الإدمان على الأنترنيت: الأسباب والآثار السلبية والعلاج

الإدمان على الأنترنيت: الأسباب والآثار السلبية والعلاج

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، يوما بعد يوم يتأكد لدى العقلاء أن غالبية الناس أصبحت تقضي معظم أوقاتها على الحاسوب أو تنشغل بالهواتف المحمولة واللوحات الإليكترونية في متابعة مختلف المواقع النافعة وغير النافعة على الإنترنت، وأن الغالبية فقدت السيطرة ودخلت في مرحلة الإدمان على الإنترنت، وجدير بالذكر في هذا المقام أن كل من يتجاوز خمسة وأربعون دقيقة أمام الإنترنت فقد دخل مرحلة الإدمان كما يقول الخبراء في هذا الشأن. وأن ذلك يعادل تناول جرعة من الكوكايين، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

وبالمناسبة ألا ترون إلى المدمنين على الأنترنت كيف لايستطيعون التخلي عن التواصل عبرها وهم في الاجتماعات المهمة؟ ألا ترونهم كيف لا يستطيعون التخلي عنها وهم يسوقون السيارات في الطرقات؟، ألا ترونهم كيف لا يستطيعون التخلي عنها وهم في أعز لحظاتهم مع أبنائهم وأهليهم؟ وكيف لا يستطيعون التخلي عنها لأداء واجبهم الديني مع خالقهم؟ وكيف لا يستطيعون التخلي عنها لإعطاء الراحة لأنفسهم بأخذ قسط الراحة المعتدل من النوم في الليل؟، ألا ترون إلى العديد من الناس وهم يضعون السماعات في آذانهم ليل نهار في تتبع المواقع، وياليتهم يستمعون إلى شيء نافع؟ وغير ذلك من التجليات التي تعرفونها والتي أصبحت لا تخفى على أحد…؟؟؟ فماهو الحكم الشرعي لاستعمال الإنترنت بشكل سلبي؟ وماهي الأسباب المؤدية إلى الدخول في الإدمان على الإنترنت؟ وماهي أعراض ذلك؟ وماهي أهم الآثار السلبية من استخدام الإنترنيت الاستخدام السلبي؟ وماهي مواقع التواصل الاجتماعي التي تصلح أن يتتبعها المسلم والتي لاتصلح؟ وكيف للمدمن على الإنترنت التوقف عن الإدمان؟

عباد الله، إن حجم الآثار السلبية لاستخدامات الإنترنيت تتجلى بشكل جلي في العديد من الظواهر السلبية التي غزت مجتمعنا، وذلكم كالانحلال الخلقي والخيانة والتجسس والنصب والغش والسرقة وضياع الوقت وتشجيع الفساد وغيرها من الأضرار التي لاتخفى على عاقل، وبذلكم فإن العلماء يعدون استخدام الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي على صورتها الهدامة لنواحي المجتمع من المحرمات والآثام، وأدلتهم على ذلك إجماع علماء الأمة قديما وحديثا على أن كل ما جاء في الشريعة الإسلامية يهدف إلى حفظ الكليات الخمس وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال، فهو حلال وما جاء لعكس ذلك فهو حرام. أضف إلى ذلك قاعدة “سد الذرائع”، ومعناها تحريم المباح لكونه يؤدي إلى محرم، وقاعدة”لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ”، وتطبيق هاتان القاعدتان يعني أن استخدام الإنترنيت فيما يجر إلى الفساد ويوقع المزيد من الأضرار على الفرد والمجتمع، يعد محرما. أما استعمال الإنترنت في الجوانب الإيجابية الدينية والعلمية والتعليمية والتربوية والتثقيفية الهادفة العديدة التي يصعب حصرها، فإنه لامانع من ذلك توظيفا لها لمصلحة الأمة الإسلامية، خدمة للفرد والمجتمع وخدمة لنواحي الحياة المختلفة بما يتناسب وأصول الشريعة.فحلالها حلال وحرامها حرام كما يقال.

عباد الله، وإن أهم أسباب دخول أحدنا مرحلة الإدمان على الإنترنت تعود بادئ ذي بدء إلى الفراغ، ثم إلى غياب أو ضعف الدور التربوي للوالدين، والشعور بالوحدة والملل، والمغريات المتعددة التي توفرها شبكة الإنترنت، وضعف الوازع الديني والإيماني، والهروب من الواقع إلى واقع بديل، خاصة أنه يتيح الفرصة للتعبير عن الأسرار الشخصية والرغبات الدفينة. وأن الأطفال والشباب يجدون فيها من يعبر لهم عن الإعجاب بأقوالهم وآرائهم وما يحسنونه من إبداعات إيجابية وسلبية، الأمر الذي يفتقدونه داخل أسرهم. وهذا أمر ينبغي أن ننتبه إليه.

وقد يسأل سائل وماهي أعراض الإدمان على الإنترنت؟ أقول في الجواب، أهم أعراض ذلك زيادة عدد الساعات على الإنترنيت التي قد تتجاوز لدى البعض أكثر من ست ساعات، والتوتر والقلق في حالة وجود عطب يتصل بالشبكة، والاقتصار على التواصل مع الغير فقط دون البحث عن الفوائد المفيدة، وإهمال الواجبات الدينية والدراسية والاجتماعية والأسرية والوظيفية المختلفة، والامتناع عن النوم والأكل والشرب، والتوقف عن ممارسة أي نشاطات رياضية أو اجتماعية..

وتتجلى أهم الآثار السلبية من استخدام الإنترنيت الاستخدام السلبي عباد الله، في إهمال تأدية العبادات التي طلب منا الخالق أداءها، مما يؤدي إلى الغفلة عن الله نسبيا أو كليا، وإشاعة الخمول والكسل وإضاعة الالتزامات الحياتية، وتعلم العادات والسلوكات السيئة والكلام البذيء، والتعرف على صحبة السوء، وإضاعة الوقت والجهد في المحادثات التافهة والتعارف المجرد والصداقات الوهمية، والإرهاق النفسي والبدني، فضلا عن تفكك الروابط الأسرية وضياع المسؤولية المشتركة داخل الأسرة، وظهور غربة داخلية بين أفرادها، وتعرُّض روَّاد الشبكة للتجسس على أسرارهم الشخصية والتشهير بهم وابتزازهم ومضايقتهم، ووقوعهم في النصب والاحتيال في حالات التجارة والتسويق عبر الشبكة، والاعتداء على أموال الغير كقرصنة الحسابات المالية وسحب الأرصدة، وتزايد مظاهر الحقد والحسد والرغبة في إلحاق الشر والأذى بالآخرين من خلال ما ينشره الرواد من أخبار وتفاصيل عن حياتهم الخاصة والعملية. نسأل الله عز وجل أن يحفظنا ويحفظ أهلينا وذوينا من هذه الآثار السلبية، أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فياعباد الله، فماهي المواقع التي تصلح أن يتتبعها المسلم والتي لاتصلح أن يتتبعها؟ كل المواقع التي نلمس فيها رقيا في الفكر والمضمون الذي تقدمه، وكل المواقع التي تقدر قيمة الوقت لدى المستهلك بالاطلاع على عنوان المحتوى ومدته الزمنية أولا، وكل المواقع التي لها خلفية علمية تعليمية، وكل المواقع التي تشاركنا محتوى مفيدا بمفاهيم صحيحة وأهداف نبيلة وغيرها. فهذه كلها مواقع تصلح للمتابعة لما فيها من الإفادة.

 وإذا عرفنا ذلك فينبغي أن نمتنع عن متابعة كل  الأشخاص والحسابات والمواقع التي تشكك في العقيدة الإسلامية وتطعن في الدين الإسلامي، أو التي تروج لأفكار متطرفة أو مخالفة دخيلة على المجتمع، ومواقع لعب القمار والإباحية، ومواقع الترويج للقتل وتشجيع الانتحار، والأشخاص والحسابات والمواقع التي تنشر محتوى بذيئا وسيئا، والحسابات والمواقع ذات المحتويات الترفيهية الفارغة المضيعة للوقت والجهد والتفكير، والحسابات والأشخاص والمواقع الذين يشيعون الفاحشة وينقلون الأخبار الكاذبة، والأشخاص والحسابات الذين يجعلون من مواقع التواصل الاجتماعي منبرا للتفرقة والعنصرية والتقليل من شأن الوطن، وغيرها.

ختاما عباد الله، ولكي يتوقف المدمن عن إدمانه على الإنترنت، هناك أمور شخصية ذاتية ترجع إليه أولا وينبغي أن يقوم بها، وهناك أمور ينبغي أن يقوم بها من معه من أهل وأصدقاء وعشيرة، وهناك أمور ينبغي أن يقوم بها المسؤولون في المجتمع، أول ذلك ينبغي على المدمن التوقف والاعتراف أولا والوعي بالإدمان والإصرار على التخلص منه، والبدء فورا في العلاج، وذلك بضبط وقت التواصل وعدم التفكير فيها عند تركها. والمحافظة على الواجبات الدينية ومختلف نوافل الخير، ومصاحبة الأخيار وأصحاب الهمم العالية، ومجالسة أهل المعرفة والعلم والخلق الحسن والاستفادة منهم، وإزاحة الأشخاص غير المهمين من قائمة الاتصال والحسابات في الحاسوب والهاتف النقال، والقيام بزيارة مواقع أخرى نافعة، وتعزيز الاهتمامات الشخصية وتطويرها، وتجديد أسلوب الحياة وتنويع الأنشطة اليومية تفاديا للفراغ والملل، كما أنه يعد لزاما على الآباء والأمهات وأولياء الأمور تعلم تقنيات الإنترنيت ومستجداتها لأجل مواكبة الأبناء في استعمالها، بتقنين الوقت ومراقبتهم عند استخدام الشبكة داخل المنزل وخارجه، ومنع استخدام الإنترنيت في الغرف المغلقة خاصة للأطفال والمراهقين، وتحقيق الدفء الأسري ما أمكنهم ذلك، والحرص على قضاء وقت عائلي، وينبغي على المسؤولين في المجتمع، وعلى غرار المجتمعات المتحضرة، العمل على تقنين استعمال الإنترنت لمختلف الفئات العمرية، وتوقيع العقوبات الصارمة لمستخدمي الإنترنيت الذين ينشرون الرعب والفساد والانحلال والرذيلة والجريمة والإضرار بالوطن وبوحدته ومحاربة الأمة في عقيدتها وأبنائها ومقوماتها. والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *