ليلة القدر وزكاة الفطر

ليلة القدر وزكاة الفطر

الأستاذ مولاي يوسف بصير

الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، كتب الصيام وسن القيام على عباده المؤمنين، ومنح البركة وأجزل الخيرات للطائعين الذين يصدقون بيوم الدين، ويعملون ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، نحمده تعالى ونشكره على مر السنين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خص أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر العظيم بمزايا وعطايا كثيرة، وبليلة القدر التي أنزل فيها القرآن المبين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، كان أشد الناس حرصا على إقامة شعائر الدين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، هاهي ذي أيام رمضان تمضي سراعا، ونحن نعيش الآن ما تبقى من العشر الأواخر منها، هذه العشر العظيمة التي كان يجتهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يجتهد في غيرها، ففي الحديث الصحيح عن أمنا عائشة (ض) أن النبي صلى الله عليه وسلم ” كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره” ومعنى أحيا الليل أي استغرقه بأنواع الطاعات والمبرات، كالتهجد بالصلوات، وغيرها من أعمال البر وقد جاء في حديث عائشة الآخر: “لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القران كله في ليلة ولا قام ليلة حتى الصباح ولا صام شهرا كاملا قط غير رمضان”، وحري بنا أيها الإخوة الصائمون الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم بالجِدّ والاجتهاد في عبادة الله، وألا نضيّع ما تبقى من ساعات هذه الأيام والليالي، فإن أحدنا لا يدري لعله لا يدركها مرة أخرى فهل ياترى قمنا فيه بما أمرنا به؟، وهل اتقينا في هذا الشهر ربنا وأدينا حقوقه التي أوجبها علينا مع المحافظة على آداب الصيام التي تزكي أعمالنا؟، وهل صمناه إيمانا واحتسابا لنستحق الجزاء الذي بشرنا به رسولنا حين قال: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، وهل أحسننا فيه لأنفسنا بمعاملتنا مع الكبير والصغير، والغني والفقير، والبصير والضرير، وحافظنا على حقوق الجار والأجير، لأن الصيام الحقيقي له تأثير، فهو ينور القلب و يهذب النفس ويقوي العزيمة ويعرف العبد مقدار النعمة، ويملآ القلب رحمة، ويحرك الشعور نحو فعل الخير من أجل نيل الدرجة ودفع النقمة، فهل أحسننا فيه إلى الفقراء والمحتاجين، وبررنا الآباء والأمهات والمساكين، وحصلنا فيه على رضى رب العالمين الذي يقول: “ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون”. أيها الصائمون، لقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: “رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له”، فمن فاته شيء من فضائل رمضان في الأيام الماضية، فقد بقي أمامه فرصة ثمينة قلما يجود بها الزمان، إنها ليلة القدر الساطعة البرهان التي جعلها الله بداية لنزول القرآن، قال تعالى: “إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلام هي حتى مطلع الفجر”، ما صادفها إنسان وسأل الله فيها شيئا من خيري الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، فالتمسوها إخواني في ما تبقى من هذه الليالي، فقد تواطأت الأخبار والآثار على أنها من الليالي الوترية من العشر الأواخر، وأنها ليلة السابع والعشرين من رمضان، فعن ابن عمر (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين”، وعن أبي بن كعب أنه قال: “والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان، ووالله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها وهي ليلة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها”، وقال صلى الله عليه وسلم: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، وعن أمنا عائشة (ض) قالت: قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟، قال صلى الله عليه وسلم: “قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”، واعلم أخي الصائم وأختي الصائمة أنك لن تظفر بهذا الفضل الكثير والعطاء الجزيل إلا إذا قمتها وأحييتها بالعبادات المتنوعة، والإخلاص لله بالأعمال المشروعة، والتوجه إلى الله بالدعوات المأثورة. فأكثروا فيها من الذكر والإستغفار ورفع الأكف إلى الله العزيز الغفار ليهدينا جميعا إلى سواء السبيل، وأن يرفع عنا وعن أمتنا هذا والوباء وجميع البلاء، وأن يردنا ردا جميلا إلى صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن يهزم أعداء الإسلام والمسلمين، وأن يجعل كيدهم في نحورهم ببركة هذا الشهر العظيم، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

 أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، لقد شرع لكم ربكم في ختام هذا الشهر المبارك عبادات نتوج بها ما كنا فيه من عبادة الصيام، أولها زكاة الفطر وهي فريضة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الكبير والصغير والذكر والأنثى وعلى الغني والفقير والعبد والأجير، وهي زكاة للأبدان وطهرة للصائم من اللغو والرفث ومن كل ما يصدر عن الإنسان من صغائر الآثام، وهي شكر لله على إتمام الصيام وإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام تغنيهم عن ذل السؤال في يوم الإنتهاء من الصيام، يخرجها المسلم عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من زوج وأولاد وآباء وخدم، ولا يلزم إخراجها عن الحمل الذي في البطن، ولا عمن مات في رمضان، ويخرجها المسلم في البلد الذي وافاه تمام الشهر فيه. وإن كان من يلزمه أن يفطر عنهم في بلد وهو في بلد آخر فإنه يخرج فطرتهم مع فطرته، كما يجوز أن يفوضهم في إخراجها عنه وعنهم في بلدهم، ومن لزمت غيره فطرته فأخرجها هو عن نفسه فلا بأس، ووقت إخراجها يبدأ بغروب شمس ليلة العيد ويستمر إلى وقت الشروق من يوم العيد بقليل، لما رواه البخاري عن ابن عمر (ض) قال: “أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخرج زكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة”، وقال صلى الله عليه وسلم: “فرضت زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات”، ويجوز إخراجها  قبل يوم العيد بيوم أو بيومين، والمستحقون لها هم المستحقون للزكاة المفروضة في قوله تعالى :”إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل”، ومقدارها صاع من القمح أو الشعير أو الدقيق مما يقتات به أهل البلد، وهو الأفضل والأحسن عند العلماء، وهو ما كان عليه العمل عند السلف الصالح، ولا يجوز دفع القيمة إلا إذا كانت المصلحة تدعو إلى ذلك، وقيمتها هذه السنة حسب تقويم المجلس العلمي الأعلى خمسة عشر درهما عن كل فرد، كما شرع الله الإكثار من التكبير عند إكمال الصيام بعد الإعلان عن العيد لقوله تعالى: “ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون”، وشرع الله لكم صلاة العيد وهي من تمام ذكر الله وشكره على الإتمام وعتق أهل الكبائر من الصائمين، فيلحق فيه المذنبين بالمحسنين، وذوي الأخطار من الذنوب بالأبرار، وتعطى فيه الجوائز للصائمين القائمين والمجدين المجتهدين الذين أخلصوا فيه العمل لله رب العالمين، اللهم اجعلنا منهم، وممن “قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون”، الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *