خطبة في موضوع: علاقة المتعلم بالمعلم

الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، أخرج الإنسان من بطن أمه لا يعلم شيئا، وزوده بالقدرة التي يدرك بها ما يسمع ويرى، نحمده تعالى

 

ونشكره على ما من به علينا وأسدى،
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، المبعوث لتعليم البشرية الأخلاق المثلى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المهتدين بهديه، المتخلقين بأخلاقه الفضلى، وسلم تسليما كثيرا
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الأسبوع الماضي تكلمنا عن أحوال الدراسة والمسؤولية الجماعية التي تتحملها الأمة في إعداد جيل المستقبل، تلك المسؤولية الملقاة على عاتق الآباء والأمهات أولا، ثم على عاتق الأساتذة والمعلمين، وكل المشتغلين في الحقل التربوي ثانيا، ثم المسؤولية الملقاة على عاتق الأمة بأكملها انطلاقا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته،
واليوم بإذن الله تعالى، نريد الإشارة إلى علاقة المتعلم بالمعلم التي تبنى في الإسلام على نحو من الاحترام والتواضع والتقدير الذي ينبغي أن يتعامل به المتعلم كيفما كان مستواه سواء ابتدائيا أم جامعيا أم أكاديميا تأسيا بأسلافنا الصالحين الذين ظهرت عليهم بركات تواضعهم لأساتذتهم فكانوا قدوة في كل شيء، كما نذكر بمسؤولية الأستاذ تجاه أمته وتجاه أبنائه الروحيين الذي ينهلون من علمه ويتأثرون بأخلاقه، لدرجة أصبح فيها المعلم والأستاذ يحتل المكانة اللائقة به في مجتمع المسلمين اعترافا بفضله على الأمة فهذا عبد الله بن المبارك عالم أهل خراسان ينزل ذات يوم مدينة الرقة وكان إذا خرج التف الناس حوله وعظموه من أجل علمه، وكان بها يومئذ الخليفة هارون الرشيد، ورأت زوجه موكب ابن المبارك فسألت ما هذا؟ قالوا لها: هذا عالم أهل خراسان قدم الرقة، يقال له عبد الله بن المبارك، فقالت: هذا والله هو الملك، لا ملك هارون الرشيد، لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان،
وهذه أيضا العالمة المصرية الفاضلة نقية بنت غيث، كانت تلميذة للحافظ المحدث أبي طاهر السلفي، وذات يوم عثر أستاذها فجرحت قدمه، فشقت فتاة في داره قطعة من خمارها وربطت بها الجرح، وعلمت تقية بالحادث بعد ذلك فأنشدت تقول:

 

لو وجدت السبيل جدت بخدي ** عوضا عن خمار تلك الوليدة
كيف لي أن أقبل اليوم رجلا ** سلكت دهرها الطريق الحميدة

أيها الآباء والأمهات، إنه لا ينبغي شرعا ولا قانونا أن نضع المسؤولية كلها على كواهل التلاميذ وحدهم، ولا على كواهل رجال التعليم وحدهم، وإن كانوا لا يستطيعون التخلص من مسؤولياتهم الجسيمة، فهناك الأسرة أيضا التي كادت أن تتخلى عن واجبها الذي ألقاه الشرع على كاهلها وألزمها برعاية الأولاد صغارا وكبارا، قال صلى الله عليه وسلم “الزموا أولادكم وأحسنوا تربيتهم”، لقد زاد التحرر في داخل الأسرة الطين بلة حتى خرج الأولاد على الحد المطلوب والقدر المرغوب إلى حد التسيب نظرا لانشغال الآباء بفتنة الدنيا  وتخلي الأمهات عن صيانة الأبناء والبنات ووقايتهم من التيارات الجارفة والآفات المنتشرة على جميع الأصعدة، والتي تريد أن تعبث بقيم الحياة الفاضلة مما تسبب عنه انعدام التعاون بين البيت والمؤسسات التعليمية،
ثم إن هناك مسألة أخرى لا تقل خطورة هي مسألة الإهمال البالغ في التعليم بحشد المعلومات وتنمية المعارف باللغات الأجنبية والعلوم العصرية دون رعاية كافية للتربية الإسلامية والتهذيب وغرس الأخلاق الفاضلة المحمدية، لأن “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ويلهمه رشده”، وهناك ضياع سلطة الوالدين وانعدام هيبة الولد لهما وخوفه من عقابهما، وما دام الولد مدللا عند أبويه الذين يذكران المدرسة والمربين بسوء في حضرته، فكيف يحفظ هذا التلميذ حقوق معلميه في نفسه وفي مدرسته، وكيف نستطيع  تطبيق ذلك المبدأ السليم والقول الحكيم الذي نردده ونتذكره، ولكننا لا نجد له تأثيرا على النفوس أو موضعا في القلوب.

إن المعلم والطبيب كلاهما ** لا ينصحان إذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه ** واصبر لجهلك إن جفوت معلما

أيها الآباء والأمهات تذكروا جيدا أن الأسباب الرئيسية في حسن العلاقات بين التلاميذ والمعلمين في المؤسسات كانت منذ بدء الطريق مبنية على أساس متين، إنه الرابط الروحي والخلقي والإخلاص لله رب العالمين، ولو نهضت البيئات التعليمية على هذا الأساس المتين، لتوثقت علاقات المحبة والتقدير والتضحية بين الناشئين والمعلمين كما نشأ فتية الجيل الماضي في ظلال التوقير والاحترام، وكانت لهم شخصياتهم وجهودهم وخطواتهم في كل ميدان لأن نشأتهم كانت دينية، ولأن تربيتهم تعطرت بالقرآن والسنة النبوية والعلوم الإنسانية فجمعوا بين الحسنيين، ولن ينجح اللاحقون إلا بما نجح به السابقون، قال صلى الله عليه وسلم : “ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق، ذو الشيبة في الإسلام، وذو علم، وإمام مقسط”، وقال لعلي رضي الله عنه: “يا علي لأن يهدي الله بك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس من حمر النعم”.
جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.

الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون، إن التعاون بين البيت والمدرسة أمر ضروري تحتمه المصلحة العامة لتنشئة أبنائنا وبناتنا تنشئة دينية إسلامية صالحة تعمل على غرس القيم الصحيحة، وتوجيه الناشئة إلى ما يعنى به الدين ويدعو إليه من علوم ومبادئ أخلاقية إسلامية كتعليم القرآن والسنة النبوية وعلوم العربية والرياضيات، واللغات الأجنبية والعلوم العصرية، والرياضة البدنية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير”،
وإن التربية الصحيحة هي التي تعود الأبناء منذ صغرهم على  الفضائل والأخلاق الحسنة لأن من الصعب على الإنسان البالغ أن يقلع عن عاداته السيئة التي أكتسبها في الصغر، ولعلك أخي المسلم تدرك هنا معنى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نأمر أولادنا بالصلاة وهم في سن السابعة وأن نعاقبهم على تركها في سن العاشرة مع أنهم في سن العاشرة لا يكونون في العادة قد وصلوا إلى سن البلوغ وبالتالي لا يكونون مكلفين شرعا، وما ذلك إلا لبيان أهمية التعود في التربية بالنسبة للطفل،
وليس من شك في أن الطفل إذا نشأ في جو ديني محبوب فوجد أهله من حوله يتدينون ووجد معلميه أمامه وفي أقسامهم يعملون وبشريعة ربهم متمسكون، يقيمون الصلاة ويصومون ويؤدون الواجبات ويخلصون، ويعملون على نشر الفضائل الإسلامية التي هم بها مؤمنون، فإن قلب الطفل سيتعلق بالإسلام ويشب عليه، أما إذا تركنا الطفل بلا توجيه في بيئة لا تتقيد بالإسلام وآدابه، ثم شكونا بعد ذلك من انحرافه فإننا سنكون بإزاء تناقض واضح مع أنفسنا لأننا فرطنا في واجباتنا وتخلينا عن مسؤولياتنا.
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *