خطبة في موضوع: الدخول المدرسي

الحمد لله، الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، وأمره بالقراءة والتعليم طلبا للهدى والبرهان، سبحانه العليم الحكيم، (يعلم ما في السماوات وما في الأرض

ويعلم ما تسرون وما تعلنون، وهو عليم بذات الصدور)،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، بعثه الله معلما، وبشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا،عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون أول آية نزلت على قلب رسول الله ص، بل أول آية سمعتها أذنه عليه الصلاة والسلام، هي الأمر بالقراءة، قال تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وبك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مكانة القراءة والتعلم في ديننا الحنيف، وبعد أيام سينطلق الموسم الدراسي ، موسم القراءة والتعلم ، موسم التعبئة العامة المتجددة كل سنة للآباء والأمهات والأولياء، تعبئة رعاية وتربية وتعليم فلذات الأكباد، جيل المستقبل ورجال الغد، وأمل الأمة، وإنها لرسالة جليلة سامية، تقع على كاهل الأمة والمجتمع والأسر، من أجل إعداد الناشئة لمستقبل لا يرحم من لا يأخذ بما تقتضيه ظروف العصر من أسباب العلم النافع، والتربية القويمة، والسلوك الحسن، لإسعاد الأمة ورفع مختلف التحديات.
إخوة الإسلام، إن أثمن كنز يورثه الآباء للأبناء، وأنفس ذخر يضمن مستقبلهم ويعلي شأنهم، إنما هو التعلم، وإن من حق الطفل على أبويه أن يسهرا على تعليمه ويهتما بتكوينه، ويوجهاه التوجيه السديد السليم ليصبح مواطنا صالحا، يشرف أسرته، وينفع وطنه. فعلى الأمهات والآباء والأولياء استشعار أهمية مؤسسة الأسرة باعتبارها المؤسسة التربوية الأولى التي تؤثر إلى حد بعيد في تنشئة الأطفال وإعدادهم للتمدرس الناجح، كما تؤثر في سيرورتهم الدراسية والمهنية، لأن الأسرة هي البيئة التعليمية العظيمة التي يفتح عليها الطفل عينيه، ويقضي فيها السنوات الأولى من عمره، فيكون أكثر استعدادا للتأثر، لذلك ينبغي أن تكون الأسرة في مستوى الإدراك العميق لهذه المرحلة لتستغلها أحسن استغلال في التأديب والتوجيه وغرس القيم النبيلة، قال تعالى: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه)، فالطفل يولد صفحة نقية، ويتشكل بحسب ما يحيط به ويؤثر فيه، ومسؤولية الأسرة هنا  عظيمة، ولا تنتهي بتسليم الطفل إلى المدرسة، بل هي مستمرة حتى ينهي الطالب ما يطيقه من مراحل الدراسة بنجاح.
أيها المؤمنون، إن المدرسة والأسرة مؤسستان تربويتان لا بد من  تعاونهما لتعطي التربية ثمارها، فكما يحرص الآباء على إطعام أبنائهم وكسوتهم، عليهم أن يحرصوا على تربيتهم وتعليمهم، والمدارس ستفتح أبوابها لاستقبال أبنائكم وبناتكم، فأكرموهم بالعلم والمعرفة، فإن أعظم ما نحل أب ابنه علم وأدب حسن، فلننخرط جميعا، معشر المسلمين، في الجهود المبذولة لتفعيل المقتضيات المتعلقة بإجبارية التعليم إلى حدود خمس عشرة سنة، وذلك بتسجيل أطفالنا وبناتنا البالغين سن التمدرس في المدرسة، وتتبع مسارهم الدراسي والتصدي بما يلزم من الصرامة لظاهرة الانقطاع الدراسي، وبذل مجهود خاص لتشجيع تمدرس الفتيات في القرى والبوادي.
وإن أعظم جناية ترتكب في حق الأبناء أن يحرموا من الدراسة والتعليم، ويجبروا على التعاطي للحرف والمهن وهم في زهرة العمر وسن التمدرس والتعلم.
أيها الإخوة المؤمنون، إن العملية التربوية عظيمة الشأن، جليلة القدر، لذلك فإن النهوض بها لا يقع على عاتق المدرسة والآباء والأمهات والأولياء فحسب، بل هي عملية تتدخل فيها كل مكونات المجتمع ومؤسساته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالتربية والتوجيه والإرشاد، رسالة تتطلب تظافر جهود الجميع من أجل إعانة المدرسة على الاضطلاع بوظيفتها على أكمل وجه.
فالأسرة مسؤولة، والإعلام بمختلف أصنافه مسؤول، والشارع مسؤول، والهيئات والمنظمات والجمعيات كلها مسؤولة، ولا يمكن لأي طرف من الأطراف تحت أي ذريعة مهما كانت، التملص من مسؤولية المشاركة في الإعداد الأمثل والتكوين الأمتن لناشئة اليوم التي هي رجاء الأمة غدا. جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله  وأولئك هم أولوا الألباب. آمين والحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية
أيها المؤمنون، يقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، في هذه الآية الكريمة يأمرنا الله تعالى أن نتعاون فيما بيننا على البر وفعل الخيرات، وإن من أعظم وجوه البر والتعاون، مساعدة الأسر العاجزة عن الوفاء بمتطلبات الدخول المدرسي، وهذا يفرض، من واجب التضامن والتآزر بين شرائح المجتمع، قيام من أفاء الله عليه من خيره وفضله بأعمال  اجتماعية إحسانية لصالح التلميذات والتلاميذ المعوزين لتيسير تمدرسهم، كتوزيع الحقائب المدرسية والألبسة، ودعم الداخليات والمطاعم المدرسية ودور الطالب والطالبة، وتعزيز خدمات النقل المدرسي خاصة بالوسط القروي، وهذا لعمري  من تنفيس الكرب وإدخال السرور على النفوس امتثالا لقول الرسول الأكرم ص: “من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة”.
عباد الله، إن أبناءنا وبناتنا أمانة في أعناقنا، وسنحاسب لا محالة على كل تفريط لا قدر الله في تربيتهم وتعليمهم، فلنقدر جميعا هذه الأمانة حق قدرها، ولنستحضرها في كل وقت وحين.
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *