التبرع بالدم

بسم الله الرحمن الرحيم           

 التبرع بالدم

الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير

الحمد لله، الحمد لله مدبر الأكوان، أكمل خلق الإنسان، ومتعه بالصحة وأرشده إلى ما فيه مصلحته بالسنة والقرآن، نحمده تعالى ونشكره على نعمة الإيمان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى اتخاذ الوسائل للمحافظة على صحة الأبدان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وسلم تسليما كثيرا ما تعاقبت الأيام و توالت الأزمان، أما بعد،

فيا أيها الإخوة المؤمنون، إن نعمة الصحة الجسدية، من أجل النعم التي وهبنا إياها ربنا عز وجل، فلذا علينا جميعا، شكر هذه النعمة بالمحافظة عليها، وعدم تعريضها لما يفسدها، من تناول للمخدرات، والمسكرات، والإفراط في المآكل والمشارب، لذا نجد ديننا الإسلامي يحث على سلامة الأبدان، وحارب المرض بجميع أشكاله، فأمر بالوقاية، وهي أفضل من العلاج، وحث على لسان رسوله بالتداوي فقال صلى الله عليه  وسلم فيما رواه الأئمة أحمد والترمذي والنسائي: “تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد وهو الهرم”، وأباح للمريض والخائف من المرض أن يتيمم بدل الوضوء، وأباح الفطر في المرض والسفر والحيض والنفاس والحمل والرضاع والشيخوخة رفعا للحرج ودفعا للعلل والأمراض، كل ذلك أيها الإخوان والأخوات عناية بصحة الإنسان واهتماما بسلامة ووقاية الأبدان من المرض الذي يعطل مهمة الإنسان في هذا الوجود، إذ لا علم إلا بالصحة، ولا جهاد إلا بالصحة، ولا عمل إلا بالصحة، ولا حركة قائمة إلا بالصحة، كما تعلمون، فالصحة هي رأس مال الإنسان، وربحه هو ما يعود عليه بالنفع أو الخسران دنيا وأخرى بواسطة عمله، قال تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، ثم َتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”، وقال صلى الله عليه  وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”،

والصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، وها أنتم ترون من خلال ما عشناه خلال السنة الماضية، وما نعيشه الآن من وباء (كوفيد 19) الذي عجز العلماء عن إيقافه، بل يزيد انتشارا ويتخذ أشكالا جديدة تحت اسم (سارس كوفيد 20)، أوقف الحركة العالمية، ووجهها إلى العمل على أيجاد اللقاحات المضادة لهذا الفيروس المستجد حفاظا على صحة الآدميين، ومن عوامل المحافظة على الصحة العناية بنظافة الثوب والبدن والمكان والفم والأسنان، وعدم الإفراط في النوم والسهر والطعام، وتناول ما يضر بالعقل والجسم والمال من المخدرات والمسكرات وشرب الدخان، هذه الخبائث التي حذر من سوء عاقبتها القرآن وأصبح خطرها الآن منتشرا بين الرجال والنساء في كل مكان، يقول الله تعالى: “وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”، وفي الأثر: “المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء”، وقد استقر هذا المعنى في نفوس المسلمين حتى اشتهر بينهم “أن صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان”،

أيها الإخوة المؤمنون، إن عدم اهتمامنا بصحة أجسادنا، هو السبب المباشر لتعرضنا للأمراض الخطيرة، والتي يستعصي علاجها، وأخطر هذه الأمراض هو ما يتعلق بمادة حيوية، لا نجدها في الصيدليات، ولا تنتجها المختبرات على تقدم العلم في جميع أنحاء هذا الكون الفسيح، وإنما تنتجها الأجساد البشرية السليمة، التي حافظ أصحابها على نعمة الصحة وجنبوا أنفسهم المهالك لتبقى سليمة نافعة إنها الدم البشري، الذي تتوقف جل الإستشفاءات عليه، والذي تعاني بنوك الدم في بلادنا من نقصانه، لكثرة الطلب، ونذرة بعض أصناف الدم التي تتوقف عليها حياة إخواننا المرضى، وقلة المتبرعين، خاصة في أيامنا هذه وفي ظل هذه الجائحة، إذ لا يخطر على بال الكثيرين منا أن نتبرع بهذه المادة الضرورية لحياة الإنسان، والتي نحتاجها في العمليات الجراحية، وعند حدوث الكوارث، وعندما تعجز بعض الأجساد السقيمة على إنتاجه، وننتظر حتى تكون حملة يكثر فيها المتبرعون وتعجز مراكز تحاقن الدم على استيعابهم، خاصة في مدينتنا هذه، إذ أصبح الطلب كثيرا، والمرضى ينتظرون قطرات من الدم ربما تكون السبب في شفائهم وإبقائهم على قيد الحياة، لذا إخوتي الكرام، أحثكم وأحث نفسي على المبادرة الفورية للتبرع بالدم، بنية إنقاذ أرواح بشرية من إخواننا وأخواتنا،  وتعبيرا عمليا عن شكرنا لله على نعمة الصحة والعافية الجسدية، وأداءا لحق الزكاة عن سلامة أجسادنا التي أخبر عنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الشيخان، عن سيدنا أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ”، ولا شك أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات أن التبرع بالدم يدخل في هذا الإطار، إذ المقصود في الحديث هو الجود بصحة الأجساد لفائدة العباد. فاللهم إنا نسألك دوام العافية، وتمام العافية، والشكر على العافية، والغنى عن الناس، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

 التبرع بالدم هو زكاة عن الصحة البدنية، وهو فرض كفاية، وفيه  فضل إنقاذ حياة إنسان، قال تعالى: “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”، وفيه أيضا فضل تفريج الكربات فقد قال صلى الله عليه وسلم: “من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة” وتبرعك بالدم يفرج كربة أخيك المريض المكروب. فانت أخي المؤمن، عندما تتبرع بدمك تحي نفسا كادت أن تموت من نقص الدم، أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، إن التبرع بالدم سلوك نبيل ومبادرة انسانية من شخص سليم لشخص مريض ينزف بسبب حادث أو عملية جراحية ويحتاج القليل من دمك حيث تصبح قطرات الدم في هذه الحالات بمثابة إكسير الحياة، واعلم أخي المتبرع بالدم، أنك أول مستفيد من هذا التبرع، لآن فيه فوائد صحية للمتبرع نجملها فيما يأتي: زيادة نشاط نخاع العظام لإنتاج كميات جديدة من الدم (كريات حمراء وكريات بيضاء وصفائح دموية) فيؤدي إلى زيادة نشاط الدورة الدموية، ثم تقليل نسبة الحديد في الدم مما يقلل مخاطر الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين، التبرع بالدم يمنح المتبرع فرصة للتأكد من خلوه من أمراض الالتهاب الكبدي بأنواعه وسرطان الدم والزهري والإيدز وغيرها، الذين يتبرعون بدمهم مرة واحدة على أقل كل سنة هم أقل تعرضا للإصابة بأمراض الدورة الدموية و سرطان الدم، التبرع بالدم يعطيك إحساسا بالرضى والفخر، كما أن فيه فائدة إنسانية كبيرة في إنقاذ المرضى، وتيقن أخي المؤمن أنه لا توجد مضاعفات للتبرع بالدم إذا كنت ملائما للتبرع بعد الفحص الكامل، فأعط أخاك المريض فرصة للحياة بمنحه القليل من دمك فهذا أكرم الكرم،  الدعاء.

خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، الجمعة  8 جمادى الثانية 1442 موافق 22 يناير 2021     

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *