قراءة في كتابه: الناجي بمعجزة من سجن تندوف
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله﴾ صدق الله العظيم.
أيها السادة والسيدات، إني جد فخور وسعيد، وأشكر الزاوية البصيرية التي
استضافتني في هذا الملتقى الكبير، الملتقى العلمي الحقوقي، ولاسيما في ذكرى سلفنا الشهيد سيدي محمد بصير الذي كان من الزمرة الأولى التي اشتركت في محاربة الاستعمار الإسباني في السبعينيات، وبالضبط عام 1970م، وهذا شرف لي عظيم، أن أحضر في الذكرى الثالثة والأربعين لاختفائه، وهو يعد من أول الشهداء، شهداء قضية الصحراء، وفي هذا المقام نترحم بهذه المناسبة على هؤلاء الشهداء، سواء أكانوا عسكريين أو مدنيين أو رجال الأمن الذين ضحوا بأنفسهم وأموالهم وأولادهم من أجل أن تعيش الأقاليم الصحراوية في أحضان الوطن الأم المملكة المغربية.
بالنسبة لقصتي الواقعية التي أحب أن أحدثكم عنها أقول: بالنسبة لعملي في هذا الوقت، كنت في خريبكة منذ سنة 1972 إلى 1976 بقاعدة حيان للمدرعات، ولدي ذكريات جميلة في هذه المنطقة، أعرف مدينة خريبكة وعين سردون ببني ملال، أعرف هذه المنطقة جيدا، ويكفي أن تعرفوا أننا في إطار التداريب نصل مشيا على الأقدام إلى مدينة سوق السبت، مرورا بمدينة الفقيه بن صالح.
كما أحمد الله أني شاركت في المسيرة الخضراء.
إن هذا الكتاب الذي ألفته بالفرنسية، «الناجي من تندوف بمعجزة»:
(«Le miraculé de Tindouf – mémoires d’un prisonnier de guerre (1976-2003)»)
وجدنا صعوبة في ترجمة عنوانه إلى اللغة العربية، لقد اقترحت له ترجمة: «الناجي من تندوف بأعجوبة إلهية من سجون تندوف»؛ وكان الدافع الأول لكتابته هو توثيق هذه الفترة المهمة من حياتي، والإدلاء بشهادتي الحقيقية لتبقى مرجعا، لأنه بالنظر إلى ماهو مؤلف في هذا المجال، نجد بأنه ليست لنا مراجع ووثائق عسكرية في هذا الباب، وقد حاولت أن أكتب بكل أمانة، وهذا من توفيق الله لي وعلي.
أحببت أن أعرف الأجيال القادمة بالظروف التي كانت تدور فيها الحرب، وكيف كان جيشنا يتقدم في حرب التحرير، وتكلمت فيه عن جميع الأطراف بصدق وبدون أي تحيز،.
وهذا الكتاب فيه مراحل، بدأت من الأسر، حين سقطت في كمين، وتلقيت طلقات من رشاش كلاشنكوف، وكانت أكثر من 25 طلقة، كلها كانت في الصدر فما تحت، ووقت سقوطي، حاول بعضهم ذبحي بالسكين، لكن أحدهم رأى شارة رتبتي تلمع على كتفي، فمنعهم من ذلك، ورفع رشاشه في وجه الذي كان يحاول ذبحي، وسمعته يقول له: إن ذبحته فسأقتلك.
وفي هذا السياق وبخصوص موضوع حقوق الإنسان الذي نحن بصدده، أقول: كان العدو إذا أسر جريحا يقوم بتصفيته، بدعوى أنهم يحتاجون إلى أسرى سليمي الجسد حتى يستخدموهم في الأشغال بسجون تندوف، سواء أعمال الخدمة أو الحفر أو البناء وغيرها من الأعمال، ولذلك وللأسف الشديد وقعت حوادث لاإنسانية.
وعندما علمت المخابرات الجزائرية بأني أسير برتبة قبطان، صدر أمر بتوجيهي إلى الجزائر بأي شكل من الأشكال مع الحرص الشديد على أن أبقى على قيد الحياة، وأطلقوا دعاية كبيرة على أن هذا الأسير هو القائد العام للمدرعات كلها بالمغرب، ولذلك سعوا بكل جهدهم وبجميع الوسائل كي أبقى حيا، وفعلا نجوت بأعجوبة من موت محقق، وفي السجن حيث كنت أسيرا لم يكن لديهم طاقم طبي، وفي تلك الليلة تم استحضار ممرضة من كتالونيا شقراء في العشرين من عمرها متزوجة بقائد من البوليزاريو، وأشرفت بنفسها على علاجي وقامت بذلك بكل عناية، وهذه أعجوبة أخرى، لأنه لم تكن لديهم في ذلك الوقت ولو ممرضة عادية.
ولما وصلت إلى تندوف، كانت الرمال قد تسربت إلى الجروح، فحملوني إلى مستشفى مايو، وتم إنقاذي هناك، وكان متوقعا قطع رجلي، وتم تدارس هذا الأمر، لكن البروفيسور المهدي ورجال آخرون معه أناس طيبون جدا، لم يسمح له ضميره بقطع رجلي، وطلب دواء خاصا، فأحضروه له وعالجني به، ولهذا أنا أقول: بأن الشعب الجزائري شعب طيب وخلوق، لكن الغير الطيبين هم المخابرات الجزائرية والقيادات العسكرية العليا، ولقد التقينا بضباط عسكريين، لقد مكثت أربعة سنوات في المستشفى في تواصل مباشر مع الشعب الجزائري، وهو شعب طيب، نعم أربع سنوات وأنا طريح الفراش، لا أتحرك، حتى أن عظامي التي كانت مكسرة جبرت بدون جبس، لأن جسمي كله كان متخن بالجراح، وفي هذه الحالة لا يمكن عمل الجبس للأماكن المكسورة، أربع سنوات ورجلي معلقة، وقد أدخلت للمستشفى في سرية تامة وباسم مستعار: محمد بن محمد، وبعد شهور نقلوني إلى مكان ألتقي فيه بالناس، وحقيقة أكررها وجدت السكان طيبين جدا، وما يحملونه لي من أكل وشرب في زياراتهم، أكثر مما يحملونه لذويهم من المرضى.
وأعتقد بأن الله جازاني بهذه المعاملة الطيبة من الجزائريين لأني ربما عندما كنت في المغرب، وبالضبط في أجدير كنت أجلب للمجاهدين الجزائريين الطعام من مسافات بعيدة، وذلك الخير وجدته في الجزائر، وفي وقت الشدة.
بعد انقضاء أربع سنوات حملت إلى تندوف، وهناك عرفت متاعب كبيرة، وتم التعدي علي بشدة، لقد ذقت العذاب الشديد، لم تكن هناك أبسط حقوق الإنسان، ولا تطبيق لمعاهدة جنيف، ولم يزرنا طيلة سبعة عشر سنة أي مسؤول أو مدافع عن حقوق الإنسان، ولم نسمع بمنظمات الحقوقية إلا في 2002 و2003، وحينها بدأ الإفراج عن الأسرى، ولم يفرجوا عن الضباط.
وبخصوص قضيتي شخصيا، فقد عملوا لي جواز سفر حرية من طرف الاتحاد الأوربي، وتم الضغط على الجزائر فيما بعد لإطلاق سراحي، وبدأ الإفراج عنا تدريجيا.
ورغم ما مر بي، لقد شاهدت الموت، وآمنت بأنه إذا لم ينفعني الله وحده فلن ينفعني بشر، نعم إن الجنود هم أكثر عذابا في الأسر بتندوف، ليس لهم فراش ولا غطاء سوى رمال الصحراء والسماء، رغم كل ذلك بقي جنودنا أوفياء لوطنهم مؤمنين بملكهم، وفي الأسر كانوا يشرفون المغرب، فمنهم المهندس والتقني والحدائقي، والميكانيكي، والنجار، لقد عاينا الموت، وكدنا أن نفقد الأمل في العودة إلى الوطن، إلى أن تم استخراج جواز الحرية، وفي عام 2006 عدت إلى أحضان بلدي المغرب.
هذا باختصار محتوى ومضمون الكتاب الذي تطرق إلى أحداث الصحراء منذ بدايتها إلى وقت وقف إطلاق النار، ألفته للأجيال وللتاريخ، والسلام عليكم.