لهذا نحتفل بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم

لهذا نحتفل بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، روى الإمام البخاري رحمه الله عن عرباض بن سارية رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إني عند الله مكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأحدثكم بأول أمري: دعوة إبراهيم(“ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك”)، وبشارة عيسى(“ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد”) ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني، وقد خرج لها نور أضاءت لها منه قصور الشام”.

أيها المؤمنون، نعيش وإياكم في شهر عظيم يحبه كل مؤمن غرس الله في قلبه محبة النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إنه شهر ربيع الأول النبوي الذي ولد فيه سيد الأنبياء والمرسلين وخيرهم على الإطلاق، الذي ولد في يوم الثاني عشرة منه.

إنه نبي الله، نبي دين الإسلام، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه خالقه سبحانه وتعالى مالم يقل في مخلوق تعظيما وتقديرا وتفخيما، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قال فيه عز وجل:” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمومنين رؤوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم”، وقال فيه أيضا:” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، وقال فيه أيضا:” ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا”، وقال فيه أيضا: ” إن الله وملائكته يصلون على النبئ، ياأيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”، وقال فيه أيضا:” وإنك لعلى خلق عظيم”وقال فيه أيضا:”ولسوف يعطيك ربك فترضى”،وقال فيه أيضا:” ورفعنا لك ذكرك”، وقال فيه وقال فيه مالم يقل في أحد من العالمين تشريفا له وتكريما.

بالله عليكم هل تجدون في كتاب الله تعالى وفي سنة سيد المرسلين من المخلوقات من عظمه الخالق العظيم هذا التعظيم، ومن بوأه ربه هذه المكانة الفخيمة؟ أفلا نتأمل في صيغة الآذان والإقامة التي تتردد على مسامعنا خمس مرات في اليوم ويتردد علينا فيها ذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ أفلا نتأمل في مختلف الصلوات التي نصليها ويكون لزاما علينا ذكر سيدنا محمد في التشهد والصلاة عليه؟ أم أن الغفلة استولت علينا فأنستنا كل ذلك، لذلكم ينبغي أن نحمد الله حمدا كثيرا أن جعلنا من أمته التي خصها عز وجل بخصائص نفيسة لم يخص بها من سبقنا من الأمم الماضية.

فإذا تأملتم ستجدون أن كل النعم والخيرات والبركات التي نتنعم بها وفيها في دار الدنيا، أو التي سنتنعم بها غدا يوم القيامة بحول الله تعالى، إنما تفضل بها علينا مولانا بسبب وجود نبي الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فينا، وبسبب انتمائنا إلى أمته، فبسببه أتانا كل خير وبسببه عرفنا كل خير ومجد، وبسببه سندخل الجنة إن شاء الله تعالى إن نحن آمنا به واتبعنا النور الذي جاء به.

فلولاه بداية ما عرفنا الخالق سبحانه وتعالى أي ما عرفنا معنى لا إله إلا الله ولبقينا في الضلال والوثنية إلى يوم الدين، أي لولا سيدنا محمد رسول الله ما عرفنا لا إله إلا الله كما يقول العلماء الربانيون، فلولاه ما عرفنا كيف نتطهر ونتوضأ، وما عرفنا كيف نصلي ونصوم وكيف نزكي ونحج ونعتمر، لولاه ما عرفنا الأخلاق والقيم، وما عرفنا أصول المعاملة الراقية مع بعضنا البعض، ولولا الشهادة بنبوته ورسالته ما قبل أحد في اعتناق دين الإسلام، وقول الشهادة بنبوته ورسالته في آخر العمر علامة على الخاتمة بالحسنى وزيادة، والسؤال عنه من أهم الأسئلة التي سنسأل عنها عندما نقبر في القبر، وهو الذي سيشفع في الأولين والآخرين الشفاعة الكبرى العظمى يوم يقوم الناس لرب العالمين غدا عند الله تعالى.

فسيدنا محمد هو الذي علمنا كيف نتأدب مع خالقنا في أحوالنا المتعددة، وهو الذي علمنا كيف نتحقق بالعبودية الحقة مع مولانا في كل وقت وحين، وهو الذي علمنا ماذا نقول قبل النوم، وعلمنا ماذا نقول إذا استيقظنا من النوم، وعلمنا كيف نقوم قيام الليل، و قيام التهجد، وعند وقت السحر، وعلمنا أذكار الصباح والمساء، وعلمنا النوافل القبلية والبعدية وعلمنا الدعاء ومختلف الأذكار التي نعظم بها خالقنا ونثني عليه الخير كله، فإذا تأملتم فإننا لا نستطيع القيام بشيء بسيط وكبير في علاقتنا بمولانا وخالقنا دون الرجوع إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسنته العطرة الحافلة بالتوجيهات الأوامر منها والمحظورات.

وإذا عرفنا ذلك، فهل سعينا كي نتعرف على سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل تعرفنا على تفاصيل تفاصيل حياته؟ وهل سعينا إلى التعرف على سننه وأخلاقه وشمائله وخصائصه؟ هل تعرفنا على آل بيته النبوي؟ هل تعرفنا على صحابته وسيرهم وتضحياتهم من أجل هذا الدين؟أم أننا رضينا بالانتماء الشكلي لهذا الدين، فبدون معرفة ذلك أو التطلع إلى معرفته لا يحق لأحد منا ادعاء محبته أو بالأحرى ادعاء متابعته صلى الله عليه وسلم.أو ادعاء أننا نمثل هذا الدين التمثيل الصحيح، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،

أما بعد فيا عباد الله، روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين؟ فقال ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه”.

فهذا عباد الله فيه دليل على تجديد ذكرى مولده بما هو مشروع، فقد جدد النبي صلى الله عليه وسلم ذكرى مولده بالصيام كل أسبوع.

وقال الله عز وجل في كتابه الكريم:” قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا”، قال الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية:” فضل الله هو العلم، ورحمته محمد صلى الله عليه وسلم”. وفي ذلك إشارة إلى قوله تعالى:”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، فكيف نعبر إذن عباد الله عن فرحنا بيوم مولده صلى الله عليه وسلم؟ نعبر عن فرحنا بيوم مولده صلى الله عليه وسلم بأن نعقد مجالس في بيوتنا مع أهلينا وأولادنا ونستمع فيها لنقتات من سيرته العطرة، وخاصة ما يتعلق بقصة مولده صلى الله عليه وسلم، ونذكر بعضنا البعض ببعض شمائله وأخلاقه ومعجزاته ونسبه الشريف، فهذا أقل ما يمكن القيام به للتعبير عن الفرح برسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبته، أما أكثر ما يمكن القيام به فهو تدارس سيرته من أولها إلى آخرها والاطلاع على أخلاقه وشمائله الشريفة وعقد العزم والنية على إحياء سننه المندثرة والإكثار من الصلاة والتسليم عليه في كل وقت وحين، فهذا هو أعظم احتفال بمولد النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أعظم رد منا على المتهافتين في هذه الأيام للإساءة إلى شخصه الشريف الرؤوف الرحيم.

اعلموا ختاما عباد الله أنه على قدر معرفتنا برسول الله صلى الله عليه وسلم نزداد حبا له، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره، ومن أحب سيدنا محمد أكثر من الصلاة والتسليم عليه، والمرء مع من أحب كما قال الحبيب المصطفى، والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *