انتهاكات الدول الغربية لحقوق الإنسان
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أيها السادة والسيدات الحضور مع حفظ الألقاب والرتب،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
في البداية أتقدم بالشكر الجزيل للزاوية البصيرية على تفضلها بدعوتي للمشاركة في هذه الندوة التي تخلد الذكرى الثالثة والأربعين لانتفاضة الزملة التاريخية، يوم17 يونيو 1970م، بقيادة أحد أبناء هذه الزاوية البصيرية سيدي محمد ابن الولي الصالح سيدي إبراهيم البصير الركيبي المؤذني، هذا البطل الذي قدم حياته لتحيا أمة، وليجتمع شمل ولتتحقق كرامة الشعب المغربي بتخلصه من براتن الاستعمار الإسباني، الذي فرق بين الإخوة وزرع بذور الشقاق بين الأمة، وهو في الوقت نفسه يدعي الدفاع عن كرامة الإنسان، والتزامه بالمواثيق الدولية الضامنة لحقوقه.
وفي هذا السياق أشكر الزاوية البصيرية أيضا لاختيارها موضوع هذه الندوة، والذي يتناول بالدراسة، موضوع حقوق الإنسان مادام أعداء الوحدة الترابية للمملكة المغربية يروجون لحقوق الإنسان في ربوع الصحراء المغربية.
أقول مستفتحا بآية كريمة من كتاب الله عو وحل: ﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾، غريبة هي طبائع البشر، ولقد كنت في غاية السرور، عندما عرفت محور مداخلتي التي تتناول: «حقوق الإنسان.. كلمة حق أريد بها باطل»، فهي باطل بالنسبة للبشر، أو على وجه الدقة لم يحسبون أنفسهم من البشرية وهم في أدنى مراتبها، وقد نصبوا أنفسهم أوصياء على البشرية يصونون حقوقها، في حين أن الله سبحانه تعالى يقول: ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا﴾، فهل من حق للكرامة يفوق عطية الخالق لخلقه، وهل يستحق بحثنا عن الذات كل هذا العناء، في حين أنه سبحانه وتعالى كرمنا، وأنه جل وعلا خلقنا في أحسن تقويم، وأوجه حديثي هنا لمن هلكت ضمائرهم، لمن يفتقدون الإنسانية ويصادرون حقوق الناس وحقوق الآخرين، تحت مسميات هم يفتقدونها، ومن وقائع ذلك ما حدث في أفغانستان، حيث بدأت بادعاءات عدم احترام الأفغان لحقوق الإنسان متمثلة في تحطيم تماثيل بوذا، وفي معاملة طالبان للمرأة.
إن الإدارة الأمريكية ترفض تطبيق حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المتعلقة بها على معتقل كوانتنامو، كما أن فضائح سجن أبو غريب في بغداد، أظهرت للعالم مدى التزام أمريكا بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان، التي تطالب العالم الإسلامي بالالتزام بها، وجاءت فضائح وجود المعتقلات الأمريكية السرية التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية بدول أوروبا لتفضح التناقض الأمريكي بين ما تدعيه وما تطالب المجتمع الإسلامي به، وبين ما تطبقه على المسلمين.
فأمريكا هي الطاعون، والطاعون أمريكا، وأمريكا نفسها هي من أعدمت الرئيس صدام حسين يوم عيد الأضحى، في رسالة واضحة منها لحقوق المسلمين وحقوق الإنسان، لتكون صفعة في وجوهنا، فأمريكا تجرب السوط فينا، وتشد الكبير من أذنيه، وتبيع العرب أفلام الفيديو وتبيع الكوكا، وعفوا لسيبويه.
ولنتأمل فيما حققوه لأنفسهم ولشعوبهم، فأمريكا التي تدعي أنها قائدة الأمم في التحرر وحقوق الإنسان، والتي ما تزال تعيش تمييزا عنصريا بين أبيض وأسود، وبين أصفر وأحمر وبين مسلم ومسيحي ويهودي، وبين عربي وصيني وهندي.
ففي بلاد العم سام هناك قانون لمكافحة الإرهاب أصبح من أكثر القوانين عنصرية، وباسم هذا القانون تنتهك الحرمات، ويمارس التعذيب ويسجن الإنسان دون جريمة، ونذكركم بسجون أمريكا: سجن أبو غريب الذي أقاموه فوق الأراضي العراقية، فأين حقوق الإنسان؟، وسجن جوانتنامو، فسيدة حقوق العالم أمريكا قتلت 62 مليون إنسان في فيتنام، وقصفت مدن اليابان بالأسلحة النووية، يقول أحد كتابهم وهو نعوم تشومسكي: أشعلنا حربا ضروس سقط خلالها مئات الآلاف، ومعظمهم من الفلاحين، ولم تترك حكومتنا الشعوب تنعم بالحرية والديمقراطية كما تزعم.
وحصار حرب العراق سقط فيها ما يقرب من مليون ونصف مليون طفل عراقي، وهو ثمن كان من الضروري دفعه حسب وزيرة الخارجية الأمريكية، أولبريت، وفي أفغانستان يقتل عشرات الآلاف وتختبر أعتا الأسلحة، وأكثرها بطشا وفتكا بالإنسان والحيوان والمكان.
وترفض أمريكا مساواة دية المسلم بدية كلب دهسته إحدى السيارات، فقد اعترفت بمسؤولية جيشها عن مقتل العشرات من الأطفال الأفغان في قصف عن طريق الخطأ، ودفعت تعويضا كانت فيه دية المسلم أقل بكثير عن التعويض عن مقتل كلب، إنها حقوق الإنسان في العصر الحديث.
أما عن الفيتو الأمريكي فحدث ولا حرج، فهو العصا السحرية التي يستخدمها الصهاينة متى شاءوا كي يستمروا ممارساتهم اللاإنسانية كلما شاءوا. فهذه أمريكا التي استعمرت العالم عسكريا وماديا وسياسيا، وما شئت من المسميات.
فإحدى مؤسساتهم، مؤسسة روبرت كينيدي لحقوق الإنسان، تعتبر أن أطفال غزة إرهابيون وقتلة، وتعتبر أن أطفال البولزاريو هم ضحايا قمع، ولكن يا ترى من الذي تراه يمارس القمع؟ أهو المغرب الذي يسعى جاهدا للم الشتات وفتح الأبواب أمام من أراد العودة إلى الوطن، وما كلمات المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله إلا خير دليل على ذلك حين أعلن «أن الوطن غفور رحيم»، حينما نادى من لديهم النيات الحسنة ولجميع من تسري فيهم ولو نقطة دم واحدة تربطهم بالمغرب، أم هم ضحايا قمع واحتجاز وإرهاب يمارس عليهم من قبل من باعوا ضمائرهم وخانوا وطنهم؟، وأقل ما يوصفون به أنهم مرتزقة وتجار مخدرات، وما خفي كان أعظم.
أما فرنسا التي صدرت للعالم إعلان حقوق الإنسان والمواطنة 1789، ومن كانت أمس سباقة في هذا المجال، فهاهي اليوم تناقض نفسها، فمن استعمر شمال إفريقيا؟، ومن أثقل كاهل دول المغرب العربي بالديون؟، ومن الذي نهب خيرات البلاد والعباد في المغرب والجزائر وتونس وسوريا ولبنان ومصر؟ تلك فرنسا القديمة، أما الحديثة فليس أصدق من وصفها من بوشنير وهو أحد وزرائهم حين قال: «إنه يوجد تناقض بين ممارسة حقوق الإنسان وما تنص عليه القوانين، وبين علاقات فرنسا الخارجية وتصرفاتها».
في الرابع من نوفمبر قضت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، بأن فرنسا انتهكت وما تزال حقوق الإنسان فوق التراب الفرنسي في المجالات التالية: ممارسة التعذيب والاعتقال القسري، ولن أعدد لكم بقية الممارسات.
ومن فرنسا إلى إسبانيا، ومن محاكم التفتيش والتطهير العرقي والديني والنزعة الاستعمارية، التي أبادت شعوب الهنود الحمر في أمريكا الجنوبية، وتلك إسبانيا القديمة، ولنذهب إلى إسبانيا اليوم وآخر فضائحها في حق البشر، نشر دواء عن طريق إحدى الشركات الإسبانية في باناما، مما أدى إلى وفاة 170 شخصا، وإصابة الآلاف بالشلل والفشل الكلوي، وأن السلطات الإسبانية أوقفت التحقيق، فهم شعوب فقيرة وبائسة لا يستحقون أن نهدر وقت التقدم والرقي من أجلهم، فأين حقوق الإنسان؟
ولإسبانيا حقها الوافر أيضا من تجاوزاتها لحقوق الإنسان، سواء الأفراد أو الجماعات والتمييز العنصري والديني، الذي يستشري في الغرب، رغم محاولاتهم تلميع صورهم وتصدير بلائهم.
ولنسأل أنفسنا إن كانت هذه الدول والمنظمات التابعة لها تبحث عن انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب وغيره، فأين حقوق الإنسان الأسود في أمريكا؟، وأين حقوق الهنود الحمر الذين مورس عليهم ولا يزال التطهير العرقي؟ وهل اعترفت إسبانيا باستعمار جزر الكناري وسبتة ومليلية؟، وهل تعامل سكان المستعمرات الأصليين كمواطنين كاملي الحقوق؟
ووقوفنا اليوم لتخليد الذكرى الثالثة والأربعين لانتفاضة الزملة التاريخية بالعيون نستحضر معها غياب أقدم سجين في العالم، وهو بطل هذه الانتفاضة، سيدي محمد بن سيدي إبراهيم بصير الذي اختفى أثره، وأتذكر في هذا السياق تدخل أحد الجنود الإسبان الذي حضر معنا في ندوة السنة الفارطة، والذي قال بأنه سيقدم الجديد حول مصير هذا البطل الذي اعتقله دعاة حماية حقوق الإنسان، الذي اعتقله الجنود الإسبان، فأين من يدعون حقوق الإنسان ويدافعون عنه؟ لكنه أنهى حديثه من غير أن ينور أفكارنا أو يعطينا حقيقة ما جرى ووقع؟.
وأتذكر استفسارات قدمها الصحفي باهي محمد في كتابه محمد بصير أقدم سجين في العالم، ولحد الساعة لم تتحرك إسبانيا للكشف عن مصير هذا البطل، فأين أدعياء الدفاع عن حقوق الإنسان؟ فيما لم تتطرق منظمات حقوق الإنسان للانتهاكات التي تتزعمها الدول الرائدة في الممارسات المشينة التي تخل بحقوق الإنسان وتسلبه كرامته.
ولماذا لا تتطرق منظمات حقوق الإنسان لاستعمار فرنسا القائم على جزر من أرخبيل جزر القمر؟، وهو ما يعتبره الاتحاد الإفريقي استعمارا غير شرعي، فإلى متى ستبقى هذه الدول والمنظمات تمارس غطرستها تحت نظر وسمع شعوب العالم؟
وأتساءل: ألا تدري منظمات حقوق الإنسان أن سجون تندوف، ولا أقول مخيمات، أقيمت لاحتجاز الآلاف من الرهائن؟ هل تجهل هذه المنظمات أن عصابات المرتزقة تحكم البشر بالحديد والنار؟ هل استطاعت هذه المنظمات الوصول إلى المحتجزين والتحدث معهم بكل حرية؟ هل تعرف تعدادهم؟ هل يستطيع المحتجزون التنقل بحرية دون رقابة أو تفتيش؟ ألا يعرفون أن المساعدات الإنسانية من دواء وغذاء يوزع حسب شريعة المرتزقة، ويباع بعد فترة في الأسواق؟ بلى، هم يعرفون، فلماذا لا تصل الرحمة هؤلاء المحرومين؟ وأين قرارات الأمم المتحدة، التي لا تطبق إلا حسب مشيئة أمريكا؟، إنه زمن الذل العربي، ونحن لا نستحق أن نحمل لقب العروبة بعد كل هذا الإذلال، إنهم يدمروننا بأيدينا.
لا تأسفن على غدر الزمان فطالما رقصـــــت على جثت الأسود كلاب
ما قصدها أن تعلوا على أسيادها تبقى الأسود أسود والكلاب كلاب
كيف لا ووجود ثلة فاسدة لها مصالحها الخاصة وترتبط بكل تنظيمات الفساد والإرهاب، تتحكم بأرواح ومصائر وحقوق البشر بدعوى الكفاح والنضال والحرية، وعن أية حرية يتحدثون؟ أنتم صناعة إسبانية رخيصة، وورقة محروقة بيد حكام أنتم تعرفونهم ولا أحجم عن ذكر اسمهم إلا احتقارا لهم من أن يذكروا في هذا المقام.
أنتم تحتجزون أهليكم وبني عمومتكم وتتاجرون بآلامهم، فبأس التجارة وبأس المتاجر بها، مخطئ من يظن أن الهدف الذي تنشده منظمات حقوق الإنسان هو حماية الأفراد والدفاع عنهم، إن ما تقوم به هو حرب نفسية، والحرب النفسية إعلان حرب.
ولنسأل أنفسنا: هل هذه المنظمات حريصة علينا وعلى مصالحنا؟ إن هو إلا إحداث شغب، وقتل لأفراد الأمن وتخريب الممتلكات لايحقق إلا الفشل، إذن لماذا تسفك الدماء ولمصلحة من؟ ومن وراءها؟ وهل مقتل رجال الأمن وتخريب الممتلكات هي الطريقة التي يرد بها على من يريد مصلحة البلاد والعباد؟ هل يرضي الله ما حصل؟ هل يرضي الله أن يصبح الوطن مقسوما؟ هل يرضي الله أن نتنكر لعهود آباءنا أم تراهم كانوا على ضلال؟ معاذ الله، بل كانوا يسعون للوحدة ويصبح الوطن واحدا متماسكا خلف قيادة شابة حكيمة طموحة وتمتد الوحدة لتشمل دول الجوار لتصبح كالجسد الواحد.