من التشبّه بالشيطان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أكَلَ أحدُكم فلْيَأكُلْ بيَمينِه، وإذا شَرِبَ فلْيَشرَبْ بيَمينِه، فإنَّ الشَّيْطانَ يَأكُلُ بشِمالِه، ويَشرَبُ بشِمالِه”، أيها المؤمنون، لذكر الله تعالى عند الأكل أسرار، بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: “إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وإذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وإذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالْعَشَاءَ”، ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم كذلك الأكل بثلاثة أصابعٍ، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم يأكل بثلاثة أصابعٍ، قال ابن القيم في ذلك: “وهو أشرف ما يكون من الأكلة، فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة، والجشع الحريص يأكل بالخمس، ويدفع بالراحة”،  كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن الأكل من فوق الطعام، حيث قال: “إذا أكلَ أحدُكُم طعامًا، فلا يأكُلْ مِن أعلى الصَّحفَةِ، ولكنْ لِيأكلَ مِن أسفلِها، فإنَّ البرَكةَ تنزلُ مِن أعلاها”، وقال أيضا: “البَرَكَةُ تَنزِلُ وسَطَ الطعامِ، فكُلوا من حافَّتيهِ، ولا تأكُلوا من وَسَطِهِ، فإذا كان الإناء يحتوي طعاماً من نوعٍ واحدٍ، فالسنة أن يأكل ما يليه للحديث السابق، وإن احتوى أكثر من نوعٍ فلا بأس بأن يأكل من أعلى الإناء أو وسطه، ومن هديه صلى الله عليه وسلم الإحتياط من أن يقع الطعام على المائدة أو على الأرض، وأكل ما تناثر من الطعام، فإذا وقع من الطعام شيئاً، فليأخذه ويمسحه ثمّ يأكله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا ما وقعت لُقمةُ أحدِكُم فليُمِط عنها الأذى وليأكُلها، ولا يدَعْها للشَّيطانِ”، ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم الأكل مع الغير، كالزوجة والأولاد والضّيف وغيرهم، للبركة التي تتحصّل في ذلك، ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن التنفس في الإناء، ومثل ذلك التنفّس في الطعام والشراب، فكان ينتظر الطعام الساخن حتى يبرد، مع مراعاة تجنّب النفخ فيه،  وكان من هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم في الطعام أنّه لا يردّ ما يُقدّم له، ولا يطلب ما يفقده، فما يقرّب له من الطعام يأكله إلّا أن تعافُه نفسه، فيردّه دون أن يعيبه، وكان يأكل معظم الطعام وهو جالس على الأرض، أو بالاجثاء على ركبتيه، وله هيئة أخرى في الجلوس للطعام بالجلوس على الرجل اليسرى، ونصب اليمنى، كما روى ذلك الصحابي أنس بن مالك (ض) ولم يكن صلّى الله عليه وسلّم يتخذ مائدة للطعام، ولم يكن يتكئ أثناء طعامه، روى ذلك البخاري في صحيحه عن الصحابي وهب بن عبد الله، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “إني لا آكلُ متَّكِئًا”، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد له رب العالمين.

الخطبــة الثانـيـة

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون هذه جملة من هدي النبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، في الطعام وآدابه التي ينبغي أن نلقنها لأبنائنا، ونحرص على تطبيقها أمام أعينهم ليتربوا عليها، على اعتبار أن عادة الأكل تتحول إلى عبادة باقتفائنا هدي نبينا، والتي حث ويحث العلماء والأطباء على سلوكها واعتمادها في التغذية الصحية عند الأطفال، بل عند الصغار والكبار، نجملها في مبدأ النظافة في مفهومها الواسع، لأن الله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين، والتسمية في البدء، والحمد والشكر في الختام، أيها الإخوة المؤمنون، الغذاء مطلب حيوي لا يمكن للإنسان أن يستغني عنه، ولذلك كان من مسؤولية الفرد عن جسده تغذيته والحفاظ على توازنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن لبدنك عليك حقا”، ومنه مسؤولية الأباء في إطعام أبنائهم طعاما طبيعيا وصحيا حفاظا لهم من الأسقام المختلفة، مع العلم بأن التغذية السليمة أساس لصحة سليمة، ولذلك وجب علينا تنشئة أبنائنا على غذاء سليم ومتنوع، حتى يشبوا على هذا التنوع المفيد لصحتهم وأجسامهم، وعلينا أيضا أن نكثر من الحمد والشكر لله تعالى على ما أنعم به علينا من نعم متنوعة في غذائنا، بالمحافظة على هذه النعم وعدم العبث بها، رُوي عن أبي أمامة الباهلي (ض): “أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غيرَ مَكْفِيٍّ ولَا مُوَدَّعٍ ولَا مُسْتَغْنًى عنْه، رَبَّنَا”، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أكل أحدُكم طعامًا فلْيَقُلْ: اللهمَّ بارِكْ لنا فيه، وأَطعِمْنا خيرًا منه”، فهذا أيها الإخوة المؤمنون غيض من فيض من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالأكل، سقناه من أجل الإهتداء به، لأننا أصبحنا في مجامعنا نرى رجالا ونساء لا يعلمون من هذا الهدي شيئا وحتى إذا علموه فإنهم لا يتأسون به ولا يشيعونه فيما بينهم، خاصة الأطفال منهم، الذين أصبحوا يأكلون بعيدا عن مائدة الأسرة، وبعيدا عن كل توجيه، وربما قد يضطرون عند الكبر إلى الإلتجاء إلى موجهين في التطوير الذاتي فقط من أجل تعلم طرق الأكل والشرب، التي كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعلمها الصبيان وهم يأكلون من مائدته، ألا فتشبهوا إخواني برسول الله لعلكم تفلحون، الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *