التأصيل الشرعي لحقوق الإنسان في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها السادة الأكرمين أيتها السيدات الكريمات.
تحت عنوان: «التأصيل الشرعي لحقوق الإنسان في الإسلام» أضع حضراتكم على بعض النصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي ينبغي لكل إنسان مسلم أن يعلمها ويعمل بها، وينبغي كذلك لأساتذة التربية أن يثبتوها في مناهجهم لإنشاء الجيل الإسلامي على حقوق الإنسان من خلال الشريعة المطهرة، فإن وجوب تعليم الناشئة على حقوق الإنسان من خلال دروس التربية واجب اجتماعي وواجب شرعي، حتى يكشف زيف المخادعين الذين يدعون الدفاع عن حقوق الإنسان ويتاجرون فيها كما سمعنا في كلمة مولانا الشيخ إسماعيل حفظه الله تعالى.
وإنه لا يقوم بأداء حقوق الإنسان وبإعطاء كل ذي حق حقه على وجه الكمال ووجه التمام مع التنزه عن الأغراض والمطامع والمنافع الشخصية إلا الذين يخشون ربهم بالغيب ويخافون سوء الحساب، وبما أن نصوص القرآن الكريم وأحاديث الرسول ﷺ، تجمع لنا حقوق كل شيء كما قال ربنا عز وجل عن كتابه: ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾، وقال عز من قائل: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي أقوم ويبشر الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا﴾؛ لا بد أن أتناول بعض هذه النصوص، التي فيها بيان الحقوق والواجبات، على وجه التوازن وعلى وجه العدالة، التي خوطب بها الأفراد وخوطبت بها المجتمعات، ولن نجد في مبدأ من مبادئ البشر الوضعية هذا التوازن بين الحقوق والواجبات، كما نجده في نصوص الكتاب الكريم وفي أحاديث رسول الله ﷺ.
أولا: تعريف الحق
قال علماء التشريع: الحق هو الواجب الثابت الذي لا يجوز إنكاره.
أ- مصادر الحق:
يثبت الحق بأحد ثلاثة أمور:
1 – منح الله تعالى الحق لعباده كلهم أو لبعضهم تفضلا منه وتكرما، كحق الانتفاع بموارد الحياة، التي خلقها الله تعالى للانتفاع، دون ضرر أو إضرار، أو تعد أو اعتداء، من مياه وأشجار وثمار، وحيوانات ومعادن، وغير ذلك، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا﴾، وكالحقوق الإنسانية التي منحها الله للإنسان، كحق التمتع من مصدر حلال وحق التعلم للعلم النافع، وحق الحرية وحق التفكير، وغير ذلك من الحقوق الخاصة والعامة، والتي تدخل تحت الحقوق الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية لكل إنسان في هذه الحياة.
وإن آيات القرآن الكريم لكل متدبر يجد أن الله سبحانه وتعالى كما خاطب المسلمين خاطب الإنسان بهذه الكلمة الجامعة للجنس والتي يدخل فيها كل مخاطب من البشر، فكثير من الآيات قال الله تعالى في فاتحتها: ﴿يا أيها الإنسان﴾، فمن تكريم الله تعالى لعبده أن خاطبه وهو غني عنه، الله غني عن الخلق كلهم والخلق فقراء إليه، وعمم ذلك عندما خلق الله هذا الإنسان وكرمه بأن خاطبه، فقال له ﴿أيها الإنسان﴾ وأرسل له رسلا من جنسه، وبين له طريق الخير وطريق الشر، وجعلها الله أمانة قال عز وجل: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا﴾، قال العلماء ختم الله الآية بقوله: ﴿إنه كان ظلوما جهولا﴾، لأن الأمانة تعني شيئين: تعني العلم وتعني العدل، فمن ترك العدل سمي ظلوما ومن ترك العلم سمي جهولا، الأمانة التي هي معرفة الحقوق والواجبات والقيام بها هي مجموع العدل ومجموع العلم، وأن الله سبحانه وتعالى عامل خلقه كلهم بالفضل، فكتب على نفسه أشياء سماها علماء التشريع حقوقا لله تعالى على عباده وحقوق العباد على الله، وهل للعباد حقوق على الله؟ إن الله سبحانه وتعالى كتب أشياء على نفسه تفضلا منه على عباده من أجل أن يتخلق المتخلق بأخلاق الله، وأن يتخلق بصفة الفضل الإلهي في تعامله مع الخلق كلهم، لقد قال العلماء رحمهم الله: الوصف الذي تعامل به الخلق يعاملك به الحق.
وقد ذكر النبي ﷺ أحاديث كثيرة في الصحيح، تدل على هذا المعنى، ومنها قوله باعتداد الرحمة العامة: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، «الراحمون يرحمهم الرحمن» تبارك وتعالى، فمن تخلق بالرحمة الإلهية في تعامله مع الخلق كلهم تفضلا وتخلقا بأخلاق الله سبحانه وتعالى، عامله الله عز وجل بالرحمة ذاتها، ومن لم يبلغ رتبة أن يعامل خلق الله بالفضل تخلقا بأخلاق الله ينبغي أن يعاملهم بالعدل الذي أمر الله العباد به كلهم حين قال : ﴿إن الله يامر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى﴾، ولا ينبغي لإنسان ينزل عن رتبة العدل هذه، لأنه إذا نزل عنها يكون ظالما لنفسه أو ظالما لغيره، إما بتعد لحد من حدود الله، أو بالاعتداء على حق عام أو خاص من حقوق الخلق من حوله.
ب – العقد:
ينشأ الحق بالعقود سواء كانت عقود معاوضة كالبيع والإجارة، أو عقد تبرع كالهبة والصدقة.
ج – الاضطرار:
فمن اضطر إلى شيء به حياته هو في يد غيره، وصاحبه في غنى عنه، كان المضطر إليه أولى به ممن هو في يده، كمن اضطر إلى طعام أو شراب هو في يد غيره، لو لم يأخذه منه لمات جوعا، وصاحب الطعام مستغن عن طعامه لوجود طعام آخر معه، كان حق المضطر إلى الطعام أقوى من حق صاحبه فيه، ولو منعه صاحب الطعام لكان آثما، ولو مات المضطر نتيجة منع الطعام والشراب عنه لوجب على المانع ديته.
صاحب الحق:
صاحب الحق إما أن يكون الله جل جلاله وإما أن يكون العبد:
الآيات الكريمات التي تدل على الحقوق العامة
أولا: حق الخلق على الخالق سبحانه وتعالى:
قال الله عز وجل: ﴿هو الذي خلق لكم ما في الاَرض جميعا﴾، فكم جهز الله هذا الكون بما يضمن حياة الإنسان وسلامته وصحته من غير أن يطالب الإنسان بدفع ثمن ذلك إلا أن يشكر الله عز وجل، وأن يقوم بالعبادات التي أمرنا الله بها، قال الله سبحانه: ﴿وسخر لكم ما في الاَرض جميعا منه»، فكل هذا الكون المسخر من أجلك حتى تتفرغ أنت للمعرفة بالله سبحانه وتعالى وبصدق التوجه إليه، والإحسان إلى خلقه كلهم، فأقرب الطرق إلى الله الإحسان إلى خلق الله، قال الله سبحانه: ﴿وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار﴾.
ثانيا: حق الخالق سبحانه وتعالى على الخلق:
وأما حق الخالق سبحانه وتعالى على الخلق فهو مذكور في قول الله سبحانه: ﴿وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون﴾، وهذا ما قاله علماء التشريع، بأن صاحب الحق وهو الله جل جلاله أن له حقوقا على عباده، ومن هذه الحقوق تنزيهه سبحانه عما لا يليق به، وشكره سبحانه على نعمه، وعبادته بما شرع لا بالبدع، وإقامة حدوده دون الزيادة فيها أو الإنقاص منها أو العفو عنها.
ولنستمع لهذه الأحاديث التي ذكرها رسول الله ﷺ، والتي يدل فيها أتباعه من المسلمين على حقوق الإنسان بشكل عام، حتى يقوم بها المسلم ابتغاء لمرضاة الله عز وجل وابتغاء التقرب إليه:
عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: «كُنْتُ رَدِيفَ اَلنَّبِيِّ ﷺ عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لِي: يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اَللَّهِ عَلَى اَلْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ اَلْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ؟ قُلْتُ: اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اَللَّهِ عَلَى اَلْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ اَلْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُم»، وفي رواية: أَنْ لَا يُعَذّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، رواه الشيخان البخاري ومسلم.
ثالثا: حق الخلق بعضهم على بعض:
وهي التي تسمى الأخوة العامة، وتسمى: الرحم الإنسانية، فبينك وبين كل إنسان رحم، كما قال سيدنا الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه: «الإنسان أخو الإنسان، أحب أم كره»، وقال أيضا: «الإنسان إما أخوك في الدين أو نظيرك في الخلق»، فلا بد أن تراعي في كل وجهٍ وجهَ من خلقه، كما قال ذلك العارف الكبير: «ارحم أُخَيَ جميع الخلق كلهم وانظر إليهم بعين الرفق والشفقة، وقر كبيرهم وارحم صغيرهم وراع في كل وجه وجه من خلقه، لأن الله خلق آدم عليه السلام على صورته، على الاختلاف في إعادة الضمير كما هو معلوم عند علماء الحديث.
ومن لم يقم بهذه الحقوق التي تتعلق بالرحم الإنسانية، اقتص منه يوم القيامة، كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: «لتؤدن الحقوق – أي لتؤدنها يوم القيام بالقود والقصاص لأهلها – حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء»، وهذا هو العدل الإلهي.
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه مرفوعا للنبي ﷺ أنه قال: كان يدعو فيقول كل يوم: «اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه – وفي الفاتحة تقول: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾، وهذا يجعل بينك وبين العالمين صلة واحدة – أنا شهيد بأنك أنت الرب وحدك لاشريك لك، اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه، أنا أشهد أن محمدا عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه، أنا شهيد أن العباد كلهم إخوانا»، فلا بد من تحقيق معنى هذه الأخوة، والقيام بحقوقها وواجباتها.
ويقول النبي ﷺ: «أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما»، وفي رواية أخرى: «لا يومن أحدكم حتى يحب لأخيه – أو قال لجاره – ما يحب لنفسه»، قال شراح الحديث: الأخ هنا هو الإنسان، وهذا يعني أن تحب له الإيمان وأن لا يبقى على الكفر، ولو أحببت بقاء كافر على الكفر، ولم تحب له إيمانا فإنك أحببت بقاء الكفر في الأرض، وهذا لايحبه إنسان مؤمن.
وعن سيدنا أنس رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي ﷺ قال: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا»، أخرجه الشيخان، وعن عدد من أصحاب النبي ﷺ أنه قال: «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم من آدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى».
ولنستمع إلى قصة سيدنا عمر رضي الله عنه، مر به أحد من أهل الذمة كبير السن يطلب الصدقة من الناس على قارعة الطريق، فوقف عنده أمير المومنين عمر وقال: يا هذا ماأنصفناك، لقد أخذنا الجزية منك وأنت شاب وتركناك وأنت شيخ كبير، ثم أمر له ولأمثاله تعويضا سمي تعويض الشيخوخة، فكان أول من سنه الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ولننظر إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وهو في معركة تحرير القدس من الصليبيين، عندما دخل الصليبيون بيت المقدس، ذبحوا ذبح النعاج سبعين ألفا من المسلمين، وعندما دخلها الفاتح صلاح الدين رحمات الله عليه، ما قتل أحدا، بل لما دخل بيت المقدس، رأى امرأة من أهل الذمة ، مسيحية، وهي ملهوفة، قال لها مالك يا امرأة؟ قالت أبحث عن طفل رضيع، فترك صلاح الدين القتال هو ومن معه من الجنود وأخذوا في البحث عن طفلها، واستمر ساعة من الزمن فوجد الطفل ورده إلى أمه، أية إنسانية هذه في الحروب، التي لا نجدها اليوم عند مدعي الإنسانية وحقوقها في السلم، الإسلام أوجد حقوقا للإنسان في الحرب لا توجد لدى أمم الأرض في السلم اليوم، وقل من يفقه ذلك لجهلنا بتاريخ إسلامنا العظيم وما فيه من شواهد عن أولئك القادة الفاتحين، رحمات الله تعالى عليهم أجمعين، وكلنا يذكر قول سيدنا عمر رضي الله عنه المشهور: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار؟».
وإننا لنجد في الحقوق الخاصة حق المملوك وحق الخادم، وحق العامل والأجير، ولنستمع إلى سيدنا رسول الله ﷺ وهو يوجهنا إلى ذلك، فيقول: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه»، وعن سيدتنا أم سلم رضي الله عنها قالت: «دعا النبي ﷺ وصيفة – خادمة – له فأبطأت عليه وكان بيده عود أراك – مسواك – فقال: لولا مخافة القود يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك»، فقد امتنع من ضرب خادم بعود سواك خشية القصاص والقود يوم القيامة، وهو رسول الله ﷺ، أية إنسانية هذه في التعامل مع الخادم؟
وفي الحديث الصحيح: «صنفان من أهل النار لم أراهما» قال في هذا الحديث: «رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس»، بالتعدي على حقوق هذا الإنسان المستضعف في الأرض، عندما يذلونه بضربه بحق وبغير حق، لأن علماء التشريع قالوا: لا ينبغي لإنسان ضرب آخر ضربا مبرحا إلا في حالات التعذيب بعد ثبوت الإدانة.
عن سيدنا أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: «عيرت رجلا بأمه، فقلت له: يا ابن السوداء، – وهذا تفريق عنصري – فشكاه إلى النبي ﷺ، فلقيني فقال: «ياأبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية»، أي لم يحسن إسلامك بعد، ثم قال: «هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون ،وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم»، رواه الشيخان.
وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: «إذا صنع لأحدكم خادمه طعاما ثم جاءه به، وقد ولي حره ودخانه فليقعده معه فليأكل معه، فإن كان الطعام قليلا فليضع في يديه منه أكلة أو أكلتين»، أي لقمة أو لقمتين، حتى لا يكون شيء من التعالي والكبر بين هذا السيد وبين خادمه الذي أعد له طعامه.
ويقول النبي ﷺ: «أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»، ولننظر إلى حق الجوار الذي أرشد إليه النبي ﷺ بقوله: «لازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، وقال: «أحسن إلى جارك تكن مومنا»، لذلك قال علماء التشريع: الجيران ثلاثة، جار له حق واحد، وهو الجار الكافر، له حق الجوار أن تكف أذاك عنه، وأن تحسن إليه؛ وجار له حقان، وهو الجار المسلم، له حق الجوار وحق الإسلام؛ وجار له ثلاثة حقوق، وهو الجار المسلم القريب، الذي بينك وبينه رحم».
يقول النبي ﷺ: «من آذى مسلما فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»، في حرمة الاعتداء على إنسان في نفس أو مال أو عرض، وقال علماء التشريع أن مفهوم الصفة هنا لا اعتبار له، لأن الذمي داخل بلاد الإسلام معصوم الدم والمال والعرض كعصمة الإنسان المسلم، ولنستمع إليه وهو يبين صلوات الله وتسليماته عليه، حق أهل الذمة من اليهود والنصارى في بلاد المسلمين، وحق المستأمنين، الذين يمثلون اليوم السياح الأجانب الذين يدخلون بلاد الإسلام بعقد أمان، يقول سيدنا رسول الله ﷺ: « ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة»، وفي رواية: «فأنا خصمه يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته»، وفي رواية: « ألا من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله، حرم الله عليه ريح الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفا».
ومن ذلك أنه يحرم التعدي والاعتداء على الحقوق العامة، ويفوت الإنسان مقام الشهادة إذا اعتدى على حق من الحقوق العامة، بأن غل شيئا من أموال الدولة وأخذها وكان موظفا فخان في هذه الأمانة، ولنستمع إلى هذا الحديث عن سيدنا عمر رضي الله عنه قال: «قيل يارسول الله إن فلانا قد استشهد، جاءه سهم فأصابه فقتله، قال الناس شهيد، فقال النبي: لا. فقد رأيته في النار بعباءة قد غلها لم تنلها المقاسم»، أخذ غلولا من الغنيمة لم تنلها المقاسم ففاتته رتبة الشهادة، وكان ممن عذب في النار، والعياذ بالله.
والحقوق العامة مبنية على المشاحة، وحقوق الله تعالى مبنية على المسامحة، وعلى هذا فوفاء حق العبد مقدم على حق الله تعالى، لأنه ممتزج اجتمع فيه حقان، حق الله أن يطيع فيه أمره ونهيه، وحق العبد بالأداء أو القضاء، ولأن الله تعالى غني عن حقوقه الخالصة، وأما العبد فإنه محتاج وفقير إليها.
ويشترط في المستحق أن يكون مشروعا لأنه لا يثبت لمسلم حق في شيء محرم.
والحق ينقسم إلى قسمين: حق لازم وهو الذي قرره الشرع على سبيل الحتم واللزوم كحق الله تعالى في أداء الفرائض واجتناب المحرمات والكفارات والحدود، وحق غير لازم وهو الذي قرره الشرع على سبيل الندب كحق الله في صلاة السنن والنوافل، وحق الفقير في الصدقة.
والحق من حيث اللزوم والوجوب منه ما هو واجب ديانة ومنه ما هو واجب ديانة وقضاء، ومنه ما هو واجب قضاء لا ديانة.
والحقوق من حيث المحل: حق جاري كحق الإنسان في ملكيته لسيارته ومنزله، وحق معنوي كحق التأليف وهو الاسم التجاري والاختراع.
استيفاء الحقوق:
الاستيفاء هو أخذ الحق كاملا:
أ – حقوق الله تعالى وهي قسمان: بدنية ومالية، فأما البدنية فهي عبادات وحدود، فأما العبادات التي فرضها الله تعالى على عباده، فهذه للدولة أن تجبر من فرضت عليه على وفائها، ولها أن تعاقب الممتنع، وأما الحدود فاستيفاؤها للسلطان أو وكيله.
وأما الحقوق المالية فقسمان:
1 – قسم لا مشقة على الدولة في تحصيله كزكاة الأموال الظاهرة من السوائم والمعادن وأموال التجارة، وهذا على الدولة استيفاؤه؛
2 – قسم في أمر استيفائه مشقة على الدولة، لأنه من الأمور الباطنة التي لو أراد صاحبها إخفاؤها لاستطاع، كزكاة النقود والنذور والكفارات، وولي أمر المسلمين هو المراقب.
ب – حقوق العبيد على نوعين:
1 – بدنية كالقصاص في النفس وما دونها، وهو موكول إلى ولي أمر المسلمين لايقوم أحد مقامه في ذلك، وله أن يوكل قتل القاتل العمد لأولياء المقتول إن كان ذلك يؤدي إلى تسكين الفتنة ويقضي على هائجة الأخذ بالثأر باليد.
2 – مالية، فإما أن تكون على مقر بها فيحق لصاحب الحق أن يلجأ إلى القضاء إن تعذر عليه استيفاء حقه، وإما أن تكون على منكر لها فيحق له أن يستوفي حقه بنفسه وإن لم يعلم المنكر بذلك.
ويقوم ولي المحجور عليه لصغر أو جنون باستيفاء جميع الحقوق المالية أو البدنية لهما.
لهذا أيها الإخوة والأحباء ينبغي لنا أن نرجع إلى هذه الأصول الإسلامية من النصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية حتى نعلم الجيل حقوق الإنسان، ويتخلق بها في التعامل، قبل أن يخدع بهذه المنظمات العالمية التي تاجرت في كل شيء في السلم، وتاجرت بالحروب وتاجرت بحقوق الإنسان كذلك، والعياذ بالله، كما سمعنا عن أولئك المستفيدين والمنتفعين الذين يستغلون هذه المنظمات في تمييز قوم عن قوم، هم يسمعون عن انتهاك كثير من حقوق الإنسان في بلاد المسلمين ولا يحركون ساكنا، بل وإذا قتل يهوديا من اليهود المغتصبين في فلسطين لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، لأنهم كما سمعتم يكيلون بمكيالين، وهذا لا يخفى على إنسان عربي مسلم صاحب وعي وصاحب حرية تفكير، ويضع الأمور في نصابها.