فاكهة المجالس: الغيبة 3

بسم الله الرحمن الرحيم

فاكهة المجالس: الغيبة 3

الأستاذ مولاي يوسف بصير

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، ونهاه عن الغيبة والنميمة والكذب وآفات اللسان، نحمده تعالى ذي العرش المجيد، الفعال لما يريد، أحاط بكل شيء علمًا، وهو على كل شيء شهيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو أقرب إلى عبده من حبل الوريد، وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله نشر أعلام التوحيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان من صالح العبيد، وسلم تسليما كثيرا،

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات،في الجمع الماضية تناولنا الحديث عن الغيبة باعتبارها من أكبر آفات اللسان، وباعتبارها ممحقة للأعمال الصالحة التي يتعب الإنسان في الحرص عليها ثم يهدمها بالوقوع في أعراض إخوانه وأخواته من المؤمنين، فتأكل الغيبة حسناته كما تأكل النار الحطب، ويبوء بعد ذلك بالخسران المبين يوم العرض على رب العالمين، وتكلمنا عن الأدوية التي وصفها الصالحون لمن ابتلي بهذا الوباء العظيم، المتمثل في الالتجاء إلى الله والافتقار إليه ودعاؤه سبحانه بأن يقينا شرور أنفسنا، وثانيها:تعظيم هذا الذنب، وتذكير النفس بأنه من أفظع العيوب في حق المسلم، وثالثها: التزام الصمت في حضرة الناس، ورابعها: الاهتمام بالنفس وعدم الاهتمام بالناس،لأن الغيبة من أعمال النفس التي أمرنا بتزكيتها، وتأديبها بالآداب التي ترضي ربنا عز وجل،

واليوم أيها المؤمنون والمؤمنات نواصل بإذن الله تعالى الحديث في نفس الموضوع، وأخاطب نفسي أولا وأخاطبكم بقولي، أحبابي إن لنا عيوبًا احترنا في كيفية التخلص منها، فعلينا أن نكتر من تذكرها، فإن الذي يتذكر عيوب نفسه ويشتغل بإصلاحها يستحي أن يعيب الناس، فإن عبت قومًا بالذي فيك مثله ** فكيف يعيب الناس من هو أعور ** وإن عبت قومًا بالذي ليس فيهم  ** فـذاك عنـد الله والناس أكـبر.

أيها المغتاب النمام، استمع إلى عقابك في القبر، ففي الصحيحين عن ابن عباس (ض) أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: “أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة”، وفي رواية أخرى “كان يغتاب الناس”، وفي رواية أخرى: “كان يأكل لحوم الناس”، فالمغتاب يعذب في القبر بسبب الغيبة، ولكن كيف يعذب في قبره؟ يخمش وجهه بأظفاره حتى يسيل الدم من وجهه وفمه وعينه ومنخره كما كان يغتاب الناس في الدنيا جزاءا وفاقا، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح من حديث أنس (ض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم”،أيها المؤمنون، قيل لبعض الصالحين: لقد وقع فيك فلان حتى أشفقنا عليك ورحمناك، قال: عليه فأشفقوا وإياه فارحموا. وقال رجل للحسن: بلغني أنك تغتابني، فقال: لم يبلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي.قال الحسن البصري (ح): “والله للغيبة أسرع في دين الرجل من الأَكَلَة في الجسد”. وقال عمر بن الخطاب (ض): “عليكم بذكر الله فإنه دواء، وإياكم وذكر الناس فإنه داء”، فإذا كنت أخي لا تقوى على اتخاذ الأسباب المنجية من الوقوع في الغيبة، فلا تعجز عن القيام من مجلس الغيبة ومفارقته، واعلم أن المستمع للغيبة شريك فيها، والسامع أحد الشاتمين، قال تعالى: “وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَيَخُوضُونَ فِىءايَـٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ، وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِٱلظَّـٰلِمِينَ“، فلا تنجو أخي من إثم الغيبة إلا إذا أنكرت بلسانك، فإن خفت واستحييت فاقطع الكلام بكلام آخر، وإلا لزم عليك القيام من ذلك المجلس.فاللهم إنك تعلم ذنوبنا فاغفرها، وعيوبنا فاسترها، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون،أختم بهذه العبرة هذا ماعز الأسلمي (ض) لما جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأقر عنده بالزنا وطلب من الرسول أن يطهره بالحد فأمر به رسول الله أن يرجم فرجم بعد أن تثبت النبي من إقراره وحاول أن يصرفه عنه، فرجم ثم سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يتحدث أحدهما إلى الآخر فيقول: ألم تر إلى ذلك الذي ستر الله عليه ثم لم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب فسمع الرسول ذلك ثم مر حتى جاء على جيفة حمار منتنة فقال صلى الله عليه وسلم: “أين فلان وفلان؟”ينادي الرجلين الذين قالا تلك المقالة ثم قال لهما: “انزلا فكلا من جيفة الحمار، فقالا: غفر الله لك يا رسول الله أيؤكل هذا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا من هذه الجيفة، فوالذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها”، وفي الحديث: “الربا نيف وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة المسلم في عرض أخيه المسلم”. فأكثروا إخواني أخواتيمن الصلاة والتسليم على أشرف الورى وسيد المرسلين، الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *