نبذة عن حياة العلامة سيدي محمد المختار بصير رحمه الله
هو العلامة الأديب النحوي اللغوي الفقيه الورع الصوفي الشريف سيدي مولاي المختار بصير بن الشيخ سيدي إبراهيم البصير الموذني الرقيبي رحمهم الله، ازداد سنة 1938م
بزاوية والده الشيخ سيدي إبراهيم البصير الدرقاوية، ببني اعياط إقليم أزيلال، توفي والده وله من العمر سبع سنوات، تعلم مبادئ القراءة والكتابة بمدرسة زاوية والده على يد كل من الفقهاء سيدي الحسن أبرييم رحمه الله، وعلى يد الفقيه العلامة سيدي احماد السوسي الهشتوكي رحمه الله .
يذكر أنه ساح مع والده وهو طفل صغير السياحة الصوفية على الدواب في قبائل تادلة وبني عمير والشاوية وورديغة التي تدوم الشهور الطوال، كما يذكر أن أباه كان يراقب تربيته عن كتب حيث كان يراقب حضوره للصلوات الخمس مع الجماعة .وكان والدهم الشيخ سيدي إبراهيم البصير رحمه الله يوقظهم في الصباح الباكر ويسوقهم إلى المسجد لحضور صلاة الصبح وحضور مجلس الذكر الذي يعقد في الزاوية كل صباح قبل شروق الشمس.
وبعد ذلك أرسله والده الشيخ سيدي إبراهيم البصير رحمه الله إلى مدينة الدار البيضاء وله من العمر ست سنوات لدى الفقيه العالم سيدي عبد السلام العامري رحمه الله الذي كان وقتئذ يدرس بفرع زاوية والده بالدار البيضاء بدرب اليهودي سابقا حي الداخلة حاليا.
بعد وفاة والده سنة 1945م انتقل سيدي محمد المختار بصير إلى مدينة مراكش فأتم حفظ القرآن الكريم ودراسة العلم الشريف، فدرس هنا أعواما على يد كل من العلماء: الشيخ الجليل سيدي بوجمعة الهواري بزاوية حي الرميلة، والعلامة الفقيه الأديب المؤرخ الوطني سيدي محمد المختار السوسي الذي كان صاحبنا يواظب على دروسه الجامعة النافعة بمساجد مراكش وخاصة بمسجد باب دكالة وجامعة ابن يوسف، وهكذا درس هنا الأجرومية والألفية والزواوي ولامية الأفعال والبلاغة والأدب والفقه والتفسير والحديث .وتأثر غاية بالشيخ سيدي محمد المختار السوسي رحمه الله حيث أخذ من علمه وأدبه، وكان دائما يحكي لنا عنه الشيء الكثير.
وبعدما بدأت الحماية الفرنسية تضيق الخناق سنة 1951م على جامعة ابن يوسف وعلى الفقهاء الذين كانوا يعلمون في المدارس و الرباطات الخاصة، غادر العلامة سيدي محمد المختار السوسي مراكش إلى الدار البيضاء فالتحق به صاحبنا سيدي محمد المختار بصير لإتمام بغيته ونصيبه من العلم على يده إلى أن لاحقته أيدي الاستعمار من جديد سنة 1952م فنفته وتفرقت جموع الطلبة من حوله.
يقول صاحبنا عن نفسه في هذه الفترة: “هنا حاولت أن أعود إلى مراكش من جديد، فلم أجد لذلك سبيلا نظرا للظروف المادية والسياسية فاضطررت إلى أن أبحث عن عمل، فاشتغلت في كثير من المهن اليدوية ورغم ذلك كنت لا أعاشر إلا طلبة العلم إلى أن من الله على الأمة بالاستقلال” .
بعد هذه الفترة رجع سيدي محمد المختار بصير رحمه الله إلى زاوية والده الشيخ سيدي إبراهيم البصير الدرقاوية ببني اعياط ليخدم خلف والده الأول الشيخ سيدي عبد الله بصير ويعينه على أمور الزاوية، فأقام معه مدة سنتين يخدمه، ثم انخرط في سلك التعليم وأصبح معلما سنة 1957م، وعمل بعدة مدن مغربية كبني ملال والفقيه بن صالح والدارالبيضاء إلى سنة 1962م، حيث اجتاز امتحانات الباكلوريا في هذه السنة وأصبح مدرسا في التعليم الثانوي، كما أبت همته العالية إلا أن تواصل التحصيل والدراسة فحصل على الإجازة في الشريعة من جامعة القرويين في فاس سنة 1976م، و هنا في فاس درس على كل من العالم سيدي جواد الصقلي، والشيخ عبد الله الداودي وأخيه العلامة عبد الكريم الداودي والعلامة الخرشفي والعالمة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ رحمهم الله، وبعد هذا الوقت أصبح مدرسا بمركز تكوين المعلمين لتدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية بالدار البيضاء، كما درس بالمعهد الإسلامي الذي أنشئ بالبيضاء سنة 1971م إلى أن تقاعد سنة 1997م، عين خطيبا بالدار البيضاء سنة 1983م من قبل رابطة علماء المغرب التي كان عضوا في مكتبها، كما أنه كان عضوا بالمجلس العلمي للدار البيضاء.
عرف سيدي محمد المختار بصير بتمسكه بالدين والدفاع عنه في جميع المحافل وعرف بورعه الشديد وإحسانه الكثير مع قلة ذات اليد وبدعوته الوسطية المحبوبة الناجحة، وكان يكثر من زيارة الفقراء وإجابة دعواتهم لإدخال السرور عليهم، كما عرف في الأوساط الخاصة والعامة بوطنيته الصادقة. ساح في العالم وخاصة في البلاد الأوربية والشرق أوسطية، وكان في كل سياحته مثالا للعالم الناسك الذي يعلم ويحدث ويعظ، وكان من الناجحين في مجال الدعوة إلى الله.كما أنه حج واعتمر عدة مرات.
وفي جميع أطوار حياته ظل رحمه الله متمسكا راعيا لأمور زاوية والده سيدي إبراهيم البصير الدرقاوية يساعد إخوانه الذين استخلفوا كشيوخ للزاوية يزورهم المرة تلو المرة غير مالٍّ من كثرة الذهاب والإياب،يدرس ويعظ وينصح ويوجه في كل الأوقات ويجيب عن أسئلة وفتاوى المريدين،كما أنه كان يساعد الفقراء واليتامى المتجردين بالزاوية وله معهم ذكريات جميلة .يقوم بكل هذا رحمه الله رغم كثرة مهامه العلمية بالدار البيضاء، فكان يتنقل بين المدرسة والمعهد والمسجد والجمعيات الخيرية التي ترعى النشء، كما أنه يجيب دعوات الناس ولا يميز بين فقيرهم وغنيهم.
وعندما يجمعه الله بأبناء العائلة يعجبه كثيرا أن يسردوا عليه الكتب في مختلف العلوم الإسلامية، وكنا نستأنس بتصحيحاته النحوية واللغوية، وفي صباح يوم الجمعة الذي توفي فيه طلب من الأخ الشيخ مولاي إسماعيل – الخليفة الحالي للزاوية – وأنا بجانبه، أن يسرد عليه شرح الحكمة العطائية التي يقول فيها سيدي ابن عطاء الله رحمه الله :” لاتترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز “.
وللإشارة فإن العلامة سيدي محمد المختار بصير رحمه الله كان ملتزم بأوراد في طريق التصوف، وهي الأوراد المعروفة في الطريقة الدرقاوية، كما أن الشيخ مولاي محمد المصطفى بصير رحمه الله الذي توفي قبله بأيام معدودة أوعز إليه الأخذ والتجديد عن الشيخ سيدي عبد الحميد الصوفي – شيخ زاوية بيكودين رحمه الله – الذي التزم بأوراده، وكانت السبحة لا تفارق يده في الصباح والمساء. وكان يحضر مجالس الفقراء ويزينها بدروسه.
ومن كرامات هذا الرجل العلامة سيدي محمد المختار بصير أنه أذن بتسجيل هذه النبذة من حياته وأشياء أخرى في آخر ليلة من حياته وهو في أتم نشاطه، وقال لي بعد إتمام الإملاء: “أسأل المولى عز وجل أن يختم علينا بالحسنى والزيادة”، ووافق يوم وفاته يوم الجمعة 4شوال 1427هـ الموافق لـ 28- 10- 2006 م، وبالضبط على الساعة الثامنة والنصف مساء،رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته آمين.
بقلم ابن أخ المشمول بعفو الله ورحمته: الدكتور عبد المغيث بصير
وحرر بالزاوية البصيرية يوم الأحد 29-10-2006.