الصلاة ثمرة من ثمار معجزة الإسراء والمعراج

الصلاة ثمرة من ثمار معجزة الإسراء والمعراج

الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير

الحمد لله، الحمد لله الذي أكرم نبينا بالمعجزات، وأيده بالبراهين الساطعات، وأسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المحفوف بالبركات، ثم عرج به إلى أعلى الدرجات، نحمده تعالى ونشكره على ما أسبغ علينا من خيرات، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو خالق الأرض والسماوات، شرف نبينا محمدا وأمته تشريفا عظيما بمعجزة الإسراء والمعراج اهتزت له المخلوقات، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الخاتم للرسل والرسالات، تلقى من ربه هدية عظيمة وهي فريضة الصلاة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون المؤمنات، في الجمعة الماضية تناولنا الحديث عن معجزة الإسراء والمعراج التي لا زلنا نتفيأ ظلالها، ونتملى في اكتشاف أسرارها، بذكر نتائجها وآثارها على حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته من بعده إلى أن يرث الله الأرض والسماوات، قال تعالى: “وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ، مَا ضَلَّ صَـٰحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ، وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَىٰ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ذُو مِرَّةٍ،  فَٱسْتَوَىٰ وَهُوَ بِٱلأفُقِ ٱلاْعْلَىٰ، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ، فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ، مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ، أَفَتُمَـٰرُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ، وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ، عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ، عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ، إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ، مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ، لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءايَـٰتِ رَبّهِ ٱلْكُبْرَى”. أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، فمعجزة الإسراء والمعراج ليست كباقي المعجزات التي اختص الله بها رسله تنقضي وتنتهي عبر الزمان، بل كتب الله تعالى أن تخلد مع الإنسان طول الزمان، وعلى كل حال، وهي بمثابة عروج روحاني لكل مسلم خمس مرات في اليوم والليلة يقف بين يدي ربنا سبحانه وتعالى كما وقف حبيبنا المصطفى قاب قوسين أو أدنى من ربنا عز وجل، ويناجيه كمناجاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى، ويتلقى من ربه هدية الكريم بقبول مناجاته، واستجابة دعائه،  لذا كانت الصلاة أحب الأشياء إلى رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال: “وجعلت قرة عيني في الصلاة”، وكان ينادي بها مؤذنه بلال ابن رباح فيقول له: “أرحنا بها يا بلال”، أيها الإخوة المؤمنون، ونحن نتأهب لكل صلاة، ينبغي أن نجعل نصب أعيننا أن فريضة  الصلاة ليست كغرها من الفرائض الأخرى  التي فرضها الله على أمة المسلمين، فكل الفرائض نزل بفرضيتها أمين الوحي جبريل عليه وعلى رسولنا أفضل الصلاة والتسليم، بينما فريضة الصلاة كانت فرضيتها على الأمة في موكب تكريم رباني، تميز باستدعاء نبينا ليلة الإسراء والمعراج لحضرة القدس ليتلقاها صلى الله عليه وسلم من ربنا مباشرة، وهذا دليل على علو مكانتها من بين الفرائض، وأن جميع المسلمين مطالبون بأدائها، ولا يعذر أحد بتركها، يؤديها المسلم بطهارتها وبخشوعها وبإقامتها في وقتها والمحافظة عليها، وإذا تعذر عليه ذلك، لمرض أو علة فإن الله تعالى جعل من اليسر أسبابا لإقامتها، فبدل الوضوء نتيمم، وبدل القيام نؤديها قعودا أو على جنوبنا، وإذا تعذرت إقامتها في وقتها فإنها تؤخر أو تجمع مع صلاة أخرى، لكنها تؤدى على كل حال، فالصلاة يؤمر بها كل مسلم بلغ سبع سنين، ولا تسقط عن البالغ سفرًا ولا مرضًا، ولا تجب على أحدٍ دون أحدٍ، أما غيرها من العبادات فلا تجب على كل مسلم، فالصوم لا يجب إلا على القادر، والزكاة لا تجب إلا على من ملك مالا وبلغ نصابًا، والحج لا يجب إلا على المستطيع. أيها الإخوة المؤمنون، لقد علم سلفنا الصالح أسرار إقامة الصلاة فكانوا أشد حرصا على المحافظة عليها في أوقاتها، وإقامتها بما يليق وشأنها من طهارة حسية ومعنوية، فهي معراج الأرواح، وطاقة ربانية يجد لذتها من عرف مكانتها، قال صلى الله عليه وسلم: “اعلم أنك لا تسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة وحط عنك بها خطيئة”، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن العبد إذا قام يصلي أتي بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه”، ويُؤَيِّدُهُ مَا رواه الإمام مسلم عَن سيدنا عُثْمَانَ (ض) أَنَّهُ دَعَا بِطَهُورٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: “مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِن الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ”، وعن سيدنا عبد الله بن مسعود (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تحترقون تحترقون ، بمعنى تقعون في الهلاك بسبب الذنوب الكثيرة فإذا صليتم الصبح غسَلَتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا”، وقال أيضا في بيان فضلها: “صلاة في إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين” أَيْ مَكْتُوب وَمَقْبُول تَصْعَد بِهِ الْمَلَائِكَة الْمُقَرَّبُونَ إِلَى عِلِيِّينَ لِكَرَامَةِ الْمُؤْمِن وَعَمَله الصَّالِح. أيها المؤمنون، فضائل فريضة الصلاة ليس لها عد ولا حصر، ولا تفي خطبة جمعة واحدة لإستقصائها، وإنما نشير إلى بعض منها لتكون لنا نبراسا نستضيئ به كلما استقبلنا القبلة، مستشعرين وقوفنا ومناجاتنا لربنا عز وجل، بتلاوة كتابة ورفع حوائجنا إليه، واثقين بأنه سبحانه وتعالى ما فرض الصلاة علينا إلا ليمنحنا ما نحتاجه، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ، إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ”، فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا عِظَمَ قدر الصلاة، واحرصوا عليها رحمني الله وإياكم، وأكثروا من التوبة والاستغفار، فإن الله يحب التوابين والمستغفرين والمنيبين وكونوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. نفعني الله وإياكم بكتابه المبين، وبسنة نبيه المصطفى الأمين، وغفر لي ولكم وللمسلمين أجمعين، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

 الخطبة الثانية

أيها الإخوة المؤمنون، من النعم التي أكرمنا الله بها في هذا الكون الفسيح، نعمة الذرية والتي تعتبر هبة من الله عز وجل لمن شاء من عباده، مصداقا لقوله  تعالى: لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما، إنه عليم قدير”، فالأطفال  كما وصفهم الله تعالى: “زينة الحياة الدنيا”، وهم استمرارا لعمـل الإنسان بعد موته، فعن سيدنا أبو هريرة (ض) أن النبي صلـــى الله عليه وسلم قال: “إذا مات الإنسان انقطع عملُه إلا من ثلاثــــة صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له”، ولكن في الآونة الأخيرة أصبح مما يلفت النظر بشكل خاص وجود فئات من الأطفال والقاصرين يستغلون في التسول على جنبات الطريق، في حين أن  مكانهم الطبيعي ليس الشوارع بل هو المدارس وبجوار آبائهم وأمهاتهم، وفي وسط يضمن كرامتهم ويقوي نفسيتهم، وقد أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله في توجيهاته السامية إلى الحكومة على أهمية المسالة الاجتماعية، وأن حماية الطفولة تقع في صلب تلك المسألة، باعتبار أن هؤلاء الأطفال هم عصب المجتمع المغربي في السنوات القادمة، ومستوى حمياتهم وتمكينهم الدراسي سينعكس على صورة المجتمع المغربي بعد سنوات قليلة، ومن هنا أطلقت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية حملة لحماية الأطفال من الإستغلال في التسول، التي تهدف إلى  إرجاع الطفل إلى وسطه الأسري، أو إيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي ينبغي أن نكون نحن أيضا منخرطون فيها بعدم تشجيع هؤلاء الأطفال على التسول، أو مدهم بالمال الذي يستميلهم إلى التعود على الكسب واستجداء الناس، وربما يدفع بهم إلى الإنحراف والجريمة، ويتسبب مباشرة في بتر شريحة هامة من المجتمع، لذا علينا أن نساهم نحن أيضا من أجل إنجاح  هذه الحملة وإنقاذ الأطفال من أيادي المكر التي تتاجر في أهم عنصر لرقي المجتمع وضمان استمراره إلا وهو الأطفال، والضرب على يد المتاجرين والمستغلين لهذه الفئة من أبناء أمتنا. مستحضرين قول ربنا عز وجل: “وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ، فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا”. الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *