شهادات ونماذج حيةلانتهاكات حقوق الإنسان لدى البوليزاريو
بسم الله الرحمن الرحيم
إنه لشرف لنا نحن الضحايا الموريتانيين السابقين في سجون البوليساريو، أن نحضر معكم اليوم للمشاركة في إحياء ذكرى اختفاء المجاهد الكبير سيدي محمد بصير،
الذي يعد بحق رجلا من أبرز المقاومين والمجاهدين بمنطقتنا، ومن أبرز من ناهضوا الظلم والاستعباد، وأننا بهذه المناسبة نقف معكم وقفة إجلال وإكبار لهامته الشامخة، ونعتبرها مناسبة لتسليط الضوء على صورة من صور الظلم التي لا تقل بشاعة عن صور الظلم التي ثار المجاهد الكبير ضدها.
نحضر معكم في هذه الندوة المباركة ممثلين لإحدى الجمعيات التي تعنى بالانتهاكات الخطيرة التي تعرض لها المدنيون الموريتانيون على يد قيادة البوليساريو، وهنا أجد من المناسب التعريف بجمعيتنا وعلاقة الانتهاكات التي تعرض لها منتسبوها بالقانون الدولي الإنساني.
إن جمعية ذاكرة وعدالة هي تجمع لأفراد موريتانيين، تعرضوا للتعذيب والقتل والاختفاء على يد بعض مسؤولي البوليساريو، وتمثل التعذيب في نزع الأظافر وتهشيم الأسنان والإيهام بالإعدام بتغطية وإطلاق الرصاص فوق رأس الضحية، والسجن في مغارات سحيقة، والكي بالنار، بل والكتابة بها على أجساد بعض الضحايا بأحرف لاتينية مثل (ب.ح) ووصفهم بأوصاف بذيئة تمس الكرامة الإنسانية، والتهديد بالاغتصاب، والسجن المتواصل مع التعذيب لعدة سنوات، والقتل المتعمد بإطلاق الرصاص، أو بالتعذيب المتواصل حتى الموت.
وطبقا للقانون الدولي، فإن الأفعال والممارسات المشار إليها تمثل في نظر القانون جريمة ضد الإنسانية، وجريمة إبادة جماعية، حيث إن المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، تنص على أن ممارسة الاختفاء القسري العامة أو المنهجية، جريمة ضد الإنسانية، وذلك بعد أن عرفت جريمة الاختفاء القسري بأنها: «الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي، أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون».
ويتحمل المسؤولية الجنائية على أقل تقدير، بعبارة المادة السادسة من نفس الاتفاقية:
1- كل من ارتكب جريمة الاختفاء القسري، أو أمر أو أوصى بارتكابها أو كان متواطئا أو اشترك في ارتكابها.
2- الرئيس الذي كان على علم بأن أحد مرؤوسيه ممن يعملون تحت إمرته ورقابته الفعليتين قد ارتكب أو كان على وشك ارتكاب جريمة الاختفاء القسري، ولا يجوز التذرع في ارتكاب الجريمة بالأوامر أو التعليمات.
وبذلك فإن مسؤولية البوليساريو عن تعذيب واختفاء المدنيين الموريتانيين شاملة وكاملة سواء الجزائر بوصفها الدولة المرتكب على أراضيها الجرم مسؤولة طبقا للمادة 9 و10 من الاتفاقية المذكورة.
أما جريمة الإبادة الجماعية، فقد عرفتها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، بأنها: «أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية بصفتها تلك إهلاكا كليا أو جزئيا، وذلك بقتل أفراد الجماعة، أو إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة».
وقد تبنى هذا التعريف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية- في المادة الخامسة منه-. والخلاصة، أن ما عومل به ضد الموريتانيين من طرف بعض المسئولين في جبهة البوليساريو، جريمة يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني ولا يلحقها التقادم بوصفها جريمة ضد الإنسانية، طبقا لاتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، كما أن اتفاقية منع التعذيب في المادة الأولى منها تنطبق على تصرفات المسؤولين بالبوليساريو ضد الموريتانيين، وقد وافقت عليها الجزائر ووقعتها سنتي 1985/1989.
وبالعودة إلى شعار الندوة: «حقوق الإنسان بين الحقيقة والاستغلال»، فإني سأحاول في هذه الكلمة المختصرة أن أنطلق من معاناتنا الشخصية كضحايا موريتانيا، سابقين انتهكت كل حقوقنا من طرف جبهة البوليساريو، من أجل أن أصل لانتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف، وذلك من خلال مقارنة بسيطة بين ممارسة البوليساريو في مجال حقوق الإنسان، وعلاقتها بمعاير القانون الدولي لهذه الحقوق، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر:
1- حق الفرد في الحياة: إن المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن لكل فرد الحق في الحياة والحرية، وهو حق ملازم لكل إنسان، إلا أن قيادة البوليساريو مارست الإعدامات التعسفية دون محاكمات ولا حتى تهم، والكل لا زال يتذكر الضحايا الذين أعدمتهم البوليساريو من الصحراويين والموريتانيين ووصلت من البشاعة حد أن هذه الإعدامات وقع معظمها بسبب التعذيب الوحشي.
– و إذا كانت المادة 25 من نفس الإعلان تجرم التهديد بالموت، فإن البوليساريو كانت أول ما تهدد به الضحايا هو أن حياتهم قد انتهت بمجرد الدخول إلى المعتقل.
2- الحق في السلامة الشخصية: في الإعلان نفسه تنص المادة 5 منه على أنه لا يجوز تعريض أحد للتعذيب أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو الحط من كرامته، وهي معاملات لم تبرع البوليساريو في شيء سواها، فقد كانت أجساد الضحايا تستعمل ألواحا لتعليم الكتابة بالنار، وليس التعليق والجلد وتكسير الإنسان ونزع الأظافر سوى مقبلات لأصناف من التعذيب لايمكن أن يتصورها العقل البشري، ولا أظن شيئا أحط لكرامة الإنسان من ربط الرجل من عضوه التناسلي أكرمكم الله ثم يهدد بالاغتصاب، وقد يخرج يوما ليجد أن زوجته قد أرغمت على الطلاق منه وأنجبت من رجل آخر، وهذه كلها أمور حدثت ولا يزال أصحابها يروون قصصهم التي تقشعر لها الأبدان.
3- حرية الرأي والتعبير: لكل شخص التمتع بحرية الرأي والتعبير حسب المادة 19 من نفس الإعلان دائما، وفي المقابل فإن دستور البوليساريو ينص على أنها الحزب الوحيد الذي من حقه احتكار هذا الحق الإنساني.
4- حرية الاشتراك في الجمعيات وحرية التجمع: تنص المادة 22 من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن لكل فرد الحق في تكوين الجمعيات مع آخرين وإنشاء النقابات، والبوليساريو التي احتفلت قبل أيام بعيد ميلادها 40، لم تسمح حتى الآن بهذا الحق وينص دستورها على منعه بحجة الظرفية.
5- حرية التنقل والإقامة: عملا بالمادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن لكل فرد حق حرية التنقل والإقامة، والبوليساريو ظلت تمنع هذا الحق إلى أن أصبح من هم تحت سيطرتها يشكلون عبء على المساعدات الإنسانية التي أصبحت مصدر ثراء لقادتها من خلال بيعها في الأسواق المجاورة.
6- حق التملك: إذا كانت المادة 17 من هذا الإعلان تقر بأن لكل فرد حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، فإن هذا الحق ظل إلى عهد قريب محصورا على قيادة البوليساريو، وفي فترة من الفترات تجاوز الأمر هذا الحد إلى منع سكان المخيمات حتى من اختيار ما يطبخون، فلا أحد من سكان المخيمات إلا ويذكر العقوبات التي كانت تسلط على من يخالف أمر قيادة البوليساريو بتوحيد كل ما يطبخ.
إن هذه الأمثلة ليست سوى غيض من فيض، ولو كرسنا أياما وشهورا للحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف لما استطعنا الوصول في ذلك إلى نهاية، وبالمناسبة فقد حضر معي اليوم ناجيان من جحيم معتقلات البوليساريو، يمكنهما الإدلاء بشهادتهما إذا كان وقت الندوة يسمح بذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.