وقفات مع آية المودة والرحمة بمناسبة اليوم العالمي لمحارة العنف ضد المرأة
وقفات مع آية المودة والرحمة بمناسبة اليوم العالمي لمحارة العنف ضد المرأة
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، قال الله تعالى في كتابه الكريم:” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً “. فمن آيات الله العظيمة في هذا الكون، والتي وجب علينا التفكر فيها، خلقه عز وجل للرجال من أنفسهم أزواجا ليسكنوا إليها، وجعل بينهم مودة ورحمة، ويستفاد من الآية أيضا أن المودة والرحمة مطلوبة من الجانبين، فكما أن المرأة تحب أن يعاملها زوجها بالمودة والرحمة، فالرجل أيضا يحب أن تعامله زوجه بالمودة والرحمة.
أيها المسلمون، فإذا تأملنا في معاني هذه الآية الكريمة، فإننا سنجدها تمثل الأصل في علاقة كل رجل وامرأة فوق هذه الأرض منذ بداية العالم إلى نهايته، وأن هذه العلاقة تبنى بين الطرفينعلى أساس المودة والرحمة والتعاون والتكامل، لا على أساس القسوة والشدة والجفاء والعنف ومنطق الغالب والمغلوب.
لكن إذا تمعنا بعين فكرنا في العلاقة القائمة بين العديد من الرجال ونسائهم في أيامنا هذه، نجدها للأسف الشديد قائمة على الشدة والقسوة والعنف والسلطوية والتحكم عوض خلقي المودة والرحمة اللتين أوصى بهما الله تعالى، خاصة في جانب المرأة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقارورة، وقال في الحديث الذي رواه العديد من أهل السنن بروايات متعددة:” رفقا بالقوارير”، قال العلماء: كَنَّى النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ النِّسَاءِ بِالْقَوَارِيرِ لِرِقَّتِهِنَّ وَضَعْفِهِنَّ، وَالنِّسَاءُ يُشَبَّهْنَ بِالْقَوَارِيرِ فِي الرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ وَضَعْفِ الْبِنْيَةِ، وَقِيلَ:الْمَعْنَى سُقْهُنَّ أيها الرجل كَسَوْقِكَ الْقَوَارِيرَ لَوْ كَانَتْ مَحْمُولَةً عَلَى الْإِبِلِ”، فإذا علمنا إذن بأن المرأة مخلوق ضعيف كالقارورة، والعلاقة القائمة بين الرجل وبينها مبنية على المودة والرحمة، فلماذا يتمادى الرجل في إظهار قوته واستعراض عضلاته على زوجه الضعيفة وابنته اللطيفة الوديعة؟ ولماذا يعاملهن بالقسوة والشدة عوض الحب والعطف والحنان والمودة والرحمة المطلوبة؟
نعم أيها المسلمون، فما أكثر مظاهر العنف التي تشتكي منها المرأة والبنات في أيامنا هذه، فهناك من يشتكين العنف البدني، ومن تشتكين العنف الاقتصادي، وأخريات تشتكين العنف العاطفي واللفظي، مما تسبب في موت بعضهن، وعيش بعضهن بعاهات مستديمة وأمراض نفسية عصيبة، ومنهن من أجهض حملهن من جراء الضرب والعنف، ومنهن من تركن أولادهن وأسرهن عرضة للضياع والتدمير، وغير ذلك من التجليات والتبعيات السلبية التي تعرفونها، والحوادث المؤلمة التي تقرؤونها وتطلعون عليها كل يوم. ويكفي أن تنتهي العلاقة القائمة على المودة والرحمة إلى شقاق ثم إلى قطيعة وطلاق..
فما معنى أن الله تعالى خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة؟ معنى ذلك أن اللهتعالى خلقمخلوقات من نطف الرجال ومن جنسهم. فمن نطفتك أيها الرجل سيخلق الله تعالى بنات سيكن سكنا لأزواج آخرين، فإذا عاشت هذه البنت في بيت ملؤه الرحمة والحنان فإنها تلقائيا ستتربى على تلك الأخلاق الطيبة، وستنقلها إلى بيت زوجها في المستقبل القريب، والعكس بالعكس، قال غير واحد من العلماء في بيان معنى المودة والرحمة: المودة هي الجماع، والرحمة هي الولد، وقال آخرون هي عطف قلوبهم بعضهم على بعض، وهي المحبة والشفقة، وعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال: المودة حب الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء، ويقال: إن الرجلفيه قوة الأرض التي خلق منها فيحتاج إلى سكن، وخلقت المرأة سكنا للرجل، مما فيه من غليان القوة، فإليها يسكن وبها يتخلص من هيجان الشهوة، وللرجال خلق البضع من النساء، روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها”، وفي لفظ آخر: “إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح”.
فلنتمعن جميعا في هذا الحديث العظيم معاشر المسلمين، فالرجل لايحتاج لأن يعامل زوجه بعنف وشدة وقسوة، فيكفيها إذا قصرت في حقوقه ماستناله من رب العزة من غضبولعنة وطرد من رحمته، فإنها إذا لم تعامله برحمة ومودة وطاعة تامة، فلا تطمع في نيل رحمة ربها. وبالعكس إذا صاحبته بالمعروف وطلبت مرضاته وموافقته فإنها تنال رضى ربها عليها وتكون شريكة له في الأجر في كل مايفعل من خير خارج البيت.روى الإمام البيهقي وغيره عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّةِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَنَا وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْكَ، وَاعْلَمْ، نَفْسِي لَكَ الْفِدَاءُ، أَنَّهُ مَا مِنَ امْرَأَةٍ كَائِنَةٍ فِي شَرِقٍ وَلَا غَرْبٍ سَمِعَتْ بِمَخْرَجِي هَذَا أَوْ لَمْ تَسْمَعْ إِلَّا وَهِيَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِي، إِنَّ اللهَ بَعَثَكَ إِلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَافَّةً، فَآمَنَّا بِكَ وَبِإِلَهِكَ، وَإِنَّا مَعْشَرَ النِّسَاءِ مَحْصُورَاتٌ مَقْصُورَاتٌ قَوَاعِدُ بُيُوتِكُمْ وَمَفْضَى شَهَوَاتِكُمْ، وَحَامِلَاتُ أَوْلَادِكُمْ، وَإِنَّكُمْ مَعَاشِرَ الرِّجَالِ فُضِّلْتُمْ عَلَيْنَا بِالْجُمَعِ، وَالْجَمَاعَاتِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَشُهُودِ الْجَنَائِزِ، وَالْحَجِّ بَعْدَ الْحَجِّ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ مُرَابِطًا حَفِظْنَا لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَغَزَلْنَا لَكُمْ أَثْوَابَكُمْ، وَرَبَّيْنَا لَكُمْ أَوْلَادَكُمْ، فَمَا نُشَارِكُكُمْ فِي الْأَجْرِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ بِوَجْهِهِ كُلِّهِ ثُمَّ قَالَ: «هَلْ سَمِعْتُمْ مَقَالَةَ امْرَأَةٍ قَطُّ أَحْسَنَ فِي مَسْأَلَتِهَا عَنْ أَمْرِ دِينِهَا مِنْ هَذِهِ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا ظَنَنَّا أَنَّ امْرَأَةً تَهْتَدِي إِلَى مِثْلِ هَذَا، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «انْصَرِفِي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، وَأَعْلِمِي مَنْ خَلْفَكِ مِنَ النِّسَاءِ، أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ– أي حسن مصاحبتها لزوجها- إِحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا وَطَلَبَهَا مَرْضَاتَهُ، وَاتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ تَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ» قَالَ: فَأَدْبَرَتِ الْمَرْأَةُ وَهِيَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ اسْتِبْشَارًا، نقول هذا لتعلم معاشر النساء أن طاعة الزوج ومسارعتها في طلب رضاه قربة وأي قربة وطاعة وأي طاعة يرضى عنها الخالق سبحانه وتعالى،أسأل الله تعالى أن يصلحنا وأن يصلح أهلينا وذوينا وكل من كان منا، وأن يفقهنا بأمور ديننا أمين، أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد فياعباد الله،روى الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي».
عباد الله،إن أكبر شهادة ينبغي أن يعتز بها الرجل هي شهادة أهله وأولاده فيه، لأنه معهم يعيش أكثر أوقاته، فإن شهدوا له بالخيرية فهو كذلك وإلا فلا. فلا تنتظر شهادة أصدقائك فيك ولاتعتد بها، فإن خيركم خيركم لأهله كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعلموا ختاما عباد الله بأن تعنيف المرأة بأي شكل من الأشكال يعد احتقارا لإنسانية المرأة وإنسانية الرجل على السواء، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري:” يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبيد ثم يعانقها يضاجعها من آخر يومه”، وفي رواية يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبيد ثم يعانقها ولا يستحي”.تمعنوا كيف عالج النبي صلى الله عليه وسلم هذه الظاهرة السلبية وافهموا معانيها العميقة، اللهم بصرنا بعيوبنا وانشر المودة والرحمة بيننا وبين أزواجنا وبناتنا، والحمد لله رب العالمين.