ذم الغضب

ذم الغضب

الأستاذ مولاي يوسف بصير

الحمد لله، الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا، نحمده سبحانه وتعالى حمد الشاكرين، ونسأله التوفيق والسداد في كل حين، له الحمد في الأولى و الآخرة، خلق كلَّ شيء فقدره تقديراً، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم، القائل في محكم كتابه المبين: “وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى الكريم، خاتم المرسلين، المبعوث رحمه للناس أجمعين، وقدوة للمؤمنين، أرسله بالبينات والهدى وجبله على كريم الطباع وأشرف الخصال، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فيا أيها المؤمنون في الجمعة لماضية تناولنا الحديث عن خلق الدفع بالتي هي أحسن، وأن الإنسان ينبغي أن يقابل إساءة المسيئين، وظلم الجائرين بخلق سوي رزين، وأن لا يتسرع في رد الإساءة بمثلها أو بأكثر منها، إرضاء لله رب العالمين، وإرغاما للشيطان الرجيم الذي يدفع بالإنسان إلى الإنتقام والخروج عن الأدب والسلوك القويم، والإنسان أيها المؤمنون، خُلق من ضعف، وهو في هذه الدنيا ممتحن، يغضب ويرضى، ويحزن ويفرح، ويمرض ويصح، ولذا وطن العقلاء نفوسهم على الصبر والتحمل، والأناة والتحلم، أما غيرهم فيسخط ويسب، وقد يبلغ به الغضب إلى حد الجنون، فيضرب بغير حق، ويقذف ويلعن، وربما كسر عظماً، أو هدم أسرةً، أوحلَّ وثاق الزوجية، بسبب عدم التخلق بالحلم وفورة الغضب، حينما يتمكن من أصحابه ويستسلمون له، ويعتادون عليه، فالغضب الذي هو موضوع خطبتنا اليوم، جماع الشر لأنه من الشيطان، فهو يشل تفكير المرء، ويلغي مروءته، ويحرك في نفسه نوازع الشر والعدوان، ولهذا ثبت عن أبي هريرة (ض): “أنّ رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني. قال: لا تغضب، فردّد مراراً، قال: لا تغضب”، فتأمل أخي كيف كرر هذا السائل على النبي صلى الله عليه وسلّم السؤال، وهو يلتمس أنفع وأبلغ مما أوصاه به، فلم يزد صلى الله عليه وسلم على قوله: “لا تغضب”، أيها المؤمنون، إن في هذه الوصية سعادة الدنيا والآخرة، فالغضب يؤدي إلى التقاطع، وحرمان الرفق، ويفتح أبواب الآثام والفتن، فكم جرَّ من المآسي على الأفراد والمجتمعات؟! وكم صار سبباً في تفرق الإخوة والإخوان، والأولاد والأزواج؟!.  ويكفي في بيان قُبح الغضب أنه جمرة تتوقد في قلب الإنسان فيزيدها الشيطان اشتعالاً، فينتج عن هذا السلوك عظيم الأذى والعدوان، وإطلاق اللسان، وتترتب عليه القرارات الجائرة، والمبادرات الظالمة التي يعقبها الحسرة والألم. أيها المسلمون: الشجاعة والقوة التي يريد المرء إبرازها عند الغضب ليست بقوة البدن كما يعتقد كثير من الناس الذين لم يعرفوا لأخلاق الإسلام سبيلا، بل هي بقوة النفس وكظم الغيظ. روى الإمامان البخاري ومسلم عن أبي هريرة (ض) عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: “ليس الشديد بالصُّرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”، وإنّ الموفق إلى الخير هو الذي يفكر في العواقب عند ثوران الغضب ويتذكر ما وعد الله به الكاظمين لغيظهم من أجر وثواب. فعن سيدنا معاذ بن أنس الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: “من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيره في أيّ الحور شاء”، وفي المسند من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: “ما تجرّع عبدٌ جُرعةً أفضلَ عند الله من جرعة غيظٍ يكظمها ابتغاء وجه الله عز وجل”، وجاء رجلٌ إلى سلمان الفارسي (ض) فقال أوصني قال: “لا تغضب” فقال الرجل: أمرتني أن لا أغضب وإنه ليغشاني ما لا أملك قال: فإن غضبت فاملك لسانك ويدك”. اللهم اهدنا لأحسن الأعمال والأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئ الأعمال والأخلاق، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، “إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ”، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنه هو الغفور الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

 أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، بخلق الحلم وترك الغضب أخذ جمع من أسلافنا، ومما يُروى: “أنّ رجلاً شتم عمر بن ذر الإمام الزاهد العابد الهمداني الكوفي، فقال له عمر: إني أمَتُّ مشاتمة الرجل صغيراً فلن أحييها كبيراً، وإني لا أكافئ من عصى الله فيَّ بأكثر من أن أطيع الله فيه”، وقال عمر بن الخطاب (ض): “من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يشاء”، وقال معاوية (ض): “لا يبلغ العبد مبلغ الرأي حتى يغلِب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة العلم”، أيها المؤمنون، الغضب لا خير فيه، وهو سبب لشرور عديدة، فما ملئت المقابر إلا بسببه، وما ملئت السجون إلا بسببه، وما تشرد الأبناء وتفككت الأسر إلا بسببه، وما تخلى الناس عن الفضائل والمروءة إلا بسببه، وما ضاعت الأوطان إلا بسببه، فمن تأمل المجتمعات، وحال الناس سيعلم يقينا، أن شر ما يتخلق به الإنسان هو الغضب، والكلام عنه يطول ، ولنا عودة إليه في جمعة مقبلة إن شاء الله تعالى. وإلى ذلكم الحين نتمسك ونردد جميعا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل، حين قال له مرارا: “لا تغضب”. الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *