ذكرى المسيرة الخضراء وواجب كل مواطن في نصرة قضايا الأمة

 

ذكرى المسيرة الخضراء وواجب كل مواطن في نصرة قضايا الأمة

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره،
أما بعد، فيا عباد الله،في مثل هذا اليوم الأغر من سنة 1975م، لبى الآلاف من المواطنين والمواطنات نداء جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله للقيام بمسيرة سلمية خضراء تاريخية إلى الأقاليم الجنوبية للوطن من أجل تأكيد وحدة المغرب الترابية شمالا وجنوبا شرقا وغربا. فسارت الركبان في نطام وانتظام إلى أن حلت بالصحراء المغربية،فأزالوابذلك الحواجز الفاصلة بين أهل المجتمع الواحد، الذين تجمعهم بهم وحدة العرف والعادات واللغة والتقاليد والتاريخ، ويجمعهم بهم ارتباط أسلافهم بملوك الدولة المغربية وسلاطينها، حيث خرج حوالي ثلاثمائة وخمسين ألف متطوع ومتطوعة من جميع أقاليم المملكة، مؤكدين للعالم أجمع التجاوب الحاصل بين أمير المؤمنين ورعيته، وأن الجميع مجمع على تحرير الصحراء المغربية من ربقة الاستعمار، وبالتالي فإن المغرب في صحرائه وأن الصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
عباد الله، وبهذه المناسبة سنتوقف عند هذه الذكرى التاريخية المتميزة، تنويرا للأجيال الصاعدة لمعرفة تاريخ وبطولات أسلافها، لأن من ليس له تاريخ فليس له حاضر ولا مستقبل، وأيضا تذكيرا للجميع للقيام بنصرة قضايا الوطن، لأن أعداء الوطن لازالوا يتربصون بنا الدوائر، بغية تقسيم أرضنا وفتنة مجتمعنا، وتشكيل دويلة في جنوب مغربنا. فهذه القضية الوطنية تشكل أولوية الأولويات بالنسبة لكل مواطن مغربي.
بداية عباد الله إنه لايوجد على الإطلاق في كتب التاريخ العربية والإسلامية أو الأجنبية مايسمى بالجمهورية الصحراوية أو الشعب الصحراوي لاتاريخيا ولا سياسيا، مما يعني أن الكيان المزعوم ومن يساعدهم من الجيران والخصوم يريدون اغتصاب هذا الحق قهرا أبى من أبى وكره من كره، مهما كلفهم الأمر، وها أنتم ترون أساليبهم العدائية اليوم كيف تطورت وتسارعت، وقد أصيبوا بالسعار من أجل ذلك.
وإن مما ينبغي التذكير به أولا بخصوص ذكرى المسيرة الخضراء، تلكم العلاقة الضاربة في التاريخ، والتي تجمع بين جنوب المغرب وشماله، ويكفي أن أذكر لكم في هذا المقام مايتصل بالعلاقات القوية التي كانت تجمع بين المملكة المغربية وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وهي عديدة، وكانت تتخذ من الأقاليم الجنوبية للمملكة منطلقا لها، أضف إلى ذلكانطلاقة جيش التحرير بالجنوب المغربي سنة 1956م، حيث اعتبر ذلك تعبيرا قويا يجسد إرادة إمارة المؤمنين والرعية لاستكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية قبل أن يكون للخصوم وجود سنة 1973م، وخاض هذا الجيش الذي ضم كل أبناء القبائل الصحراوية وإخوانهم المجاهدين من مختلف جهات المغرب عدة معارك ضارية على امتداد ربوع الساقية الحمراء ووادي الذهب بالصحراء المغربية، وحقق عدة انتصارات باهرة لم تجد القوات الإسبانية أمامها إلا أن تتحالف مع نظيرتها الفرنسية فيما سمي تاريخيا بعملية أكفيون.
وفي السياق نفسه، وبتاريخ 25 فبراير 1958م استقبل أمير المؤمنين محمد الخامس رحمه الله بمحاميد الغزلان، وفود وممثلي وأعيان قبائل الصحراء الذين جددوا البيعة له، وتأكد تجندهم دفاعا عن مقوماتهم المغربية العريقة، والبيعة الشرعية كما تعلمون ميثاق شرعي لم يعرف المسلمون غيره أسلوبا معبرا عن الولاء والطاعة.

عباد الله، إن الدعوة إلى تقسيم الصحراء المغربية دعوة شاذة يرفضها الإسلام، ويأباها التفكير السليم ويجانبها الصواب ولا يروج لها إلا أعداء الدين، وهي بهذا لاتستند إلا إلى الرغبة في التجزئة والتوسع ولو على حساب الحق والصواب ومصير الأمة.
وهي بالإضافة إلى هذا وذاك دعوة ظالمة للبشر، لأن التقسيم ليس تقسيما للأرض فقط، وإنما هو تقسيم للأكباد والقلوب التي تعيش على تلك الأرض، وهو أيضا تقسيم للأسر والعشائر والقبائل والأصهار والأصدقاء، فإذا حيل بين الأخ وأخيه وأخته، وبين الأم وابنها وبنتها وبين الأقرباء كما هو واقع اليوم، أفلا يكون ذلك عدوانا ومخالفة صريحة للدين الإسلامي الذي نحتكم إليه جميعا ؟

روى الإمام الترمذي عن أبي أيوب رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” من فرَّق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيام”، بالله عليكم ماذا سيكون جواب إخواننا في تندوف لله تعالى غدا عنده عندما يسألهم عن سبب جفائهم لأهليهم وأحبتهم كل هذه المدة الطويلة ؟ وماذا سيقول الولد لله تعالى عندما يسأله عن سبب عقوقه وسبب غيبته عن أحد والديه مدة تزيد على الأربعين سنة ؟ وقد يموت الوالد أو الوالدة ولم يسمح لنفسه بالاجتماع معهما ورؤيتهما، وماذا سيقول الأخ لله تعالى عندما يسأله عن السبب في عدم زيارة أخيه أو أخته المريضة؟ وماذا سيقول الجيران لله عز وجل غدا عنده، فعوض أن يوفقوا ويقاربوا ويجمعوا بين أهل العشيرة الواحدة تراهم يؤلبون ويتوعدون ويشتغلون في السر والإعلان من أجل ترك الأمر على حاله وفصل وطن واحد إلى جزئين؟ وكأنه ليست هناك آخرة تنتظرنا جميعا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي عن أنس: “من أصبح لا يهتم للمسلمين فليس منهم”.
أليس الأجدر بنا ونحن مسلمون أبناء وطن واحد وتاريخ واحد وجغرافية واحدة، أن نضع اليد في اليد والقلب على القلب ونشمر على ساعد الجد وننافس القوى المتقدمة بدلا من المراوحة في المكان نفسه، وتضييع الوقت فيما لا طائلة وراءه؟، فهذا عصر الاتحاد والاتحاد قوة، وعيب وعار كبير علينا وديننا الإسلامي الذي نحتكم إليه جميعا يدعونا إلى الوحدة والتماسك والتعاون وجمع الكلمة ونحن نسعى إلى خلاف ذلك.

ختاما عباد الله، لايفوتنا أن نقول بأنه منذ أيام المسيرة الخضراء المظفرة، شهدت الصحراء المغربية نقلة تنموية نوعية في جميع الميادين، تأكدت بمختلف المشاريع العملاقة التي أطلقت في عهد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره بغية خدمة رعاياه في تلك الربوع الصحراوية الغالية. تأكيدا بأن تنمية الجنوب المغربي جزء لايتجزأ من تنمية الوطن ككل.

كما لايفوتنا الإشارة والإشادة بما نشهده في هذه الأيام المباركة من انتصارات ديبلوماسية دولية متتالية، حيث إنالعديد من الدول الإفريقية والعربية الصديقة والشقيقة دشنت وتدشن سفارات وقنصليات لها في الأقاليم الجنوبيةاعترافا بمغربيتها، وهذا كله ماكان ليحصل لولا حنكة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، الساهر الأول على حماية المغرب ووحدة ترابه.

نسأل الله تعالى أن ينصرنا على الأعداء والحاقدين والفتانين، وأن ييسر الله في القريب العاجل حل هذه المشكلة المفتعلة على يد مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أعزه الله، أمين أمين أمين والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *